من بينها "ألبوم الوطن".. مبادرات فلسطينية وعربية ومصرية للحفاظ على تراث فلسطين (صور)
أمام ما يشهده كلا من المجتمع العربي والمصري من مأسي يتعرض لها الفلسطينيين على يد المحتل الإسرائيلي، لم يغب عنهم محاولات الحفاظ على التراث الحضاري الفلسطيني الذي يسعى المحتل لطمسه هو الآخر كما طمس وجود عائلات ومنازل كاملة داخل الأراضي الفلسطينية.
إذ قام كلا من المجتمع العربي والمصري بالعديد من المبادرات التي تهدف للحفاظ على تراث فلسطين باعتباره تراثًا وتاريخًا حضاريًا يخص الأمة العربية بأكملها، ولا يقتصر على دولة بعينها.
"الدستور" تستعرض عددًا من تلك المبادرات التي تعكس انتباه المجتمع العربي والمصري لمحاولات التشويه والاستيلاء على ذاكرة فلسطين الحضارية في مجزرة لا تقل ضراوة عن المجازر التي يقوم بها هذا المحتل الإسرائيلي يوميًا ضد شعب هذا البلد.
مبادرات مصرية
في مصر أُطلقت منصة تدعى "ألبوم الوطن" في القاهرة خصيصًا لحفظ وتوثيق التراث الفلسطيني، وذلك بهدف نشر الصور والوثائق القديمة والنادرة الفلسطينية بعد جَمعها في معرض إلكتروني تحت عنوان "ذكريات من فلسطين العربية".
وتحدث عن فكرتها مؤسسها المصوّر الفوتوغرافي المصري أحمد راضي قائلًا، إن الفكرة قد وُلدت من وحي الحرب الطاحنة في غزة، وذلك تضامنًا مع الفلسطينيين، موضحًا أن معرض المنصة يهدف إلى دعم فلسطين وأهل غزة، للتأكيد على دور الفن في توثيق التراث وإحياء الاهتمام بالقضايا الكبرى.
واستقبلت المنصّة بشكل متواصل صورًا توثق لقطاعات مختلفة من تاريخ الشعب الفلسطيني خلال أكثر من قرن مضى، وذلك عبر تتبُّع أحداث ومحطّات بارزة، وكذلك المواسم الزراعية، والمناسبات الاجتماعية والدينية، والمِهن المختلفة وأيضًا الأزياء الفلسطينية، والذاكرة العائلية، وذلك إلى جانب أعمال لعدد من الفنّانين التشكيليّين الفلسطينيّين.
وقد ضم المعرض الرقمي 50 صورة ولوحة تشكيلية تجسّد تراث القدس والمدن المختلفة، مثل يافا، وحيفا، وغزة، ورام الله، وذلك بجانب الصور الفوتوغرافية النادرة، واللقطات العائلية التي تضمّنها المعرض.
كما حرص منظّم معرض منصة "ألبوم الوطن" على عرض مجموعة من الأعمال التشكيلية المستوحاة من التراث الفلسطيني لبعض الأسماء المهمّة من الفنانين التشكيليين الفلسطينيين، منهم إسماعيل شموط.
وحرصًا منها على التأكيد على إثبات التراث وتوثيق أكبر عدد من أشكاله من خلالها، توجهت المنصة بدعوة إلى الفلسطينيين لنشر الصور القديمة والنادرة لفلسطين عبر التعليقات وعرض ونشر الصور القديمة من ألبوم الذكريات للأجداد والآباء وتجمعات العائلات الفلسطينية في المناسبات المختلفة والصور النادرة لأحياء ومدن وتراث فلسطين فى التعليقات، حتى تقوم بتجميع هذه الصور وإعادة نشرها على الصفحة فى معرض فوتوغرافى رقمي.
مبادرات عربية
وعلى المستوى العربي، فقد أقيمت العديد من الاحتفاليات بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية حول حماية وإحياء التراث الثقافي لفلسطين، وكان أحدثها ما أقيم في ٢٧ فبراير الماضي، والتي قامت على تنظيمها الأمانة العامة (قطاع الشؤون الاجتماعية - إدارة الثقافة وحوار الحضارات).
تضمنت الاحتفالية جلسة عمل تم خلالها تقديم عرض بالصور للانتهاكات التي لحقت بالتراث الثقافي في فلسطين بسبب ممارسات الاحتلال، كما ركزت الاحتفالية على خمسة محاور تضمنت "مخاطر طمس الهوية العربية للقدس" و"غزة بين تدمير الحجر وتهجير البشر" و"رقمنة التراث العربي وأدوات الذكاء الاصطناعي: فلسطين ذاكرة أمة" و"تحليل التراث غير المادي - خطوة ما قبل الرقمنة" و"تراث المخطوط الفلسطيني بين النهب والإنقاذ".
وشارك في الاحتفالية الدول الأعضاء وممثلون عن منظمات "الإسيسكو" و"اليونيسكو" و"الألكسو" وأكاديميون ومتخصصون وكذلك خبراء في مجال حماية وصون التراث الثقافي العربي.
وعن تلك الاحتفالية قال الوزير المفوض حيدر الجبوري، مدير إدارة شؤون فلسطين بجامعة الدول العربية، إن الثقافة قد لعبت دورًا بارزًا في حماية الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني بكل مكوناتها، مؤكدًا أن من خلالها حافظ الشعب الفلسطيني على تقاليده وموروثه الثقافي، وكذلك ممتلكاته الحضارية ومقدساته وقيمه وسلوكه.
وتابع بقوله إنه قد حُرم هذا الشعب طويلًا من مؤسساته الثقافية التي تعنى بالتراث الثقافي والحضاري في دولة فلسطين، بسبب ما تقوم به سلطات الاحتلال من جرائم بحق الممتلكات الثقافية والتاريخية والدينية مخترقة بذلك الحماية الخاصة المكرسة لتلك الأماكن وذلك بموجب الأحكام والاتفاقيات الدولية، موضحًا أن ذلك الأمر الذي يضع علينا واجبًا كبيرًا نحو حماية هذه الممتلكات، وفضح ممارسات الاحتلال تجاهها
وأضاف في كلمته أمام احتفالية يوم التراث العربي بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، أنه بموجب اتفاقية حماية التراث العالمي فمن الواجب على جميع المؤسسات الأممية والإقليمية المعنية الوقوف أمام انتهاكات الاحتلال بحق التراث الثقافي والحضاري الفلسطيني، ومد يد العون المادي والفني لترميم المعالم التاريخية المهددة بالخطر، بفعل جدار الفصل العنصري والمستوطنات الإسرائيلية، التي تغذي عملية التشويه تلك التي تتعرض لها لحظيًا الهوية الفلسطينية، موضحًا أن هناك الآلاف من المواقع والمعالم الأثرية التي قد عزلها الجدار، إضافة إلى عشرات المواقع التي دمرتها مسارات الجدار والاستيطان.
كما أوضح حيدر مدى معاناة القطاع الثقافي الفلسطيني والممتلكات الثقافية في قطاع غزة، وذلك جراء التدمير الشامل والممنهج الذي يقوم به العدوان الإسرائيلي الغاشم المتواصل على القطاع، منذ السابع من أكتوبر الماضي والى الأن، والذي طال البنية التحتية الثقافية في القطاع، وكذلك نال العديد من المبدعين في مختلف المجالات
وشدد مدير إدارة شؤون فلسطين بجامعة الدول العربية على أن الموروث الثقافي في الضفة الغربية يواجه مخاطر كبيرة نتيجة استفحال ظاهرة سرقة الآثار وتدميرها، منوهًا أنها سرقة مرتبطة بمجموعات إسرائيلية تسرق الآثار، لافتًا إلى أنّ الاحتلال يدفع مبالغ مالية كبيرة لتجار إسرائيليين يتجولون في القرى الفلسطينية وينهبون المناطق الأثرية في الضفة الغربية المحتلة، لصالح متاحف الاحتلال التي تقوم بشرائها وعرضها على انها آثار إسرائيلية.
وأوضح حيدر أنه منذ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين سنة 1948م أصبحت مدينة القدس إلى جانب المدن والقرى الفلسطينية رمزًا للصراع الثقافي، إذ قام الاحتلال الإسرائيلي بتغيير ملامح فلسطين العربية ومعالمها الجغرافية والدينية والمعمارية والسكانية، ثم بدأ بسلسلة جرائمه المشهودة بهدم المنازل والاستيلاء على الأملاك الخاصة والعامة، ومصادرة الأراضي، وكذلك إغلاق المدارس والمراكز التعليمية والثقافية وكذا المواقع التراثية والأثرية، والتدخل في المناهج التعليمية، والاستيلاء على الكتب والمخطوطات والخرائط، وأيضًا الاعتداء على دور العبادة الإسلامية والمسيحية.
ولفت إلى أن ذلك يحدث على الرغم من أن الموروث الثقافي يتمتع بحماية خاصة في القانون الدولي الإنساني، وتشكل مجموعة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والقوانين والأنظمة الوطنية على مستوى الدول الإطار العام لحماية التراث الثقافي على الصعيدين الوطني والدولي، مشيرًا إلى اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بالنزاع المسلح، ومعاملة المدنيين وقت الحرب الموقعة عام (1949م)، والتي تمنع ارتكاب أية أعمال عدائية موجهة ضد الآثار التاريخية، أو الأعمال الفنية، وأماكن العبادة التي تشكل التراث الروحي للشعوب، إضافة إلى اتفاقية لاهاي والبروتوكولات التابعة لها.
وأكد أن الاحتلال يضرب بالقانون الدولي الإنساني عرض الحائط، ولم يكتف فقط بسرقة الأرض بل اقتلع أشجار الزيتون التي يزيد عمرها عن آلاف السنين، ودمَّر مباني يزيد عمرها عن مئات السنين، في المدن الكبرى مثل القدس ونابلس والخليل، كذلك لم تسلم رفات الأجداد واللقى الأثرية، من السرقة، التي تدل على وجود الشعب الفلسطيني على مدار التاريخ على أرض دولة فلسطين.
مبادرات فلسطينية
ومن جانبها تطلق العديد من المؤسسات الفلسطينية بعض المبادرات من أجل الهدف ذاته وهو الحفاظ على الهوية والتراث الفلسطيني، إذ سبق وأن أطلق بنك القدس بالتزامن مع يوم التراث الفلسطيني والذي يصادف في ٧ أكتوبر أول من كل عام مبادرة "يدَويّ" وذلك بالشراكة مع وزارة شؤون المرأة، إذ قام البنك من خلال هذه المبادرة بتقديم الدعم لعدد من الجميعات التي تعنى بالتراث الفلسطيني في مختلف محافظات الوطن، وذلك حرصًا منه على الهوية الوطنية، وتعزيز الحفاظ على التراث الفلسطيني، ونشر الوعي بأهمية التراث بين أفراد المجتمع.
ومُبادرة "يَدَويّ" تستهدف تطوير منتجات الجمعيات التي تُعنى بفنون التراث الفلسطيني، من خلال تنفيذ أعمال تراثية يدوية على أيدي نساء فلسطينيات.
ويحتفل الفلسطينون سنويًا في السابع من شهر أكتوبر بيوم التراث الفلسطيني، والتي تعتبر مناسبة سنوية يتم من خلالها تنظيم فعاليات لإحياء التراث الفلسطيني بهدف الحفاظ عليه من النسيان والسرقة.
كما اعتادت المرأة الفلسطينية أن تلعب دورًا هامًا في الحفاظ على التراث الفلسطيني في يوم العالمي للمرأة، إذ تلجأ بعض النساء الفلسطينيات من قطاع غزة إلى إعادة تدوير الثياب المطرزة القديمة وبقايا الطعام وأوراق الأشجار الجافة والورق لإنتاج تحف فنية ومشغولات مطرزة جديدة وألواح رسم لإحياء التراث بالإضافة إلى أن ذلك كان قد ساعدهن على إدرار الدخل وتحسين ظروف المعيشة.