السفير حسين هريدى: الهدف الإسرائيلى من حرب غزة هو السيطرة على الحدود المصرية الفلسطينية
حذر السفير حسين هريدى، مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الآسيوية، من أن الهدف الحقيقى للحرب الإسرائيلية الحالية فى قطاع غزة هو السيطرة على الحدود الفلسطينية المصرية، إلى جانب التوسع والسيطرة على الأراضى التى دخلتها بالقوة، وترسيم حدود لها معترف بها دوليًا.
ورأى «هريدى»، خلال استضافته فى برنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز، على قناة «إكسترا نيوز»، أن رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، يرفض أى جهود للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، فى ظل انتظاره نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، المقرر إقامتها فى ٥ نوفمبر المقبل، مع رهانه على عودة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، فى ظل دعمه الكبير لتل أبيب.
وشدد مساعد وزير الخارجية الأسبق على ضرورة تماسك الجبهة الداخلية فى مصر أمام التحديات المتعددة التى تواجه البلاد، فى ظل الاضطراب الكبير الذى يسود المنطقة، واصفًا موقف مصر فى دعم الفلسطينيين بأنه تاريخى وصادق منذ ١٩٤٨.
■ كيف رأيت ما حدث فى ٧ أكتوبر وما تبعه من أحداث أثرت فى المنطقة كلها؟
- أتابع بصورة كبيرة الأحداث التى تمر بها المنطقة العربية، وتطورات الأحداث فى فلسطين، قبل وبعد السابع من أكتوبر. وأرى أنه لا يمكن الحديث عن أوضاع المنطقة العربية الآن دون ربطها بما كان يدور قبل هذا التاريخ. الأحداث فى قطاع غزة والمنطقة تجاوزت هذا الحدث، وما نشهده الآن هو إعادة صياغة الخريطة الجيوسياسية فى المنطقة.
ما يحدث فى غزة الآن ليس حربًا نظامية مثل أكتوبر ١٩٧٣ على سبيل المثال، لأن الحروب النظامية تكون لتحقيق أهداف محددة، بل نحن الآن أمام حروب متداخلة بصورة كبيرة، ويوجد بها الكثير من الأطراف. لكن يمكن القول إن أطراف المعركة الأساسية الآن هم إسرائيل والولايات المتحدة، بغض النظر عن أحاديث الأخيرة المتكررة عن الجانب الإنسانى، فموقفها السياسى الداعم لإسرائيل لا يتوقف، فى ظل أن لها مصالح خاصة تحققها من خلال إسرائيل.
الخلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول مدينة رفح الفلسطينية ليس على مبدأ الاجتياح من عدمه، بل يتعلق بطريقة الهجوم، فالولايات المتحدة تهدف إلى استخدام عدد من القوات لتحقيق أهداف محددة داخل رفح، وليس الاجتياح البرى الشامل مثلما حدث فى غزة، لذا فإن الخلاف على طريقة الاجتياح، لا رفض المبدأ من الأساس.
ويمكن القول إن الذى يدير المشهد فى المنطقة هى الولايات المتحدة الأمريكية، وهدفها الأساسى حماية مصالحها الأمنية والاستراتيجية فى المنطقة، كما أن واشنطن تريد السيطرة على الشرق الأوسط، ومنع الصين وروسيا من ذلك.
كل المعارك الحالية تدور على أراض عربية، وبالتالى المنطقة بالكامل فى حالة صراع. ويمكن القول إن الهدف الإسرائيلى من حرب غزة الآن ليس استهداف كتائب «حماس» فى فلسطين، لكن الهدف الأساسى هو الوقوف على حدود مصر مع قطاع غزة، والسيطرة على هذه الحدود لفترة زمنية لا تقل عن ١٠ سنوات، وهذا بناء على تحليلى الشخصى لتصريحات أدلى بها بعض النماذج الصهيونية.
■ ما رأيك فى الموقف المصرى تجاه هذه الصراعات؟
- مصر من أكبر الدول التى تضررت من هذه الحرب الصهيونية فى فلسطين، بداية من التأثر الاقتصادى السلبى، وهو ما تزامن مع مواجهة البلاد تحديات اقتصادية صعبة أخرى، مثل جائحة «كورونا»، والحرب الأوكرانية الروسية. لكن مصر دولة عريقة اقتصاديا وسياسيًا واستراتيجيًا بصورة كبيرة، وبالتالى فإنها قادرة على الصمود أمام هذه الصراعات والتحديات. وأحذر من أن تكلفة عدم التعامل مع هذه التحديات فى المنطقة ستكون مضاعفة مقارنة بالدخول لحل هذه الأزمات سريعًا.
ولا يقتصر الأمر على الأضرار الاقتصادية الشديدة التى تواجه مصر جراء هذه الحرب، لكن هناك أبعاد أخرى تخلق تحديات فى الوقت الراهن والمستقبل على حد سواء، فنحن أمام صراع سيستمر بين قوتين إقليميتين لا تكنان أى خير لبعضهما البعض، مع قوى إقليمية لا تستطيع أن تقف فى مواجهتهما، والحديث هنا عن إسرائيل وإيران.
وعندما نقف أمام خريطة المنطقة يجب أن نأخذ خطوة إلى الوراء، بمعنى أن نرصد المشهد من بعيد دون مشاركة فيه، ومصر تتفاعل بما يستوجبه الموقف، مع أخذ خطوة إلى الوراء؛ لأنها تدرك أبعاد هذه المواجهة بين هاتين القوتين، وتعلم من يحرك هذه المواجهة، قبل وبعد السابع من أكتوبر.
مصر لا تريد أن تكون طرفًا فى ذلك، لأنه لن يأتى لها بأى مصلحة، بل يتناقض مع دورها الطبيعى والتاريخى فى أن تكون رمانة الميزان فى المنطقة، على ضوء أنها قوة يعتد بها، على الرغم من المصاعب الاقتصادية فى الحاضر والمستقبل، لذا هناك رهانات كبيرة فى المنطقة حول الدور المصرى فى هذه الحرب، خاصة أنها فى المعادلة، ولا يمكنها تجاهل ما يحدث فى المنطقة بسبب البُعد الجغرافى والسياسى المشترك.
يجب أن نستخدم هذه الورقة لضمان مصالحنا، ولتأمين حدودنا التى تتعرض الآن لتهديدات وتحديات، سواء الحدود الغربية أو الجنوبية، أو الشرقية التى تسمى حدود مصر مع فلسطين تحت الانتداب طبقًا لمعاهدة ١٩٠٦. وأعتقد أن مصر تدير التعامل مع هذه التغيرات المتلاحقة ببُعد نظر وهدوء أعصاب.
■ لكن أحيانًا المواطن ينتظر رد فعل آخر من مصر على ما يحدث من أحداث يومية.. هل ترى الرد المصرى الدبلوماسى يتسم بالتعقل والهدوء والحسابات الدقيقة أم لا؟
- لا شك أن وقوف مصر مع الشعب الفلسطينى هو وقفة تاريخية صادقة، وكل المواقف التى نعبر عنها تنطلق من رصيد تاريخى، ولا يستطيع أن يختلف أحد على موقف مصر فى التعامل مع القضية الفلسطينية منذ ١٩٤٨، لكن بالنسبة للأبعاد الأخرى، مصر تتعامل بحسابات مدروسة جيدًا، ولا تنجر إلى معارك لا تخصها ولا تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومى المصرى أو للسيادة المصرية، فهى تتعامل فى حدود حسابات، وهذه الحسابات تتغير يوميًا، وتمارس دورها بطريقة عاقلة ومتوازنة بين الأوضاع الراهنة وفى المستقبل.
■ كيف تقيم إدارة إسرائيل هذه الأزمة على خلفية تعاملك المباشر مع الإسرائيليين؟
- إدارة إسرائيل هذه الأزمة تتسم بعدم الاتزان، فهناك تخبط وصراعات داخل عملية صنع القرار الإسرائيلى حول الأهداف العسكرية، وتخبط وصراعات حول المرحلة التى تلى انتهاء الحرب، وتخبط وصراعات حول من سيحكم إسرائيل فى فترة ما بعد الحرب أيضًا، هل يستمر «الليكود» أم لا؟
وأرى أن المشكلة ليست فى بنيامين نتنياهو، ولكن فى سيطرة الفكر اليمينى الصهيونى المتطرف، الذى جسده حزب «الليكود» منذ عام ١٩٧٧، عندما فاز فى الانتخابات ضد حزب «العمل»، ما أدى إلى سيطرة أفكاره فى الذهنية الإسرائيلية، ومن بينها أن وجود إسرائيل كدولة مُهدد من فلسطين وإيران.
والتخبط حول الأهداف ومستقبل إسرائيل أديا إلى عدم اتزان فى الخطاب السياسى الإسرائيلى، وفى التصرفات الإسرائيلية. وإسرائيل تعيش حالة صدمة على كل المستويات، فما حدث من الصدمات الثقيلة جدًا على إسرائيل، وهذا يرجع إلى سببين، أولهما أنهم كانوا يعيشون تحت اعتقاد أنهم الوحيدون فى المنطقة الذين يحتكرون استخدام القوى المسلحة، فى الوقت الذى يريدونه، وبالأسلوب الذى يختارونه؛ لتحقيق أهدافهم، دون أى منازع أو منافس، أو دون وقوف قوى عربية أو إقليمية أمامهم تستطيع أن تحيد استخدامهم اللا محدود للقوى المسلحة لتحقيق أهدافهم الاستراتيجية، حتى جاء ٧ أكتوبر ودمر هذا الاعتقاد، أما السبب الثانى فهو إنفاقهم ٢ مليار دولار على حدود قطاع غزة مع جنوب إسرائيل، للحيلولة دون وقوع مثل هذا الهجوم.
وسواء نتحدث عن «نتنياهو»، أو قيادات أجهزة الأمن والمخابرات والأمن العام، أو النخبة السياسية الإسرائيلية، أرى أنهم جميعًا ما زالوا تحت وقع الصدمة، وهذا ما أنتج عدم الاتزان فى إسرائيل. لكن يوجد بُعد آخر، هو ما يمثله «نتنياهو» و«الليكود»، والائتلاف الحكومى الأكثر تطرفًا نحو اليمين، الذى حكم إسرائيل منذ ١٩٤٨، ويقودنا إلى الأهداف بعيدة المدى، واستخدام الحديد والنار لتحقيقها.
وحزب «الليكود» هو وريث حزب «الحيروت»، الذى كان يجسد فكرة «الصهيونية التصحيحية» لصاحبها فلاديمير جابوتنسكى، التى كانت رد فعل ومعارضة داخل الحركة الصهيونية العالمية لـ«صهيونية بن جوريون»، وأكثر تشددًا، ونشأت من عباءتها عدة تنظيمات عسكرية قبل عام ١٩٤٨، منها «الأرجون» وعصابتا مناحم بيجن وإسحاق شمير، اللذين أصبحا رئيسى وزراء إسرائيل فيما بعد.
هذه «الصهيونية التصحيحية» ترى أن فلسطين تحت الانتداب، وتمثل «إمارة شرق الأردن»، وأن السيادة الإسرائيلية يجب ممارستها على الجانب الغربى والجانب الشرقى لنهر الأردن، هذا هو تصور «الصهيونية التصحيحية»، ويتم تنفيذه على الأرض حاليًا.
وكما يعلم الجميع أن إسرائيل، حتى الآن، ليست لها حدود جغرافية معترف بها، لذا أرى أننا فى بداية مرحلة ستنتهى بمحاولة تحديد حدود دولية معترف بها لإسرائيل، هذا فى تصورى هو الهدف غير المعلن من كل هذا العدوان الدموى والشرس غير المسبوق، فى ظل عقيدة عسكرية إسرائيلية قائمة على نقل المعارك خارج «أرض إسرائيل»، وسرعة حسم المعركة، لكن منذ ١٩٤٨ لم تنجح إسرائيل فى نقل الحرب خارج أرضها بنسبة ١٠٠٪، وقد شاهدنا الصواريخ الإسرائيلية تضربها فى الداخل.
من ناحية أخرى، إسرائيل طوال تاريخها لم تستمر فى عملية عسكرية لمدة شهر، مثل المواجهة مع «حزب الله»، فى يوليو وأغسطس ٢٠٠٦، لكن هناك دوائر إسرائيلية حددت مدة الحرب الحالية بسنتين، لأن هذه الحرب- كما ذكرت- لها أهداف أخرى أكبر من «حماس»، هى توسع إسرائيل والاعتراف بسيادتها على أراض أخرى.
■ البعض يقول إن التعنت من قبل إسرائيل و«حماس»، وإن كلا الطرفين لا يريد التنازل أو التفاوض.. ما رأيك فى ذلك؟
- يمكن أن يُفسر هذا الموقف من عدة زوايا، أولاها أن الطرفين ينظران إلى الحرب باعتبارها «مباراة صفرية»، إذا خرج طرف منها منتصرًا، سيخرج الآخر مهزومًا، وهذه فى الحقيقة نظرة لا تنطبق ولا تتماشى مع السياق التاريخى للقضية والصراع الفلسطينى الإسرائيلى.
النقطة الثانية أن القيادات التى تدير هذه المواجهة الدموية، مع كل الاحترام لحق الشعب الفلسطينى فى المقاومة، ترى أن الخروج منتصرًا من هذه الحرب والمواجهة العسكرية الشرسة، يلزم أن يخرج الطرف الآخر دون أن يحقق أهدافه.
لذا «حماس» تطالب بوقف إطلاق نار دائم، وانسحاب إسرائيل الكامل من الأراضى من قطاع غزة، لأنها تعلم أن الورقة الوحيدة التى فى يدها حاليًا هى الرهائن، وفى حال أطلقت سراحهم جميعًا، لا يوجد ضمان أن إسرائيل لن تعاود الهجوم أو احتلال قطاع غزة من جديد، إذا ما أعلنت أنها ستوقف إطلاق النار وتنسحب.
أما من وجهة نظر إسرائيل، فهى لا تريد أن تتعهد الآن أو تضمن للولايات المتحدة الأمريكية وقف إطلاق نار دائم، وحتى الولايات المتحدة لا تميل إلى فكرة وقف إطلاق النار الآن، كما أن «نتنياهو» يلعب بورقة الوقت، على الأقل حتى نوفمبر المقبل.
■ ما السبب الذى يدفع نتنياهو للانتظار حتى نوفمبر؟
- فى ٥ نوفمبر المقبل ستُقام الانتخابات الرئاسية فى الولايات المتحدة الأمريكية، مع تغيير كل أعضاء مجلس النواب، وثُلث أعضاء مجلس الشيوخ، وبالتالى يراهن بنيامين نتنياهو على عودة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض فى هذه الانتخابات، باعتبار أنه أقرب إليه بشكل كبير.
إسرائيل حققت فى عهد «ترامب» أغلب أهدافها الاستراتيجية، حتى إن إدارة الرئيس الأمريكى السابق اعترفت بحقها فى الوصول إلى أغوار نهر الأردن، إلى جانب اعترافه بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، وصولًا إلى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
وفى عهد «ترامب» أيضًا طُرحت خطة السلام التى أُطلق عليها «صفقة القرن»، فى ٢٠٢٠. وللعلم من وضع هذه الخطة هو «نتنياهو» وسفيره فى واشنطن آنذاك، الذى يشغل منصب وزير الشئون الاستراتيجية فى الحكومة الإسرائيلية الآن. وإذا عاد الرئيس الأمريكى السابق إلى البيت الأبيض، فى ٥ نوفمبر المقبل، ستُنفذ هذه الخطة على الأرض، بكل ما تتضمنه من بنود، وعلى رأسها ما يعرف بـ«السلام الاقتصادى».
■ إذن هل ستتغير خطة إسرائيل فى حال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض؟
- دعنى أقول لك، إن الهدف الإسرائيلى بعيد المدى سيظل قائمًا، مع اختلاف جميع رؤساء الولايات المتحدة. لكن أرى أنه فى حال عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، سيستمر هذا المشهد الحالى. أما فى حال إعادة انتخاب الرئيس الحالى جو بايدن لولاية جديدة، سيعمل على استكمال الجهود الدبلوماسية، ويمكن التوصل إلى وقف إطلاق نار مؤقت، وإطلاق سراح الراهن.
فى ضوء الصراع.. ما رسالتك للرأى العام المصرى؟
- دور مصر فى المنطقة لم يختلف أبدًا عن الأوضاع الداخلية، فكلما كانت الأوضاع فى الداخل متماسكة وصلبة، كان هذا الدور أكثر تأثيرًا وحسمًا، وبالتالى قوة الجهة الداخلية وتماسكها يؤدى إلى تعظيم قمية الدور المصرى فى هذا الملف، وغيره من الملفات الخارجية.
وأرى أنه فى الفترة المقبلة إذا ما أخذنا كل المعطيات الحالية فى الاعتبار، سواء الدولية أو الإقليمية أو العربية، سيتطلب ذلك وقفة مع النفس، وإعادة تقدير الموقف برمته فى المنطقة، فى الوقت الحالى والمستقبل. وحتى تتعامل مصر مع هذه التطورات، ينبغى تكامل الوضع الداخلى سياسيًا واقتصاديًا وجماهيريًا، حتى على مستوى التنظيم السياسى، فلا نستطيع عندما نتحدث عن دولة بحجم مصر أن نراعى بُعدًا ونترك أبعادًا أخرى، ونحن شعب لدينا وعى كبير وحضارة عريقة، والعقل المصرى متمسك بفكرة الدولة وقيمتها، بغض النظر عن أى تطورات.