فلسطين.. نوتردام
جاء طوفان الأقصى ليذكرنا بقصة "كوازيمودو وأزميرالدا"، في رواية أحدب نوتردام، لفيكتور هوجو. "كوازيمودو" الأحدب الضعيف المنبوذ من الجميع، المختبئ بين جدران كنيسته، لم ينصره أحد سوى "أزميرالدا"، الفتاة الغجرية، التي تعاني وأهلها من الغجر من نبذ ورفض كل المجتمعات. بالفعل، لا يشعر بالضعيف المضطهد سوى من مر َّبنفس اضطهاده. تمامًا مثل جنوب إفريقيا التي ذاقت ويلات العنصرية والأبارتيد حتى نالت حريتها، هي فقط من امتلكت شجاعة القفز لمحكمة العدل الدولية لتدافع عن من يمر بنفس ما مرت به. لكن هل في ذلك أمل؟!
الجيل (Z) ليس مسخًا!.. لم يكن هناك أمل يداعب العقل أكبر من "الدوابامين" لرؤية فتية وفتيات صغار، يقفون مطأطئي الرأس في كل "سوبر ماركت"، لمعرفة "هو المنتج ده مقاطعة ولا معانا؟". على قدر بساطة التصرف، فمعناه كبير. هذا ليس "ترند"، ربما هي صحوة جيل ظن الجميع أن "التيك توك" قد ألغى شخصيته، وقام بمسخها، وجعلهم يحركون شفاههم فحسب، وتتمايل أجسادهم دون روح، مجرد مسخ. لم تكن تلك حقيقة الأمر. قضية القضايا؛ فلسطين، كشفت عن أنهم يريدون الفرصة فحسب، يريدون من يسمع منهم ويشعرهم بالتميز، حتى لو لم يكونوا كذلك، يريدون أن يكونوا هم التميز.
أقف أتأمل هذا الطفل الناجي من تحت الأنقاض الذي سيشيب شعره قبل أوانه، ويحمل ثأر ما يزيد على ثلاثين ألفًا أُبيدوا بدمٍ باردٍ. كنا محظوظين لأننا ولدنا في زماننا ومكاننا، وشاب شعري على مهل، وكان هو محظوظًا لأنه شهيد أو أخ لشهيد أو صديق لشهيد. ولا حيرة بعد اليوم إن سمعت عبارة: "تشيب لها الولدان"! فالولدان تفتحت أعينهم على القصف والإبادة والاحتلال، وستشيب على "المقاومة" بغير اختيار!
يقول شاعر العامية مصطفى إبراهيم: كيف تعيش في سجن واسع..
زنازينه من نار ورماد
وتقوم من تحت الأنقاض..
"تتشعلق" في رقاب القاتل
تجمع أشلاءك وتقاتل..
وتوري الدنيا الكدابة
كيف يسير قانون الغابة..
من أين طريق الحرية؟
سيقوم الطفل يجمع أشلاءه اليوم ليقاتل من أجل الحصول على كِسرة خبز، أو بعضًا من الأرز، الذي لم يذقه منذ أيام بل أسابيع، من شاحنات المعونات، على الأقل أفضل من ذاك الأب الذي يصنع خبزا من علف الحيوانات لأولاده. بعد عشر سنوات من اليوم، سيكون هذا الطفل هو نفس المقاتل الذي سيُعَرِف العالم مرة أخرى كيف يسير قانون الغابة، ومن أين طريق الحرية!
يضيف مصطفى إبراهيم: عيش حر "ومتعيشش" مسلم
تلهم جيل ورا جيل يتعلم
كيف يعيش ويموت لقضية!
لم تصدر محكمة العدل الدولية تدابير بوقف إطلاق النار لأسباب، أهمها أن جيش الاحتلال يحذر المدنيين قبل القصف! ليس هذا هو المثير، إنما صمود الآلاف الذين لا يبرحون مكانهم، رغم معرفتهم بقدوم شبح الموت، رغم إسقاط ما يعادل قنبلتين نوويتين فوق رءوسهم، يصرون على الموت في الأرض، ما هذا الإيمان بالموقف، ما هذا التمسك بالقضية!
إسرائيل ليست وحدها بل المغول والنفط؟.. ليست إسرائيل هي المجرم الحقيقي، بل النظام العالمي الذي صنعها ودعمها وأمدها بكل أدوات الإبادة، مغول العصر الحديث، الولايات المتحدة وألمانيا وهولندا وبريطانيا. ثأرك الحقيقي أيها الطفل العاجز، ويا أيتها الطفلة الثكلى، مع هؤلاء المجرمين. الذين يمدونك بالمعونات باليد اليمنى، وشركاتهم تبيع السلاح ليقتلوك باليسرى. ثأرك الحقيقي مع الدول العربية التي أوجدت طريقًا بريًا لنقل احتياجات إسرائيل، بينما لا يحركون ساكنا من أجلك، ويتعجلون الوقت لانتهاء الحرب؛ لينظروا كيف سيستفيدون من عقود إعادة الإعمار!
ثأرك الحقيقي ليس مع من اعتادوا رؤية إخوتك يقتلون. قليلي الحيلة لا يملكون دينارًا ولا درهمًا، بينما يملكها العائمون على بحر النفط وبحور النفاق!
لا أمل إلا فيك أيها الطفل، لا تأمل فينا ولا في ذاك العالم خيرًا. ثباتك هو الأمل، تشبثك بالحياة هو الأمل، ولا خير فينا لك إلا بلسان خائف، وقلب يرتعد، وصلوات صادقة، ودموع ترفض أن تجري!