تجارة ممنوعة على الملأ.. كيف انتشر بيع الألعاب النارية في شوارع مصر؟
انفجار في القرنية يليه ضياع لنعمة البصر، أو إصابة خطيرة تلحقها بأذى، إزعاج لمرضى وكبار سن، ترويع لمؤمن كان قبل إطلاقها آمن، تلك هي بعضًا من أضرار الألعاب النارية التي يظن الكثير عبثا أنها وسيلة للفرح بالأعياد والمناسبات، ولكن الحقيقة أن الفرح والاحتفال منها براء بل هي أهلًا للضرر وبالتالي الأحزان.
ومع انتهاء عيد الفطر الذي انقضى منذ أيام قليلة بل ومن قبله أثناء شهر رمضان مبارك المعظم، وما سبقه من المناسبات المختلفة انتشر بيع الألعاب النارية من “بمب وصواريخ”، وغيرها في شوارع مصر، تعبيرًا عن الفرحة بقدومها، وذلك على الرغم من منع القانون والمشرع لتداول هذه الألعاب نظرا للأخطار السابقة التي تتسبب فيها، وغيرها من الأضرار.
الألعاب النارية في القانون
قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 وتعديلاته في المادة رقم 102 فقرة (أ) نص على أنه: يعاقب بالسجن المؤبد كل من أحرز أو حاز أو استورد أو صنع مفرقعات أو مواد متفجرة أو ما في حكمها قبل الحصول على ترخيص بذلك.
تكون العقوبة حسب القانون الإعدام إذا وقعت الجريمة تنفيذا لغرض إرهابي، ويعاقب بالسجن المؤبد أو المشدد كل من أحرز أو حاز أو استورد أو صنع بغير مسوغ أجهزة أو آلات أو أدوات تستخدم في صنع المفرقعات أو المواد المتفجرة أو ما في حكمها أو في تفجيرها.
ويعتبر في حكم المفرقعات أو المواد المتفجرة كل مادة تدخل في تركيبها، ويصدر بتحديدها قرار من وزير الداخلية، كذلك حددت القرارات الوزارية تلك المواد وتضمنت 88 مادة من بينها الألعاب النارية، وقد تم منع تداولها بكل أشكال التداول أو التصنيع أو الاستيراد لإخلالها بالنظام والأمن العام، كما صدر قرار وزير الداخلية رقم 1872 لسنة 2004 الذي أدرج البارود الأسود داخل العقوبة.
وعلى الرغم من أن تداول واستخدام الألعاب النارية جريمة بكافة المقاييس حسب المشرع المصري، إلا أنه يتم تداول هذه السلعة غير القانونية على الملأ من قبل الكثيرين، بل واستخدامها يتم بالطريقة ذاتها، محدثًا أصوات جلّية لا يخجل من كونها سلعة محرمة قانونَا ليتخذ التكتم وسيلته لترويجها كغيره من السلع المحرمة.
وفوق ذلك سجلت محاضر الشرطة رسميًا الكثير من الإصابات والتي كانت جميعها ناتجة عن تداول هذه الألعاب، كما سجلتها كذلك أقسام استقبال المستشفيات، لتدل على أننا أمام جريمة تحدث جهارًا وتسجلها الأرقام دالة على أنها ظاهرة، وليست مجرد وقائع منفردة فقط.
وقائع عيد الفطر المنقضي
إصابة 50 طفلا في سوهاج
ففي عيد الفطر المنقضي فقط وقع 50 طفلا مصابا في مستشفى سوهاج بسبب الألعاب النارية وبمبة وصواريخ العيد.
وتبين أن الإصابات بالعين نتيجة الألعاب النارية وأغلبها خطيرة منها انفجار بمقلة العين مع تهتك كامل بالأنسجة بالإضافة إلى فقدان تام لهذه الأعين، كذلك منها حالات النزيف داخل الخزانة الأمامية مع وجود مياه زرقاء ثانوية وحالات مياه بيضاء تصادميه وعدد كبير من إصابات الجفون وجروح الملتحمة مع قرح في القرنية، ليتم إجراء 35 عملية جراحية من الحالات التي تم استقبالها والباقي ظلت تحت المتابعة لاكتمال الشفاء.
سائق في المطرية
في العيد المنقضي منذ أيام قليلة فقط أيضًا وبسبب هذه الألعاب النارية انفجر في المطرية صاروخًا بالخطأ في سائق خلال لهوه بتلك الألعاب مع صديقه احتفالًا بالعيد، ليتم إسعافه وتقديم العلاج اللازم له وكذا إبلاغ الأجهزة الأمنية بالواقعة، وتم تحرير محضر بالواقعة وأخطرت جهات التحقيق المختصة لتتولى التحقيقات في الحادث.
إصابة 8 في مركب نيلي في بولاق أبو العلا
وفي خلال أيام العيد ذاته أبلغ قسم شرطة بولاق أبو العلا بإصابة 8 أشخاص بينهم 5 أشخاص مصابين بجروح متفرقة بالجسم حال استقلالهم مركب نيلية نتيجة سقوط ألعاب نارية على المركب تسببت في تكسير أكواب زجاجية وتطاير قطع الزجاج، وتبين قيام 6 طلاب يستقلون دراجات هوائية بإلقاء ألعاب نارية أثناء مرور المركب.
حالات أصابتها الألعاب النارية بعاهة مستديمة وكادت تنهي حياتها
استطاعت "الدستور" التواصل مع بعض الحالات التي أصابتها الألعاب النارية بعاهة مستديمة لتدرك بعد ذلك الأثر الحقيقي الذي تخلفه هذه الألعاب غير ذلك الذي يظنه الكثير وهو أنها وسيلة التعبير عن الفرح والاحتفال بأي مناسبة سعيدة.
محمد فقد عينه اليسرى إلى الأبد
محمد جمعة 16 عامًا فقد عينه اليسرى تمامًا بعد أن حضر مع أبيه ذات مرة أحد أفراح أقاربه، والذي فيه أطلق القائمين على الفرح بعض الألعاب النارية تعبيرًا عن سعادتهم واحتفالهم.
يقول: "لم أشعر بعيني وقتها إلا وكأن حريق ونيران تشعلها، ولم أدر بنفسي ألا وأنا أصرخ، ليتحول الفرح في لحظات إلى أصوات صريخ أهلي وأقاربي ورعب من المدعويين".
وتابع: “حاول أبي أن يذهب بي بعد ذلك إلى العديد من الأطباء لاستعادة نظري مرة ثانية إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل، ونتج عن ذلك أن فقدت عيني، إلى الأبد وأرى دموع أبي وأمي بعيني اليمنى حزنًا علي وعلى ما فقدته من نعمة غالية”.
يختم: "قلت الحمد لله على ما أصابني وأنا راض ولكن أحذّر الجميع من استخدام هذه الألعاب، وما أن أسمع صوتها حاليًا حتى استرجع شعور الحادثة، ولا أدري بنفسي إلا وأنا أبكي".
رنا كادت أن تحترق وتفقد حياتها
رنا محمد جمال كانت هي الأخرى إحدى المدعوات في فرح صديقة مقربة لها، وفي الفرح أطلقت بعض الألعاب النارية حتى أصيبت إحداها الفستان الذي كانت ترتديه.
تقول: "شممت رائحة "شياط"، ولم أدرك أنها من فستاني إلا بعد لحظات حتى سمعت صريخًا من حولي، وهرع الكثير لإنقاذي بفتح زجاجات المياه الموجودة على “الترابيزات” وإلقائها على فستاني حتى تخمد النيران، إلى أن خمدت وأصيبت أنا بعد ذلك بإعياء وفقدت الوعي".
وتتابع: "لم أفق إلا وأنا في المستشفى، ولم أكن أتخيل أنني ما زلت بعد على قيد الحياة" خاتمة بقولها: “السبب في كل ذلك هي هذه الألعاب وهذا الموقف قد حفر في ذهني ولن أنساه”، كما نادت بمطاردة تجار تلك الألعاب النارية وتنفيذ عقوبة صارمة فيه، لكونهم يبيعون سلعة خطيرة تهدد الأطفال والكبار بإصابات بالغة قد تهدد مستقبلهم إلى الأبد.
ممنوعة من الاستيراد وورش تحت بئر السلم لتصنيعها
ونظرًا لعقوبة استيراد هذه الألعاب النارية إلا بترخيص، يلجأ الكثيرون إلى تهريبها، وفي عام 2021 تمكن رجال الجمارك بالإدارة العامة للحركة ونقاط الفحص والمعاينة بجمارك الإسكندرية، بالاشتراك مع الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، من إحباط تهريب 52 طنًا منها.
لذلك أيضًا تنتشر ورش تصنيع تلك الألعاب "تحت بير السلم" لتتمكن مؤخرًا كذلك حملة من المتابعة الميدانية، وإدارة البيئة بمحافظة الفيوم من ضبط ورشة لتصنيع العبوات الكرتونية للصواريخ والشماريخ بناحية عزبة صفر، والتابعة للوحدة المحلية بقرية زاوية الكرادسة مركز الفيوم، كما تمكنت أيضًا من ضبط كميات كبيرة من الصواريخ والشماريخ والألعاب النارية لدى الباعة الجائلين في عددٍ من المناطق.