حق عرب
تختلف نظرة الكاتب السياسى للعمل الفنى عن نظرة الناقد المتخصص، أحد أسباب الاختلاف أن الكاتب ينظر لمجموعة القيم التى يدعمها العمل الفنى إلى جانب العناصر الجمالية والفنية فى العمل، من هذا المنظور أعتبر أن مسلسل «حق عرب» واحد من أنجح مسلسلات رمضان هذا العام، وربما فى أعوام أخرى سابقة ولاحقة، وأول أسباب تميز «حق عرب» أنه قدم دراما شعبية نظيفة، بعيدة عن الابتذال، والمبالغة، وتشويه الحارة الشعبية المصرية، وهى صناعة نشطت فيها بعض شركات الإنتاج العربية، التى وجدت شاشات غير مصرية تشجعها وتذيع لها تلك المسلسلات فارغة المضمون، مبتذلة المعنى، التى لا تعدو كونها قمامة درامية رديئة، وعلى عكس هذا الابتذال، قدم حق عرب دراما شعبية ذات جذور ملحمية تستند لأسطورة قديمة حول الرضيع الذى ينجو من قاتله، ويكبر لينفذ حكم القدر، ويقتل ذلك الذى أراد قتله، ولا شك أن فى القصة طرفًا من قصة النبى موسى، كما أن فيها تأثرًا بقصة «سعد اليتيم» الشعبية، التى كتبها الكاتب الكبير زكريا الحجاوى للإذاعة فى الستينيات، وقدمها الفنان الراحل أحمد زكى فى فيلم حمل نفس الاسم أواخر الثمانينيات، ولا شك أن تراثنا الشعبى وما سجله زكريا الحجاوى منه، تحديدًا، يصلح معينًا لدراما شعبية نظيفة تستلهم روح هذا الشعب بعيدًا عن الابتذال الذى يقدمه البعض تحت اسم «مسلسل شعبى»، من القيم التى تستحق الاحتفاء فى المسلسل أنه ينطوى على إجادة فنية كبيرة، حيث كرس نجاح الفنان «أحمد العوضى» كبطل درامى، ونجم شباك يستطيع تحمل مسئولية البطولة المنفردة، وهذه إضافة كبيرة للفن المصرى، ونوع من الإحلال والتجديد فى نوعية دراما الأكشن، التى تتطلب قدرات جسدية يقتنع بها المشاهد كلما كان البطل أقرب لسن الشباب، قدم المسلسل أيضًا مخرجه «إسماعيل فاروق» كمخرج ناضج دخل لمنطقة التميز والقدرة على تقديم عمل مختلف لا يُشبه غيره فى هذه المنطقة، وهو إضافة كبيرة للفن المصرى، أيضًا، وبلا شك، والحقيقة أن أحد أوجه تميز أى عمل، هو وجود مواهب لامعة إلى جوار بطل المسلسل، وهو ما تحقق بجدارة من خلال أدوار كبار الممثلين، دينا فؤاد، ورياض الخولى، ووفاء عامر، وسلوى عثمان، وكارولين عزمى، ووليد فواز، ومجموعة أخرى متميزة من الممثلين الثانويين، ولا شك أن هذا التألق يُحسب لمؤلف المسلسل محمود حمدان، وهو مؤلف واعد، ولمخرجه، ولبطله أحمد العوضى الذى امتلك الوعى؛ ليدرك أن بطل العمل يجب ألا ينفرد بمشاهد المسلسل من «الجلدة للجلدة»، على حد التعبير الشهير، وبشكل عام نحن إزاء مسلسل ممتع، جذب المشاهدين، وحافظ على إيقاع متصاعد، وحقق لنا متعة المشاهدة الدرامية، وكرس حالة نجاح جماعى لفريق فنى جديد، وهذه كلها أشياء تستحق الاحتفاء بها، وتشجيعها، وشكر من وقفوا خلفها.. كل عام وأنتم بخير.. رمضان كريم.