التاجر «الوغد»
«الوغد» فى اللغة هو الشخص مرذول الأخلاق، الذى يفتقر إلى الأمانة والقواعد الأخلاقية فى المعاملة، وللأسف الشديد فإن أعدادًا كبيرة من الذين تسللوا إلى مهنة التجارة فى مصر فى العقود الأخيرة باتت تنطبق عليهم هذه الصفة.. غابت صورة التاجر التقليدى التى صوّرها نجيب محفوظ فى الثلاثية.. وظهرت صورة التاجر الفهلوى.. الأفّاق.. الذى يحتكر السلع ويبيع بأكثر من سعر، ولا يلتزم بهامش سعر محدد، ويستحل أموال المشترين، ويصنع الأزمات عامدًا متعمدًا.. ورغم أننى من أنصار عدم تدخل الدولة فى الاقتصاد إلا بالقدر الضرورى، فإن وضع التجارة الداخلية فى مصر يحتاج إلى تدخل من أجهزة الدولة المختلفة، سواء تلك المعنية بحماية المستهلك، ومنع الاحتكار، أو الأجهزة الشرطية المختلفة، أو ربما نحتاج لتدخل إحدى شركات الدولة لإتاحة السلع للناس بأسعار أقل.. ما أتحدث عنه ليس غلاء الأسعار الناتج عن أزمة الدولار، ولكن عن ممارسات التاجر المصرى التى تتساهل معها الأجهزة الرقابية بحجة حرية التجارة.. فالتجار المصريون ليست لديهم قوائم أسعار معلنة يمكن للمشترى الاطلاع عليها والمقارنة نفسها.. وسعر السلعة يتغير بين يوم وآخر بشكل لا يعرف معه المشترى هل يسرقه البائع أم أن السعر تغير فعلًا؟ وللأسف لا يوجد مرجع يمكن الاحتكام إليه.. وحتى إذا أجريت بحثًا على جوجل حول سعر سلعة معينة، وواجهت التاجر المصرى، فإنه يتلاعب بك، ويقول لك إن السلعة الأرخص مقلدة، أو إنها «صينى»، بينما هو بيبع لك «الألمانى»، والحقيقة أن المشترى المسكين لا يملك وسيلة واحدة للتأكد لا من سعر السلعة، ولا من مصدرها الأصلى ولا من أى معلومة يقولها له صاحب الجلالة التاجر، وهل هى سليمة أم لا.. وأذكر أننى اشتريت بضاعة من فرع شركة ما فى القاهرة، وعندما ذهبت لتسلم ما اشتريته من فرع نفس الشركة فى الشيخ زايد، فوجئت بارتفاع سعر البضاعة، بحجة أن فرع زايد يختلف عن فرع العتبة! وهذا فى العالم كله يسمى سرقة، لأنها زيادة عن سعر السلعة الأساسى زائد هامش الربح المحدد والمتعارف عليه فى العالم كله ما عدا فى مصر.. بشكل ما يشعر المواطن بأنه ضحية التاجر المصرى، ليس فقط بسبب ارتفاع الأسعار وتغيرها بطريقة غير منطقية، ولكن أيضًا بسبب ممارسات لصوصية فى التعاملات اليومية، مثل الادعاء بعدم وجود فكة! أو تأنيب المشترى لأنه لم يأت بـ«الفكة» اللازمة معه! وهذا لا يحدث فى أى مكان بالعالم من أمريكا إلى سوريا! على ما بين الدولتين من تفاوت واختلاف. والفكرة أن التجارة من فجر التاريخ حتى الآن تقوم على الأمانة والصدق والسعر الواحد، لذلك أطلقت قريش على الرسول «ص» لقب الصادق الأمين، لأنه كان تاجرًا صادقًا وأمينًا، وكانت قبيلته كلها كذلك، والمعنى أنه لا انتعاش اقتصاديًا دون أخلاق تحكمه، وقواعد واضحة تنظمه، والتزام محدد بالأسعار، لأنها لدينا لا تخضع لقاعدة العرض والطلب، ولكن لقاعدة السلب والنهب.. حيث يلعب التجار معنا لعبة «الكراسى الموسيقية»، فإذا ارتفع سعر العملة ارتفعت الأسعار، وإذا انخفضت قالوا إنهم اشتروا بالسعر الغالى، وإذا انتظرنا رخص الأسعار قالوا إن العملة ارتفعت مرة أخرى! وهكذا إلى ما لا نهاية.. والأكيد أن الأمر يحتاج حلًا.. والأمر يستدعى التفكير.. نريد أن نعود بصورة التاجر المصرى الأمين البشوش الصادق لا التاجر الوغد والضلالى.