فن رواية التاريخ
بقدر نجاح مسلسل ما في إثارة الجدل والمعارك الفكرية بقدر ما يكون نجاحه..،ولعل هذا لا ينطبق علي عمل بقدر انطباقه علي مسلسل الحشاشين الذي انتجته الشركة المتحدة هذا العام،والذي يتناول قصة فرقة ظل مسكوتًا عنها في التاريخ الإسلامي منذ اختفائها في ظروف غامضة عقب ميلادها في ظروف أكثر غموضًا، وكان الجانب الأكبر من الجدل سببه لجان القمامة الإلكترونية التابعة للجامعة والتي خشيت من ان يكشف المسلسل أوجه التشابه بين جماعة الحشاشين الإرهابية وبين جماعة الاخوان،وهو تشابه اكيد نبه له كبار دارسي جماعة الإخوان من الباحثين المحايدين والذين اكدوا أن مؤسس الإخوان حسن البنا استلهم فكرة التنظيم السري من الدعوة الشيعية الإسماعيلية،التي ادركت ان طريق العمل المباشر لم يؤد الي الحاق الهزيمة بالفرق الشيعية المختلفة فدعا الإسماعيلية (اتباع الامام إسماعيل بن جعفر الصادق )الي الدعوة للإمام المستتر،الذي لا يظهر للناس ولكن يظهر رجاله والداعون له،وقد فتح هذا الباب لظهور الكهنوت الديني في الإسلام والذي لم يعرفه المذهب السني،حيث أصبحت هناك طبقة وسيطة بين الامام المستتر الذي لا يراه احد وبين الناس،هذه الطبقة هي طبقة (الدعاة )للمذهب،الذين اطلقوا علي تنظيمهم السري اسم (الدعوة )وهي نفس مسميات حسن البنا لجماعته واعضاءها، ولم يكن الحسن الصباح الذي يقدم المسلسل سيرته سوي واحد من رجال الكهنوت الديني او الطبقة الجديدة،لكنه تميز عنهم بنزوعه الي العنف،والقتل،والاغتيال،وتهديد الحكام،وهز عروش الدول المستقرة،ثم ممارسة القتل الاحترافي لحساب الأطراف المختلف،وهو نفس ما اعادت جماعة الإخوان انتاجه بعد تاسيسها عام ١٩٢٨ عن طريق الممارسة في عهد حسن البنا،ثم وضع له سيد قطب الأطر الفكرية في الستينات لتفتح الجماعة الباب واسعًا لكل تنظيمات العنف والقتل من الجهاد وطلائع الفتح وحتي القاعدة وداعش،ولم يكن ذلك كله سوي تأثرًا بالنبتة التي زرعها حسن الصباح الإرهابي الأول في تاريخ الإسلام (كانت هناك اغتيالات للحكام منذ صدر الإسلام لكنها لم تكن نتيجة تنظيم يحترف القتل ).. ولاشك ان تقديم عمل تاريخي يؤرخ لحياة الإرهابي الأول في تاريخ الإسلام هي فكرة عظيمة تستحق التحية وتفتح الباب للحديث عن الدراما التاريخية وعلاقتها بعلم التاريخ،فالتاريخ رواية بشكل من الاشكال كما يتفق كبار المؤرخين،ولكن العمل الدرامي ليس حصة تاريخ،وقد لفت نظري احتفاء صفحة تابعة للجان الاخوان في الخارج بتصريح لاستاذ تاريخ يقول ان ملاحظاته العلمية حول العمل لم يتم تنفيذها...وبغض النظر عن ان الرجل كتب تعليقه بحسن نية،الا ان هذا الأمر يتكرر كثيرًا وهو خلاف صحي لان للفن ضرورات كما لمناهج التاريخ ثوابت، ومخرج العمل مسئول عن مسلسله كما ان أستاذ التاريخ مسئول عن المنهج الذي يدرسه للطلاب،وما زالت اذكر ان الدكتور كمال إسماعيل أستاذ التاريخ الإسلامي رحمه الله اقتحم علينا روز اليوسف في ١٩٩٦ ليقول لنا ان مسلسل الابطال التاريخي به عدة أخطاء تاريخية، وقد قوبل الرجل بحالة ترحيب جماعي كان سببها انه شقيق الممثل المحبوب محي إسماعيل وانه يشبهه في الشكل ونبرة الصوت،وقد كتب الرجل عدة مقالات عن المسلسل الذي كان يسجل تصدي المصريين لهجوم التتار، ولم تقلل ملاحظاته من جماهيرية المسلسل الذي حظي بنسبة مشاهدة عالية وقتها ولعب بطولته النجم احمد عبد العزيز في دور قطز،ولعل ذكر مسلسل الابطال يقود الي الحديث عن النقلة التاريخية التي احدثتها الشركة المتحدة في المسلسل التاريخي المصري منذ انتاج مسلسل (الامام الشافعي )العام الماضي،ثم (الحشاشين )هذا العام وهي نقلة تاريخية في الشكل والمضمون،فعلي مستوي الشكل كانت الاعمال في التسعينات وما قبلها تنتج بإمكانات فقيرة جدًا لدرجة أصبحت مشاهدة هذه المسلسلات تثير السخرية اكثر مما تثير المتعة،وعلي مستوي المضمون كانت الاعمال تشهد أحيانا اختراقات فكرية لكتاب يتاثرون بافكار الإسلام السياسي بحيث تخلط الاعمال بين الدراما التاريخية وبين الدعوة للدولة الدينية او تقديم تاريخ وهمي مثالي يوتيوبي لا ينتمي للحقيقة في شيء، واذكر اني في عام ٢٠٠٩ شعرت بغيرة كبيرة من تطور المسلسلات التاريخية العربية واختفاء المسلسل التاريخي المصري وكتبت في هذا المعني..لكن الخطأ تم تداركه وتصحيحه علي يد الشركة المتحدة التي ارتقت بشكل العمل التاريخي لأقصي درجة وانتبهت للمضمون ووظفته لصالح الهوية الوسطية المصرية الوطنية لاقصي درجة ايضًا..فتحية لها