شخصيات روائية 15
فيبي صبري: اختيارات "إرتا" بطلة "قصة أخرى للحياة" ليست حرة بالكامل
تحدثت الكاتبة فيبي صبري ، لــ “الدستور”، عن “إرتا” بطلة أحدث إصداراتها الإبداعية، رواية “قصة حياة أخرى”، والصادرة مطلع العام الجاري، بالتزامن مع معرض القاهرة للكتاب، عن الدار المصرية اللبنانية.
إرتا.. الطبيبة المخلِّصة في قصة أخرى للحياة
وقالت فيبي صبري في مستهل حديثها: أين بدأ كل شيء لينتهي العالم إلى ما هو عليه اليوم؟
هكذا طرحت الفكرة الأولى نفسها وتوالت منها الأسئلة، هل من المحتمل أن يختلف الواقع بتبديل بعض المسارات؟، من هم الأشخاص الذين صنعوا التاريخ، الفلاسفة والعلماء أم قادة الجيوش والحكام؟، وماذا عن العامة؟، هل حركتهم تنبؤات الكهنة أم خيال الشعراء، أم مصالحهم المباشرة شديدة البساطة؟.
وتابعت “صبري”: في بحثٍ طويل شمل تاريخ كل شيء، العقائد والأفكار والاكتشافات العلمية والأنظمة السياسية، كانت الإجابات مراوغة وزلقة، "حركة التاريخ" دومًا عملية معقدة تتداخل فيها الصدفة مع التخطيط؛ يحركها الأذكياء المخلصون والانتهازيون الخونة على حد سواء، ولابد من حضور الجماهير جنودًا وعوام في أي منعطف أو تغيير، لمساندته أو مقاومته، دفعه إلى الأمام أو عرقلته.
ولفتت “فيبي صبري” إلى أنها أرادت ممارسة اللعبة ذاتها التي خلقت ملحمتي جلجامش والإلياذة؛ سرد حكاية البشرية بشخصيات مناظرة لأبطال التاريخ الحقيقيين: أفلاطون وأرسطو، الإسكندر وكورش، زرادشت وهوميروس، لكن مع بعض التعديلات اللازمة، والدمج والفصل، لإنتاج حقيقة بديلة لعالم آخر كان يمكن أن يوجد.
-لماذا إرتا؟،
تقول: “الحقيقة أن السؤال يجب أن يكون: وكيف لا؟! إذا كنا سنغير مسار التاريخ بإمبراطورياته وعقائده لنصل إلى عقيدة/حضارة أمومية الطابع، تقدس العقل وتحترم الطبيعة وتبطل العبودية، من أجدر بالحضور من امرأة مغايرة، سابقة، تحظى بموقع القيادة والمبادرة بدلًا من التبعية المألوفة والمكوث في الظل؟ تُضاف أفكارها إلى السرديات الكبرى وتوضع أولوياتها موضع الاعتبار والتحقق، ليكون الاختلاف التراكمي المترتب على إنجازها جذريًا وفارقًا”.
فيبي صبري: اختيارات "إرتا" بطلة "قصة أخري للحياة" ليست حرة بالكامل
وتستكمل “فيبي صبري”: “لم يكن القيام بذلك سهلًا، بالنظر إلى كل الأشخاص الذين وسموا أزمنتهم ولم تعد الحياة بعدهم كما كانت قبلهم ـ رغمًا عنهم أحيانًا ـ وكيف اختلطت الحقيقة بالمبالغة في سيرهم عمدًا أو بغير قصد، ليصبح فرز الأسطوري من الواقعي فيها عسيرًا”.
اخترت ما تصورت حتمية وجوده من سماتٍ في شخصية مماثلة: جسارة، ذكاء، حس العدالة، فضول العلماء، وبعض القسوة اللازمة لإرساء الأفكار في موقع التنفيذ، ولا يوجد ما يمنع من بعض السخرية اللاذعة والنرجسية اللازمين لتكوين بشري بعيد عن المثالية، إرتا تميزت بكونها طبيبة أولًا، طبيبة نابغة لم تكتف بطرح الأسئلة السائدة في زمنها بل سعت بنفسها إلى العثور على الأجوبة وابتكار الأدوات اللازمة لتخطي العوائق.
اختياراتها، شأن أي إنسان، ليست حرة بالكامل؛ لكنها ناتج منطقي لإمكانياتها التي ولدت بها، والبيئة التي وجدت نفسها فيها، وتجربتها الخاصة. تفاعُل الظرف التاريخي بشخوصه وشروطه مع وجودها أضفى أبعادًا دينية وسياسية على دورها، بغيرها لم تكن لتصبح إرتا المخلِّصة، ولبقيت معروفة فقط كإرتا الطبيبة، كما أرادت وتمنت من البداية.
وتختتم “فيبي صبري” حديثها لافتة إلى تظهر إرتا في عصر موازٍ للدول/المدن اليونانية، ويكون لها أثرٌ دامغ يمتد حتى ألفي عام بعد موتها، حيث يناقش أحد أبناء الحضارة الوريثة ذلك الأثر قائلًا: "يكفي هذا.. إرتا لم تقل شيئًا مما نُسب إليها على الأرجح، إيفيم خطَّ تلك المسرحية الكبرى لسببٍ لا يهمني معرفته، وصدقها، وهي لم تشفِ وتُمرِض الناس بقواها الخارقة بل لعملها بالطب، في زمنٍ لم توجد به طبيبات بعد، ما قبل إرتا سوتيرا، وما قبل التقويم الكيروني"، وهي محاولة منه لتمييز الحقيقة من الخرافة، والتاريخي من الرمزي، ولإعمال العقل وتحقيق المعرفة كما أوصت هي أولًا".
في النهاية، يبقى السؤال الأصعب والأهم: هل نجحت في خلق الشخصية المناسبة لحمل عالم كامل بديل على كتفيها؟ أترك الإجابة والحكم للقارئ العزيز، آملةً أن يحظى بالمتعة في طوافه بذلك العالم.