رصدها مسلسل "الحشاشين".. لهذه الأسباب كفر المتطرفون الفيلسوف "ابن سينا"
في الحلقة الثانية من مسلسل الحشاشين، وفي المشهد الذي يتعرض فيه الشاعر عمر الخيام خلال تجوله في سوق سمرقند، لبعض العامة وهم يعتدون على أحد الأشخاص وهم يصيحون: “اقتلوا هذا الفيلسوف الكافر”، وعندما يحاول الدفاع عنه مستفسرًا عن سبب ضربهم له يردون: "لأنه من أتباع الكافر ابن سينا، خد ثواب واضربه معانا"، إلا أن الخيام يرد رحمة الله على ابن سينا.
دفاع عمر الخيام عن الفلسفة وابن سينا
وفي مشهد لاحق، يقابل “الخيام” حاكم المدينة ويسأله عن أسباب تكفير الناس للفلسفة والفلاسفة وعلى رأسهم ابن رشد، ليجيب الأخير بأن الناس طوال الوقت أعداء لما لا يفهمونه، بينما يحاججه “الخيام”: مش لدرجة إن الفلسفة كفر، بكرة يكفروا الشعرا وكل واحد بيعمل حاجة هما مش فاهمينها.
المشهدان في مسلسل الحشاشين يرصدان الوقائع التاريخية لتكفير علماء المسلمين الذين يتباهون بهم الآن متجاهلين أن أغلب هؤلاء المفكرين والعلماء والفلاسفة جرى تكفيرهم والتنكيل بهم أغلب فترات التاريخ الإسلامي، وهو ما يرصده كتاب "الجلمود"، والصادر عن دار كنوز للنشر، للكاتب أحمد الصغير.
ومن بين فصول الكتاب، فصل بعنوان “صفحات من تاريخ الدم والنار”، وفيه يعرض لأهم الأسماء التي لمعت في الحضارة العربية الإسلامية قديمًا٬ والذين اتهموا بالزندقة وعذبوا ومنهم من قضي نحبه تحت التعذيب.
من تلك الأسماء "جابر بن حيان" والذي مات في السجن٬ كفره ابن تيمية لأنه شيعي المذهب وقال عنه: "أما جابر بن حيان صاحب المصنفات المشهورة عند الكيمياوية فمجهول لا يعرف وليس له ذكر بين أهل العلم ولا بين أهل الدين".
تكفير الفلاسفة والمفكرين المسلمين
أما أبونصر محمد الفارابي٬ والذي لقب بـ"المعلم الثاني" نسبة للمعلم الأول أرسطو والإطلاق بسبب اهتمامه بالمنطق، لأن الفارابي هو شارح مؤلفات أرسطو المنطقية، فقد كفره أبوحامد الغزالي وابن تيمية. لم يختلف الأمر مع محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الشهير بالإمام أبوجعفر الطبري٬ إمام من أئمة المسلمين من أهل السنة والجماعة. مؤرخ ومفسر وفقيه مسلم صاحب أكبر كتابين في التفسير والتاريخ.
وكان مجتهدًا في أحكام الدين لا يقلد أحدًا، بل قلده بعض الناس وعملوا بأقواله وآرائه. يعتبر من أكثر علماء الإسلام تأليفًا وتصنيفًا٬ إلا أنه اصطدم برأس الحنابلة "أبو بكر بن داوود" فأغري به العامة في أواخر حياته.
المتطرفون يحطمون آلات الموسيقى
ويمضي "الصغير" لافتا إلى: كان العامة المتعصبون للحنابلة يقتحمون الدور وإذا ما وجدوا نبيذًا أراقوه وإذا وجدوا مغنية ضربوها وكسروا آلة الغناء٬ وتداخلوا في عمليات البيع والشراء في الأسواق وكانوا يستوقفون الرجل في الشارع٬ إن كان سائرًا مع امرأة وسألوه عنها فإن لم تكن زوجته ضربوه٬ فتحولت الشوارع لساحات قتال.
وقام الطبري بتأليف كتاب ذكر فيه اختلاف الفقهاء لم يصنف مثله٬ ولم يذكر فيه أحمد بن حنبل فسألوه عن ذلك فقال أن أحمد بن حنبل لم يكن فقيهًا٬ وكان هذا رأيه في الإمام أحمد. في هذه الأجواء تحلق بعض العامة وبعض تلاميذ أحمد بن حنبل حول الطبري وسألوه عن حديث أحمد بن حنبل عن إجلاس الله لنبيه على العرش فقال: محال٬ فرموه بمحابرهم ودخل داره فتتبعوه ورجموا داره بالأحجار حتى صارت كالتل٬ وكانت أعدادهم كبيرة لدرجة أن الأمر تطلب عدة آلاف من جنود الشرطة لمنعهم عن الرجل. اتهموه بالإلحاد ولم يخرج من بيته حتى مات في داره كمدًا ودفن فيها٬ ودفن ليلًا لأن العامة المتطرفين قد منعوا دفنه نهارًا.
وعشرات من العلماء ممن أفنوا حياتهم فيما أضافوه وقدموه للبشرية جمعاء٬ لم يسلم المقفع٬ الكندي٬ الرازي٬ أبوحيان التوحيدي٬ المعري وابن سينا٬ المعز بن باديس٬ ابن رشد والسهروردي من تهمة التكفير والإلحاد. ومن المفارقات التي لفت إليها الكاتب أن دائرة التكفير عادت وردت على أصحابها٬ فنجد ابن تيمية صاحب القدر الأكبر من أحكام التكفير يتهم هو نفسه بتلك التهمة في أواخر حياته.