عاجل.. هل تعترف الولايات المتحدة بـ«دولة فلسطينية»؟
قلق كبير يسود كل المستويات السياسية فى إسرائيل بسبب تحركات الإدارة الأمريكية المكثفة، مؤخرًا، للدفع بخطة إقامة دولة فلسطينية فى الضفة الغربية وقطاع غزة، تحت حكم موحد، يقوم على أساس ما يعرف بأنه «سلطة فلسطينية متجددة»، خاصة أن الفكرة تلاقى قبولًا دوليًا كبيرًا، سواءً فى المنطقة العربية أو فى الغرب.
وتواجه التحركات الأمريكية، التى تعتبر أن الاتفاق المرتقب على وقف لإطلاق النار فى قطاع غزة والتلويح بورقة التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية يمهدان لتنفيذ خطتها- رفضًا إسرائيليًا رسميًا، تم التعبير عنه على أكثر من مستوى، مع التعويل على تشدد الحكومة اليمينية المتطرفة فى تل أبيب، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.
رفض إسرائيلى رسمى للاعتراف الأحادى.. وواشنطن تدرس الخيارات الممكنة
بعد انتشار الحديث عن رغبة واشنطن فى الدفع نحو إقامة دولة فلسطينية، قال رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، إن إسرائيل ترفض بصورة قاطعة أى إملاءات دولية بشأن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين، مشددًا على معارضة الاعتراف أحادى الجانب بالدولة الفلسطينية.
وجاء قول «نتنياهو» فى بيان رسمى صادر عن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية قبل أسبوعين، وذلك إثر الاجتماع الذى عقده المجلس الوزارى الإسرائيلى المصغر للشئون السياسية والأمنية «الكابينت»، على خلفية التقارير التى تحدثت عن إمكان التحرك نحو اعتراف أمريكى ودولى بدولة فلسطينية، فى إطار الرؤية الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط والمتعلقة بـ«اليوم التالى» للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والمستمرة منذ يوم ٧ أكتوبر الماضى.
ونقل البيان عن «نتنياهو» قوله إن موقفه من الدولة الفلسطينية يتلخص فى «أن إسرائيل ترفض بصورة قاطعة الإملاءات الدولية بشأن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين، وستواصل معارضتها الاعتراف الأحادى الجانب بالدولة الفلسطينية».
وأضاف: «لن يتم التوصل إلى تسوية إلا عبر المفاوضات المباشرة بين الجانبين من دون شروط مسبقة، والاعتراف بدولة فلسطينية فى أعقاب ٧ أكتوبر الماضى يمنح «الإرهاب» جائزة ضخمة غير مسبوقة، ويمنع أى تسوية مستقبلية للسلام».
وفى الإطار نفسه، وافقت الحكومة الإسرائيلية بالإجماع على إعلان يرفض ما سمته «الإملاءات الدولية التى تسعى إلى الدفع بإقامة دولة فلسطينية»، فى أعقاب تقارير تفيد بأن الولايات المتحدة والعديد من الشركاء العرب يعدون خطة مفصلة لاتفاق سلام شامل بين إسرائيل والفلسطينيين يتضمن «جدولًا زمنيًا ثابتًا لإقامة الدولة الفلسطينية».
وحول ذلك، علّق بينى جانتس، الوزير فى الحكومة الإسرائيلية، قائلًا إنه بينما تدرك إسرائيل أن النصر فى الحرب سيأتى من خلال التعاون مع الجهات الفاعلة الأمريكية والدولية الأخرى، فإنها «ترفض أيضًا الإجراءات أحادية الجانب».
وأضاف «جانتس»، أمام حشد من القادة اليهود الأمريكيين فى القدس: «بعد مجازر ٧ أكتوبر، لا يمر الطريق إلى الاستقرار والسلام الإقليميين عبر إجراءات أحادية الجانب، مثل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بل يتم ذلك من خلال تسهيل العمليات طويلة المدى التى من شأنها ترسيخ بنية إقليمية تواجه محور الإرهاب الإيرانى، ومن خلال تعزيز الترتيبات الدولية التى من شأنها تحسين حياة الناس فى جميع أنحاء المنطقة وتعزيز الاستقرار والسلام».
ووُجهت الخطة بانتقادات من أعضاء الحكومة من اليمين ووزراء حزب «الليكود»، الذين دعا أحدهم إلى الرد على ذلك بالتهديد بإلغاء «اتفاقية أوسلو»، التى أدت إلى إنشاء السلطة الفلسطينية.
وأوضحت تقارير أن حكومة «نتنياهو» تعوّل على أن الجمهور الإسرائيلى، كما يبدو، لن يؤيد تلك الخطة بعد عملية ٧ أكتوبر، التى زادت من مخاوف الإسرائيليين من وجود كيان فلسطينى مستقل بالقرب من المراكز السكانية الإسرائيلية، بالإضافة إلى المخاوف من الدعم المتزايد لحركة «حماس» بين الفلسطينيين بعد تنفيذ تلك العملية.
من ناحيتها، ترى واشنطن أن أفضل طريقة لتحقيق نهاية دائمة للأزمة فى غزة- توفر السلام والأمن الدائمين للإسرائيليين وللفلسطينيين على حد سواء- هو التزام قوى بإقامة دولة فلسطينية، وذلك حسب تصريحات رسمية لمسئولين أمريكيين.
يأتى ذلك وسط حاجة الإدارة الأمريكية الحالية، بقيادة الرئيس جو بايدن، لإنجاز سياسى مهم فى الشرق الأوسط لدعم حملته الانتخابية، لأن نجاحه فى إتمام اتفاق تطبيع بين السعودية وإسرائيل سيكون إنجازًا له.
وفى مواجهة الرفض الإسرائيلى للخطة المقترحة، يبدو أن واشنطن حاولت التهدئة، وسعى السفير الأمريكى فى إسرائيل «جاك لو» إلى التقليل من شأن الحديث عن احتمال قيام الولايات المتحدة بالاعتراف بدولة فلسطينية بشكل أحادى.
وقال: «لم نقل قط إنه يجب أن يكون هناك اعتراف أحادى الجانب بالدولة الفلسطينية»، ودعا بدلًا من ذلك إلى «عملية عبر الأفق تتضمن رؤية لدولة فلسطينية منزوعة السلاح».
وأضاف: «الآن هى اللحظة التى يوجد فيها احتمال حقيقى من خلال الانخراط فى التطبيع والمفاوضات مع المملكة العربية السعودية إلى جانب الإصلاحات فى السلطة الفلسطينية، ويمكن أن تكون هناك دولة فلسطينية منزوعة السلاح، لكن على إسرائيل أن تتخذ هذا الخيار».
وتجدر الإشارة إلى أن الناطق بلسان وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، كان قد أعلن، فى يناير الماضى، عن أن الولايات المتحدة بصدد وضع خطة بشأن كيفية البدء بإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وقبل ذلك، أفاد موقع «أكسيوس»، الأمريكى، بأن وزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بلينكن، أصدر تعليماته إلى موظفيه بـ«تقييم الخيارات الممكنة للاعتراف بالدولة الفلسطينية من طرف الولايات المتحدة والمجتمع الدولى».
كما وجّه «بلينكن» تعليماته، مؤخرًا، لفريق من وزارته، لإعداد دراسة مرتبة نحو إمكانية اعتراف أمريكى أو دولى بدولة فلسطينية من طرف واحد، وليس فى حوار مع إسرائيل وبالموافقة الإسرائيلية، وطرح هذا الموضوع أثناء زيارته الأخيرة إلى تل أبيب.
وقف إطلاق النار يمهد الطريق.. والتطبيع مقابل «مسار نحو حل لا رجعة فيه»
فى إطار توجه واشنطن، نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسئولين أمريكيين وعرب قولهم إن من شأن وقف إطلاق النار المرتقب، والمتوقع أن يستمر لمدة ٦ أسابيع على الأقل، أن يوفر الوقت لإعلان خطة إقامة الدولة الفلسطينية، وتجنيد دعم إضافى لها، واتخاذ الخطوات الأولية نحو تنفيذها، بما فى ذلك تشكيل حكومة فلسطينية مؤقتة.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية، فى تقرير لها، أن المخططين يأملون فى أن يتم التوصل إلى اتفاق بشأن المخطوفين قبل شهر رمضان، الذى سيبدأ فى ١٠ مارس الجارى.
ونقلت عن مسئول أمريكى قوله إن مفتاح الخطة هو صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق نار فى غزة، مشيرة إلى مخاوف جديدة من أن يؤدى الهجوم الإسرائيلى، الذى يلوح فى الأفق على مدينة رفح الفلسطينية، إلى دفع أزمة غزة نحو أبعادها القصوى، ودفن صفقة التبادل وجهود السلام الطويلة الأمد.
وحسب «واشنطن بوست»، فإن الخطة الأمريكية المقترحة تتضمن خطوات رفضتها إسرائيل فى السابق، بما فيها إخلاء العديد من مستوطنات الضفة الغربية، وإقامة عاصمة فلسطينية فى القدس الشرقية، وتشكيل جهاز أمنى وحكومة مشتركة للضفة الغربية وقطاع غزة.
ولفتت إلى أنه، مع ذلك، يبدو من غير الواضح ما إذا كانت إسرائيل ستوافق على خطوة كتلك، منوهة بأن توقيت الإعلان عن الخطة يعتمد إلى حد كبير على قدرة إسرائيل و«حماس» على التوصل إلى اتفاق يوقف القتال فى غزة.
وأشارت إلى أن الأمريكيين وشركاءهم من العرب والأوروبيين يأملون أن يتم إقناع إسرائيل بالخطة، عبر الحصول على ضمانات أمنية وإجراء تطبيع مع دول عربية أخرى، على رأسها السعودية، خاصة بعدما أقر مسئولون سعوديون علنًا باستعدادهم لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، حتى بعد ٧ أكتوبر، لكنهم أكدوا- كما فعلت الولايات المتحدة- أنه لن يتم التوصل إلى اتفاق حتى يكون هناك وقف لإطلاق النار فى غزة، وأن ذلك يجب أن يشمل إنشاء «مسار لا رجعة فيه نحو دولة فلسطينية».
وفى الإطار نفسه، قالت المحللة الإسرائيلية آنا برسكى، فى مقالها المنشور بصحيفة «معاريف» الإسرائيلية، إن الفكرة على جدول الأعمال السياسى للشرق الأوسط لدى الأمريكيين والأوروبيين، ولم يعد يجرى الحديث عن «إطلاق بالونات اختبار» أو عن «فكرة نظرية».
وأوضحت أن فكرة الاعتراف بدولة فلسطينية تنال الزخم ويتم الدفع بها قدمًا بشكل عملى، منوهة بأنه ليس من الصدفة أن سلسلة من زعماء الغرب أعلنوا، مؤخرًا، عن تأييدهم إقامة دولة فلسطينية، ومن بينهم زعماء كانوا يعتبرون يمينيين ومن أكثر المؤيدين لإسرائيل، مثل رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلونى.
وأشارت إلى أن فكرة الاعتراف أحادى الجانب بدولة فلسطينية بحثت فى مستويات مختلفة وفى محافل متعددة.
وفى مواجهة ذلك، أقرت الهيئة العامة للكنيست الإسرائيلى اقتراحًا عاجلًا تم ضمه لجدول الأعمال، من عضو لجنة الخارجية والأمن النائب زئيف ألكين، من حزب «أمل جديد»، عن «تصريحات ومنشورات فى العالم فى موضوع الاعتراف بدولة فلسطينية والحاجة إلى استعداد إسرائيلى لتحدٍ سياسى محتمل».