فيما يُقال عن أحوال الطقس
ألطف ما فى محركات البحث أنها تقوم حاليًا بدور المحلل النفسى والاجتماعى على خير ما يرام.. وحسب هذه المحركات.. يبدو أن قطاعًا غير قليل من المصريين لم يعد يهتم بأسعار الدولار وأخبار الحرب فى غزة والسودان وأوكرانيا والصومال.. لا أعرف إن كان ذلك بسبب اليأس أم فقدان الشغف؟.. الغريب فى الأمر أن أخبار زواج وطلاق النجوم لم تعد أمرًا مهمًا على ما يبدو أيضًا.. الطقوس المعتادة قبل شهر رمضان ليست فى الصدارة كذلك.. الاهتمام بالياميش والمكسرات والمسلسلات يتوارى كذلك.. هناك أمر محير فى هذه الأنباء.. ربما تعطلت هذه الميكانيكا التى تقيس اهتمامات الناس.. فليس من المعقول أن تتصدر محركات البحث أخبار الطقس وموعد صرف مرتبات شهر مارس بالزيادة الجديدة.
حتى أكون موضوعيًا.. خطف عم ربيع بائع الفاكهة الغلبان الترند لأيام خمسة.. فتش الكثيرون عن صورته بجلبابه البلدى وابتسامته المصرية الخالصة.. صارت الحوامدية والبرتقال كلمات مفتاحية فى أغلب التقارير المنشورة عن الواقعة.. من أين جاء الرجل؟.. كيف تجاوز كل هولاء المشاهير؟.. كيف يسبق مواطن.. مجرد مواطن.. حسام حسن ومحمد صلاح؟.. لقد أعاد الرجل القصة التى حاولنا نسيانها كمدًا وغمًا إلى الواجهة.. كل التفاصيل تقول إنه تصرف بشكل عفوى.. رجل يجلس يفكر فى قروشه القليلة التى جمعها من بيع بضعة كيلوهات من البرتقال والموز الذى اشتراه من التاجر الكبير بالشكك.. فيما تمرق أمامه على حين غرة عربات محملة بمواد الإغاثة الذاهبة إلى أهلنا المحاصرين فى فلسطين فينتفض واقفًا.. يجرى نحو عربته، يكبش بعضًا من حبات الفاكهة ويلقى بها فوق العربات عسى أن تصل للجوعى هناك.. لحظات خاطفة انتهت بمروق السيارات وعودته إلى حيث جلسته وهو يلهث.. لقد كان فى حرب صغيرة انتصر فيها رغم قلة حيلته.. لم يكن يدرى عم ربيع أن عينًا قد صورت حربه الصغيرة وانتصاره البديع.. العين التى صورت نشرت ما رأت عبر التيك توك.. وفى يوم وليلة طار الفيديو للعالم كله كاشفًا من جديد عن عظمة هذا الشعب فى عز ظروفه القاهرة.. كيف يفكر المصريون؟.. سؤال صعب.. لن يجد المحللون إجابته بسهولة.. عم ربيع كشف فقط عن جانب بسيط من الصورة.. المصرى أيًا كان موقعه من الحياة ينتصر دومًا إذا ما تمكن من فرصة.. مجرد فرصة مثل تلك التى لاحت لعم ربيع.
الجميل فى الأمر أن أهل غزة تلقفوا المشهد.. نزل عليهم بردًا وسلامًا.. لم ننس.. وإن تناسينا.. أنتم فى عمق الذاكرة وإن تعامت العيون.. نحن مثلكم نعافر ونتمسك بالحياة.. أنتم لستم وحدكم فى التيه تقاومون جرافات الغدر والغيلة وسط صمت عالمى مخزٍ.. عم ربيع غيّر أحوال الطقس.. أمشير لم يعد سيئًا.. عم ربيع يستبق الربيع ويعلن قدومه مبكرًا.
نصف بيوت مصر يشغلها حال الطقس الآن بالفعل.. والنصف الآخر يبحث عن مواعيد الدراسة فى رمضان، ويسأل نفسه: كيف يستوعب أطفالنا هذه المناهج المكدسة فى أيام قليلة يتخللها صيام رمضان؟.. كيف سنتمكن من توفيق مواعيد الدروس الخصوصية مع مواعيد الفطار والمدارس؟.. وبالمرة انقطاع وعودة التيار.. ما تستغربوش.. لقد صار كل ما كنا نظنه هامشيًا فى صدارة اهتمامات الناس من حولنا.. لم تعد القضايا الكبرى تشغل بال أحدنا.. وصار من يفتح موضوعًا كبيرًا أو جدليًا خارجًا عن السياق.. أظنه الطقس أيضًا.. هل لدى أحد علمائنا تفسير لهذا التحول الغريب.. أم أن شيئًا من ذلك لم يحدث وكل شىء على ما يرام وفى موضعه المعتاد؟ فيما أعانى أنا فقط من خيالات دور برد وارتفاعات غير مسبوقة فى درجة حرارة جسدى وعقلى.. ربما.