التقارب فى عيد الحب
لم يخطر في بال أشد الناس تفاؤلًا ما حدث الأربعاء ١٤ فبراير عندما هبطت الطائرة الخاصة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مطار القاهرة، واستقبال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وقرينته له والسيدة حرمه في قصر الاتحادية.
المفارقة الغريبة هي أن يتحول أكثر رؤساء العالم كراهية للنظام المصري إلى رئيس يتودد للنظام الذي عاداه، وأن يسعي لخلق إطار لزيادة التقارب المثمر بين النظامين المصري والتركي، ويتعمد أن تكون هذه الزيارة في يوم عيد الحب ليكسر حاجز الكراهية الذي استمر لمدة تزيد عن أحد عشر عامًا.
بحث الرئيسان خلال اجتماعهما وقف إطلاق النار في غزة وإنفاذ المساعدات الإنسانية لأهالي القطاع ودفع الجهود المشتركة لتعزيز العلاقات الثنائية، إضافة إلى تناولهما العديد من الملفات والتحديات الإقليمية.
كانت الرئاسة التركية قد أعلنت الأحد ١١ فبراير عن أن الرئيس أردوغان سيبحث في القاهرة الخطوات التي يمكن اتخاذها لتحسين العلاقات الثنائية وتنشيط آليات التعاون الثنائي رفيعة المستوى، بالإضافة إلى مناقشة القضايا العالمية والإقليمية الراهنة خاصة الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة وهو ما حدث بالفعل.
والمتتبع لخطوات هذا التطور المفاجئ يرى أن البداية كانت في دولة قطر وبرعاية الرئيس تميم بن حمد أمير قطر بعدما تصافح الرئيسان خلال افتتاح بطولة كأس العالم لكرة القدم (المونديال) عام ٢٠٢٢ ثم اللقاء الذي تم بينهما خلال قمة العشرين بالعاصمة الهندية نيودلهي في سبتمبر من العام الماضي، حيث اتفق الجانبان على تدعيم العلاقات والتعاون ورفع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين لدرجة إعادة تبادل السفراء.
ثم جاءت أخيرًا دعوة الرئيس السيسي للرئيس أردوغان لزيارة القاهرة الذي سارع بتلبيتها.
لا شك أن وراء هذا التحول جهودًا دبلوماسية مصرية وتركية مثمرة عظمت أهمية دور البلدين الإقليمي وريادتهما في المنطقة، وحتمية إزالة الخلافات، لأن استراتيجيات الدول تُبني دائمًا على المصالح المشتركة للبلدين.. فالبلدان لهما ثقلهما التاريخي والحضاري في منطقة الشرق الأوسط، واستراتيجيًا يتشابهان كثيرًا، فمصر هي نقطة الالتقاء الأهم بين قارتي إفريقيا وآسيا، وتهيمن على أهم ممر مائي بينهما (قناة السويس) وتركيا أيضًا تقع بين قارتي آسيا وأوروبا، وهي مركز استراتيجي هام وتسيطر على مضيقي البوسفور والدردنيل كممرات حيوية ومنافذ للبحر الأبيض المتوسط.
التقارب كان يجب أن يتم والتطاول التركي في الماضي قوبل بالصمت والترفع الذكي من الجانب المصري، فكان لا بد أن يعود الجانب التركي إلى صوابه.. وتحيا مصر.