عماد أبو زيد: ذهبت بالخطأ لطريق الشعر.. وفكرة الخلاص ليست واجبة في الكتابة (حوار)
يؤمن الكاتب عماد أبو زيد أن الكاتبة هي مخففة لجروح هذا العالم، كما أنها متنفس جميل من كل الأمور السيئة، ووسيلة لتشكيل الرؤى والتعبير عنها وتقديمها للقارئ، فكل كتابة هي وجهة نظر، وهنا يمكن للقارئ أن يتقبلها أو يرفضها بحسب تعبير الكاتب عنها، فهو غير مجبر على السير في طريق الكاتب، فالمؤلف يقدم معطياته وبراهينه، لكنه لا يمسك بيد القارئ ويقول له: "انظر هنا"، والكثير مما شرحه عماد أبو زيد في حواره التالي مع الدستور..
- أنت دائمًا تنشر بعصابية ما بين مساري الرواية والقصة.. فإلى أي اتجاه إبداعي تنتمي وتحب وتهوى؟
أنا أكتب القصة والرواية، لكن ما قدمته للنشر كان فن القصة القصيرة. وربما لأن عجلة نشر القصة القصيرة متاحة بالصحف والمجلات والوسائط الحديثة؛ فأجد نفسي مهتمًا بتقديمها.
- تطرح الساسة برموز مغايرة في طرحك الكلي، وكذلك الحب والتوق إلى الحرية، فماذا تمثل لك الكتابة؟
أستطيع القول إن الكاتب حر فيما يكتب مادام حرًا، ويشعر بكرامته، وللحرية نمطين: الحرية العامة، والحرية الشخصية، وأتوقف بتركيز شديد، عند جانب مهم للحرية الشخصية، ألا وهو حق الكرامة وعدم الامتهان، وهو ما يزعجني ككاتب، وإنسان بالدرجة الأولى إذا ما اختل هذا الحق. أما للتعبير عن الساسة، فهناك طرائق كثيرة، فنجيب محفوظ عبر عما أراده في أولاد حارتنا بطريقة رمزية، وعبد الله بن المقفع في التراث الإنساني قدم لنا كليلة ودمنة، وصنع الله إبراهيم ضمن كتابته التوثيقات المؤكدة له، ومن الممكن أن يعبر الكاتب عما يراه دون الوقوف طويلًا أمام الساسة، ودون التعرض للأنظمة الحاكمة، فالصورة دائمًا أبلغ من أي عنوان.
- كيف كانت الدوافع لاختيار السرد في بداية مشوارك مع الكتابة الذي بدأ منذ أكثر من ستة عشر عامًا؟
أعتقد أن هذا التساؤل يأتي تتمة للسؤال السابق، ففي بداياتي الأولى ذهبت بالخطأ إلى طريق الشعر، إلى أن استقر بي المقام على ضفاف السرد. والكتابة في هذا المسار أجدها فعلًا يداوي جراحي وهزائمي، ربما في يوم ما حلمت أن أكون قيادة سياسية كبيرة، أو محافظًا لإقليم، أو نائبًا في البرلمان؛ إذ لدي هوس كبير بهموم الناس وأوجاعهم، وقضايا البلاد الكبرى. وربما في يوم ما حلمت أن أكون بائعًا للحلوى وغزل البنات أسعد الأطفال، ومن ثم ليس كل ما يتمناه المرء يدركه. استبدلت الكتابة بأحلامي الضائعة، فيها أجد متنفسًا لي، أعيد عمليات التشكيل والبناء، أنتقد، وأطرح ما أريد من قضايا تمس الإنسان والمجتمع.
أحاول طوال الوقت صنع فسيفساء سردية بهية الصورة، عميقة المعنى. كل ما ذكرت أجده من باب الدافعية لاختيار السرد طريقًا لي.
- في ظل الحروب والأوبئة والصراع عبر الهوية والتاريخ.. ما هو دور الكاتب في ظل هذه الترهات والهدم؟
ينبغي عليه أن يلعب دورًا توعويًا بين الناس خاصةً في وقت الأوبئة، ودور المعلم والمرشد في وقت الحرب ساعيًا إلى ترسيخ الهوية وتماسك المجتمع. وأذكر أن الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين في عام 1946م بعد انتصاره على هتلر في الحرب العالمية الثانية قال في خطبة له: "إن الكاتب إيليا اهرنبورج أسهم إسهامًا كبيرًا في ربح الحرب وسحق العدو"، وذلك لدوره التوعوي أثناء الحرب.
- ما هو مفهومك للخلاص.. ليتك تشرح للقارئ: هل ينتهي حلم الكاتب بالخلاص مع الانتهاء من كتابة نصه؟
بداية مفهوم الخلاص مرتبط بالمسيحية في العهد الجديد، وهي فكرة الخلاص من الخطيئة بمجيء المسيح متألمًا ثم ممجدًا، وجوهر الفكرة هو الانتقال من حالة اللاتسامح إلى حالة التسامح والتسامي، وتطهير الذات من الرذائل والشرور، ومن ثم تكون المحبة، لكن أعتقد أن البشرية لا تعرف المحبة إلى قليلًا، وما نراه الآن من إبادة جماعية في غزة، ما هو إلا دليلعلى ذلك وسط صمت الدول الكبرى التي تساعد إسرائيل على شرورها، ولذلك من الممكن أن تنتهي القصص عند ذروة الظلم والعنف، دون أن يتنازل الظالم عن ظلمه، ويكف يده عن الشر. وفكرة الخلاص قريبة أيضًا من فكرة التطهير في المسرح الإغريقي؛ حيث يفجع البطل بمصيبة كبيرة، فيشعر المشاهد بضعفه البشري، بعد زوال غطرسته، وتطهره من آثامه وذنوبه؛ فيتأثر بضعفه وهوانه، ويتقبله كإنسان، ويتوحد معه في همه وانكساره وعذاباته. وأنا ككاتب أؤمن بأن فضيلة التسامح فيما يخص حقوق العباد فهي مرتبطة بالمُشاحَّة، وفيما يخص حقوق الله فهي مرتبطة بالمسامحة.
وعليه أرى أن فكرة الخلاص ليست واجبة على مستوى الكتابة، وأعتقد أن الكاتب يهدأ نسبيًا بعد انتهاء كتابته للنص، لكنه يظل في أرق، ويعيد التأمل في النص، ثم يتوق إلى كتابة نص جديد دون أن يتوقف حلمه.
- تكتب في صمت، حتى فيما يخص النشر، تنشر كثيرًا خارج مصر.. فلماذا هذا المنحى، وهل هذا الموقف في النشر له ثمة علاقة بخصومة ما مع الخارطة الثقافية والإعلامية في مصر؟
ذلك يعزو إلى إنني متأرجح المزاج، فأحيانًا أكتب، وأحيانًا أخاصم الكتابة، وأنا بصدد الحديث عن النشر خارج مصر ذلك لا يسعني إلى أن أتوجه بالشكر إلى كل أصدقائي خارج مصر الذين يعتنون بكتاباتي، والذين دائمًا يضعونني في مهمة تكليف بالكتابة، ويرحبون بنشر ما أكتب، ليس بصفتي الشخصية، بل بصفتي ابن النيل والأهرامات، وأحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، والعقاد، وطه حسين، ونجيب محفوظ. لكن أستطيع القول إنني أنشر داخل مصر على استحياء؛ فنوافذ النشر محدودة، والكتاب كُثر، وأنا لا أرغب أن أكون ملحًا على أصدقائي فيها بالنشر. وجدير بالذكر أن مجموعتي القصصية "جسر النار" صدرت العام الماضي عن سلسلة إبداعات قصصية – الهيئة المصرية العامة للكتاب، وفي هذا المقام لا أغفل عن تقديم الشكر لصديقي الكاتب الكبير أ. سيد الوكيل – المشرف على السلسلة.
- عن تلك الأسماء والرموز التي كان لها الفضل في اقتحامك لعالم الرواية / القصة / النقد؟
في مستهل حياتي وجدتني شغوفًا بأحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، والمتنبي، ثم وقعت في يدي رواية لفتحي غانم، ثم امتد الخيط على استقامته، فقرأت يوسف السباعي، وإحسان عبد القدوس، ويوسف ادريس، ونجيب محفوظ، وصبري موسى.
- موقفك.. بل رؤيتك لمستقبل الثقافة والفكر والفن في عصور الحروب وطمس الهويات؟
يأخذني الجزء الأول من السؤال إلى كتاب طه حسين "مستقبل الثقافة في مصر" وقد نشره سنة 1938، وما زالت رؤيته حاضرة إلى الآن، فينبغي أن نولي اهتمامًا كبيرًا بالتعليم، فبه يزداد الوعي لدى الفرد وتنتشر الثقافة، ومن ثم يكون المردود بين أيدينا على مختلف الأصعدة، ونلحظ الآن أن الدول الكبرى ترى أن الاستثمار في التعليم يحقق غاياتها الكبرى، ويحافظ على تقدمها، وأذكر أن إمبراطور اليابان عقب هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، زار أحد المختبرات العلمية، وقال مقولته الشهيرة: "نحن هزمنا من هنا". وفي عام 1983م، في عهد الرئيس الأمريكي رونالد ريجان، صدر تقرير خطير تحت عنوان "أمة في خطر"، عن أحوال التعليم، وكيفية إصلاحه، والوصول به إلى مصاف الدول الأكثر تقدمًا.
وعلى إثر هذا التقرير، وضعت استراتيجية جديدة للتعليم في عام 1990م، في عهد الرئيس بوش، تحت عنوان "أمريكا عام 2000" استراتيجية للتعليم المتضمنة الكثير من اتجاهات الإصلاح التي نادى بها تقرير 1983. ولذلك أشدد على أهمية التعليم، فهو درع الوطن أمام الحروب، وأمام الثقافات الوافدة، هو العاصم من ضياع الهوية.
- اشرح لنا علاقتك بتيارات وأشكال النقد المصري والعربي.. من خلال التعامل مع نصوصك الأدبية بشكل عام؟
تابعت القراءة عن البنيوية والتفكيكية ثم النقد الشكلاني بكل تجلياته / علم السرد، ثم النقد الثقافي الذي يركز على دراسة أنساق وبنى ثقافية كامنة في النصوص، والنقد الرقمي بعد ظهور الأدب الرقمي في عصر التكنولوجيا، أو فيما يسمى بمفهوم الأدب التفاعلي. وأنا لست مشغولًا فيما يكتب على النص الذي أقدمه، فالإبداع دائمًا يسبق النقد.
- هل أنت مؤمن بمصطلحات مثل.. الشللية والجيتوهات في الحقل الثقافي في مصر؟
هي موجودة في كل مكان، على مستوى الندوات، وعلى مستوى النشر بالمجلات، وعلى مستوى دور النشر الخاصة قبل العامة. لكن إيماني بالعمل الجيد، يظل في ترتيب أولوياتي، قبل كل شيء.
- ما هو موقفك من تلك العتبات التي تتكئ عليها لجان التحكيم في منح ومنع الجوائز الأدبية؟
أحيانًا يكون الموضوع الذي تناوله العمل الأدبي هو المحرض على منح الجائزة، وأحيانًا تكون للجائزة توجهات خاصة بها في منح أو منع الجائزة، وألحظ في الفترة الأخيرة أن بعض الجوائز تسعى لترضية دور نشر بعينها، فيتم تقسيم الجوائز فيما بينها، وهناك جوائز تهتم بجودة العمل الأدبي، وخلوه من الأخطاء.
- أخيرًا.. حدثنا عن أقرب الكتاب أو العناوين الأدبية لعالمك الثقافي / الفكري.. أو الروائي؟
رواية "الغريب" لـ ألبير كامو، "مزرعة الحيوان" لجورج أورويل، "السيميائي ساحر الصحراء" لـ باولو كويلو، "ذكريات عن عاهرتي الحزينات" لـ جابرييل جارسيا ماركيز، وكتاب "الأمير" نيقولا مكيافيلي، وكتاب "ألف ليلة وليلة.
اقرأ أيضًا..