ناظم الغزالى يفتتح مهرجان بغداد السينمائى
ناظم الغزالي هو الحاضر الغائب في عراقه دومًا عراق القراءة والشعر والموسيقى، لذلك زفت موسيقاه عرس بغداد السينمائي الأول في مقتبل عام ٢٠٢٤.
فبغداد تسترد عافيتها وتفتتح عام ٢٠٢٤ بمهرجانين، أحدهما كان للمسرح العربي في يناير ٢٠٢٤ والذي ألقت فيه السيدة (نضال الأشقر) كلمة المهرجان في ظل أجواء ضاغطة لكنها وبالطبع تضامنية مع ما يحدث مع أهلنا في غزة وفي فلسطين التي كانت حاضرةً أيضًا ليس فقط في كلمة الأشقر بل في فعاليات مهرجان المسرح ومهرجان بغداد السينمائي الذي تلى فعاليات مهرجان المسرح.
فبغداد تستهل عام ٢٠٢٤ بمهرجانين يحتفيان بالإبداع والفن والثقافة في بادرة تبشر بعام تكون الثقافة فيه أولوية، ويعود الإبداع لشوارع مدينة بغداد التي شهدت سنوات من المجد الإبداع الثقافي على مر السنين وبعد سنوات عجاف افتقر فيها الشعب العراقي المثقف لنهر الثقافة الذي لم ينبض أبدًا لولا ويلات الحرب وتبعاتها ثم الجائحة العالمية، وبعد أن التقط العالم أنفاسه ها هو يحبسها من جديد بسبب أحداث غزة الدامية وتصاعد الوضع في فلسطين الجريحة التي كانت حاضرةً في مهرجان المسرح وكذلك السينما، ووقفت المطربة العراقية الشابة (سارة محمد) وهي تضع على رأسها الشال الفلسطيني على خشبة مسرح المنصور، حيث افتتحت بغداد مهرجانها السينمائي الأول ووقف الحاضرون تحيةً خلال إذاعة النشيد الوطني العراقي الذي أعقبه قراءة الفاتحة على أرواح الشهداء هنا وهناك.
فالفنون بهجة وموسيقى وغناء ولكنها أيضًا أدوات لتسجيل المواقف والتضامن مع القضايا الإقليمية والإنسانية، وكانت فلسطين دومًا في قلب الضمير الإنساني والعالمي، وأظهر العراق تضامنه معها الآن على طريقته الخاصة في قلب بغداد، وغنت المطربة العراقية الشابة أغنية السيدة فيروز الشهيرة (زهرة المدائن) التي تحيي القدس وطوفانها وتحتفي بمدينة الصلاة.. ويعرف العراق بمراقده ومساجده المقدسة معنى وأهمية وقدسية مدينة كمدينة القدس، التي لها ذات الأهمية التي تحظى بها مدن لها مكانتها في العراق كمدينة (كربلاء) أو (النجف الأشرف).
وبعد قراءة الفاتحة وعزف النشيد الوطني بدأت ألحان ناظم الغزالي لتطرب الحاضرين وتذكرهم بتلك الموسيقى الخالدة لواحد من أعمدة الغناء والفن والموسيقى ليس فقط في العراق بل ذاع سيطه في العالم العربي كله والشرق الأوسط.. فإذا كانت أم كلثوم هي هرم مصر الرابع وفيروز هي شجرة الأرز اللبنانية الشامخة، فناظم الغزالي هو قيثارة العراق وسفيرها الذي حلق بها لرحابة ما بعدها رحابة وما زال حتى الآن في الوجدان العراقي والعربي وخلدت أعماله وموسيقاه ليستعيدها العراق في مهرجانه السينمائي الأول في عاصمته بغداد التي يجري نهر دجلة في عروقها ويسير الإبداع في مياه ذلك النهر الذي يسقي ضفافه فنًا وثقافة.. فيومي الجمعة والسبت يفتح شارع المتنبي ذراعيه لاستقبال الوافدين من عشاق القراءة نهارًا.. فمكتبات بغداد تتأنق وتتزين لاستقبال زوارها في هذين اليومين وبالتحديد ليلًا فمقهى الشهبندر العتيق يلملم أحاديث العاشقين والمبدعين الذين يتجمعون بداخله ويشبه المقهى الشهير في قلب بغداد مقهى الفيشاوي في قاهرة المعز وحي الحسين بن علي الذي يحج إليه العاشقون في القاهرة وفي العراق وعلى قدم المساواة فالحسين سيد الشهداء وخيرة شباب أهل الجنة لديه في قلوب المصريين والعراقيين وغيرهم أيضًا محبة لا توصف ولا يمكن أحيانًا فهمها لدى كثيرين ممن يجهلون معاني العشق السامية وأحوال العاشقين المتيمين بحب رسول الله وأهل بيته الكرام، فمنذ أيام احتفل المصريون وكل العشاق بذكرى الإسراء والمعراج التي تزامنت مع مولد السيدة زينب بنت بنت النبي، فحب آل البيت له طابعه الخاص جدًا في مصر وله وبالطبع مكانةً كبيرة في عراق الحسين بن علي الذي يتنافس الجميع في محبة الإمام وابنه وعلى قدم المساواة، فلا يستطيع أحد المفاضلة هنا بين محبة الإمام علي وابنه الحسين سيد الشهداء الذي تملأ صوره حوائط بغداد والعراق كله وتتزين وسائل المواصلات وتتبرك بصوره ففي العراق خليط متجانس يتضافر فيه حب آل البيت مع حب الموسيقى والشعر والإبداع عامةً، فشعراء العراق يشار لهم بالبنان ويكفي أن يكون المتنبي وأبونواس من قامات العراق، الذي عرف بأنه يقرأ ما تكتبه مصر وتطبعه لبنان، لذلك كان الوفد المصري الذي حضر فعاليات مهرجان بغداد السينمائي الأول هو الأكبر عددًا إيمانًا من القائمين على المهرجان بأهمية دور مصر الثقافي والفني والسينمائي بالتحديد، وأعلن ذلك الدكتور حكمت البيضاني مدير مهرجان بغداد السينمائي الأول، الذي يقدم في أولى دوراته برنامجًا دسمًا يضم بين جنباته كل أنواع الأفلام بدءًا بالفيلم القصير والأنيميشن مرورًا بالفيلم التسجيلي وبالطبع الفيلم الروائي الطويل.
وتشارك دول عدة في فعاليات المهرجان منها بالطبع العراق ومصر بل وتقدم اليمن فيلمها الجديد في عرضه العالمي الأول وهو فيلم (المرهقون) الذي شارك في إنتاجه المنتج السوداني (أمجد أبوالعلا) الذي أنتج فيلم (وداعًا جوليا) الذي افتتح فعاليات مهرجان بغداد السينمائي الأول وسبق عرضه في مصر عرضًا تجاريًا.
وشارك في عدة مهرجانات وعرض في دول عديدة وحصد عدة جوائز مستحقة لعمل فني مذهل ومتكامل يبشر بسينما سودانية وليدة تزاحم على استحياء في ظل ظرف سياسي صعب يعيشه السودان الآن بسبب الصراعات والتطاحن والأطماع والتصنيف والطائفية لتصبح السينما وبحق أداة وعي تراكمي ومقاومة تُحدث وبلا شك حراكًا اجتماعيًا تظهر نتائجه على المدى البعيد ليصلح الفن وتصلح السينما ما تفسده السياسة وما تدمره الحروب، فالحروب تدمر البشر والحجر ليصبح قلب الإنسان أشد قسوة من الحجر ويلين ذلك القلب العاصي بفعل الموسيقى وبفضل السينما والشعر، فالفيلم الجيد شأنه شأن القصيدة المنمقة المغناة ويسير كلاهما في خطوط متوازية تتلاقى أحيانًا وتذوب في أرواح من يتلقاها، وتلك هي وظيفة الفنون والإبداع الذي يرتقي بالشعوب ويبني الحضارات.