بعد تقارير "الأغذية العالمي".. هل تدخل "السودان" في مجاعة جديدة؟
تدور رحى الحرب من جديد في أرض السودان، ممزقة نسيجه الاجتماعي ومثقلة كاهل أهله بمآسٍ عميقة، فبعد سنوات من الاضطرابات السياسية التي تلت سقوط نظام "البشير"، انفجرت فتيلة الصراع مجددًا بين الفصائل المتناحرة على سدة الحكم، تاركة وراءها آلاف الضحايا وملايين النازحين واللاجئين الذين فرّوا من بيوتهم خوفًا على أرواحهم.
إنها المأساة التي لا تنتهي في ظل تعنّت الأطراف المتحاربة وعجزها عن تحقيق مصالحة وطنية شاملة، ولقد أوغل البلد في دوامة العنف والفوضى منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، حيث تتصارع الأطماع وتتأجج نيران الحقد، ويضيع بينها صوت العقل والحكمة.
وفي ظل تلك العرقلة، أعلن برنامج الأغذية العالمي، أنه تلقى تقارير تفيد بوفاة أشخاص جوعًا في السودان، بسبب تواصل الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مما يعرقل توزيع المساعدات والإمدادات الغذائية.
ورغم الإحصائيات التي نشرتها تلك المنظمات التابعة للأمم المتحدة، إلا أنه خلال تواصلنا مع عدد من المواطنين أكدوا أنه لا وجود لما يسمى الموت جوعًا في السودان، أنها فقط تواجه نقص في الغذاء، وارتفاع في أسعار السلع الأساسية، والغرض من انتشار تلك المعلومات أن تكون ذريعة لاحتلال السودان ونهب خيراته.
بحسب تقرير عن الوضع في السودان، صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان 2023، فقد نحو 12 ألف شخص حياتهم نتيجة القصف الجوي والاشتباكات الأرضية، واضطر أكثر من 7 ملايين من السكان للفرار من منازلهم.
الطاهر الطيب: لدينا مخزون قليل من الغذاء
بداية، تحدثنا مع الطاهر الطيب، شاب في الحادية والعشرين من عمره، درس الهندسة المدنية، لكنه توقف عن الدراسة بسبب التخريب الذي لحق بجامعته، أوضح لنا أنه في منطقة ولاية سنار لا توجد أزمة، لكن في مناطق الاشتباكات أصبحت شبه خالية من المواطنين، وهي التي تعاني من أزمة غذاء بسبب محدودية الغذاء فيها، لذا نزح معظم السكان من تلك المناطق، ولم يبقَ فيها سوى عدد قليل يحاول حماية ممتلكاته من اللصوص، لكن الوضع الأمني غير مستقر وقد تتغير الأحداث في أي لحظة.
وأكد "الطيب"، في حديثه مع "الدستور"، أن البلاد كانت تواجه أزمة في الغذاء قبل الحرب وازدادت سوءً بعدها، فقد كان الخريف قليل الأمطار، وانتشر الجراد بكثرة، وحدثت مشاكل في مياه الري التي تسقى منها المحاصيل، ولم يكن هناك سوى ولاية الجزيرة التي كانت تنتج محاصيل بكميات كبيرة، لكنها الآن أصبحت منطقة عمليات عسكرية ونزح معظم سكانها تاركين الزراعة، أيضًا كانت البذور تُعالج بمواد كيميائية في العاصمة الخرطوم ثم توزع على باقي الولايات، لكن الخرطوم الآن أيضًا منطقة عمليات والحركة فيها معدومة تقريبًا، فأصبح الاعتماد الآن على مخزون المحاصيل من العام الماضي، ولكن لا يوجد إنتاج هذا العام تقريبًا.
سيف الدين: لدينا نقص في الغذاء فقط
واتفق معه في الرأي، سيف الدين سليمان، رئيس تحرير شبكة "سودازول"، فهو يرى أن استمرار الحرب يؤدي إلى شبه مجاعة في السودان، لأن الحرب عمل على تهجير المنتجين الأساسيين من مناطق الإنتاج؛ مثل مشروع الجزيرة إحدى أكبر المشارع في السودان التي سيطرت عليها الدعم السريع، أما في غرب السودان منذ اندلاع الحرب هناك في إقليم دارفور في مطلع عام 2022م، ما أدى إلى تهجير أكثر من 3 مليون مزارع، بالتالي نقص الغذاء ولكن لم يصل الأمر إلى مجاعة.
وأكد "سليمان"، في حديثه مع "الدستور"، أن هناك العديد من مناطق في السودان لم تتأثر بهذه الحرب، وما زالت الناس مستمرة في الزراعة وقادرة تغطية العجز، ضاربًا المثل بجنوب كردفان، وهي من المناطق الزراعية الخصبة التي لم تتأثر، أيضًا ولاية الشمالية على طول نهر النيل شرق السودان، كذلك غرب السودان، وفقط المنطقة المتأثرة هي مشروع الجزيرة، وهذا المشروع لا يعتمد عليه الشعب السوداني في غذائه، لأنه يتم تصدير ما ينتجه للخارج، وهناك مصادر أخرى يعتمد عليها معظم الشعب السوداني في الغذاء، منها الدخن في طعامها، والذرة والقمح واللحم والخضروات وهذه متوفرة.
وأوضح أن الحرب الدائر الآن لم تؤثر على المزارعين بصورة مباشرة، بل أثرت على المعتمدين على الزراعة وهم الذين يعيشون في المدن الثلاث: الخرطوم وبحري وأمدرمان، وهؤلاء هم النازحون إلى الولايات السودانية الأخرى سواء في شرق السودان أو الشمالية أو في الغرب، فزاد الطلب وحدث نقص في الغذاء، ولكن لم يصل إلى مرحلة المجاعة.
نوال: لدينا منافذ من الدول الشقيقة لدخول السلع
ولم يختلف رأي نوال حسين، صحفية سودانية، فأكدت عدم وجود مجاعة في السودان، لكن فقط فشل للموسم الزراعي بأكمله في الولايات التي يقوم الدعم السريع بالتواجد فيها، ورغم ذلك يوجد منافذ لدخول السلع بكميات كبيرة من السعودية والإمارات ومصر فوق حاجة السكان، لكن قد يقل الغذاء على مستوى المجتمعات المحلية في الأرياف في منتصف هذا العام.
ولفتت "حسين"، في حديثها مع "الدستور"، إلى أنه قد يكون هنالك قلة في الغذاء في معسكرات اللجوء في تشاد واثيوبيا، بسبب استيلاء هذه الدول علي ما يقدم للاجئين وانتفاعها من ذلك، موضحة أن معظم أهل السودان لم يغادروه، فلا حرب سوى في الخرطوم وولايات دارفور وجزء من ولايات كردفان؛ فأهل ولايات دارفور لجأوا إلى دولة تشاد، وأهالي ولايات الخرطوم والجزيرة لجأ جزء منهم إلى مصر، معلقة: "لم أسمع بشخص مات بالجوع أو حتى وصل لمرحلة الجوع كلها أكاذيب".
هل حدثت مجاعات في السودان سابقًا؟ (تايم لاين)
*بحسب تقرير عن الوضع في السودان، صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان 2023، فهناك 2.4 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات، أما المستهدفون بالمساعدات 14.7 مليون شخص.
وزير الزراعة السابق: 10- 15% فقط من سكان مدن النزاع يعانون من نقص غذائي
وبالحديث مع متخصصين في المجال الزراعي بالسودان، أكد المهندس عبدالله محمد عثمان، وزير الزراعة السابق في السودان، أن التقديرات بوجود مجاعة في السودان غير دقيقة، فأكثر من 80% من مناطق الإنتاج في السودان خارج نطاق النزاعات، حتى في المناطق المتضررة مثل الجزيرة، مشاريعنا الزراعية مستمرة، والتي تبلغ مساحتها 2.2 مليون فدان.
وأوضح "عثمان"، في حديثه مع "الدستور"، أن المشكلة الحقيقية هي في المدن التي تسيطر عليها المعارضة، حيث يعاني 10-15% من السكان من نقص غذائي بسبب حصار المعارضة، أما بقية السودان فلا توجد به مجاعة، مؤكدًا وفرة الموارد الغذائية وسيطرة الجيش على 80% من الأراضي.
وأشار الوزير السابق إلى أن التقارير الدولية عن المجاعة، ما هي إلا محاولة لممارسة ضغط سياسي على الحكومة وليست صحيحة، مشيرًا إلى أن الغرض منها زعزعة الثقة في نفوس المواطنين الذين انضموا للمقاومة الشعبية لنصرة الجيش على قوات المتمردين، وهي ليست المرة الأولى التي يتم نشر تقارير مغلوطة عن الموسم الزراعي للسودان.
وأوضح أن مدينة "القضارف" وحدها، وتقع أواسط شرق السودان، تم زراعة مساحة 7.5 مليون فدان، متجاوزة المساحة المقترحة بحوالي 400 ألف فدان، وفيها أكبر صوامع الغلال في السودان وقد امتلئت هذا الموسم لدرجة عدم استيعابها لكل الحصاد.
خبير اقتصادي: دارفور والجزيرة والخرطوم تعاني نقص حاد
فيما أوضح الدكتور الأمين بلال مختار، أستاذ علم الاقتصاد بالسودان، أن المناطق المتضررة من الحرب في السودان مثل دارفور والجزيرة والخرطوم تعاني من نقص حاد في الغذاء والدواء، أيضًا انهيار البنية التحتية وتدمير المستشفيات والمخازن الاستراتيجية، ما أدى إلى أزمة إنسانية، كما تسبب النزوح الجماعي في معاناة المواطنين.
وحذر "بلال"، في حديثه مع "الدستور"، من استمرار الوضع لثلاثة أشهر آتية دون تدخل دولي فاعل، مما قد يؤدي لفقدان ثلث السكان بسبب المجاعة، داعيًا المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية للتدخل العاجل لإنقاذ الشعب السوداني من الكارثة الإنسانية التي يمر بها.