ميدان الساعة في طنطا.. من ساحة الإعدام إلى نصب تذكاري يحكي قصة البراءة
يعد ميدان الساعة الشهير بمدينة طنطا في الغربية، من أقدم المواقع في طنطا، حيث كان يعتبر نقطة التقاء للسكان والزوار على مر العصور، حيث يتميز الميدان بساعته التي تعود إلى فترة القرن التاسع عشر، والتي تعتبر رمزًا مهمًا للتراث المعماري في المدينة، حيث إتخذت أغلب ميادين العالم ذات الساعات الأثرية تاريخها في هذه الآونة من الثقافة الفرنسية والإنجليزية عن طريق تدشين ساعات عملاقة في الميادين، ولكن في طنطا كان للميدان تاريخ سابق قبل وجود الساعة والتي جاءت لتخلد قصة شهيرة تتوارثها الأجيال، تتمثل في أنها رمزًا لبراءة أحد الشباب من تهمة تم إلصاقها به عن طريق فتاة كان يعمل لدي أسرتها قصة تشبه قصة نبي الله يوسف، الذي بعث الله له من يثبت براءته، إلا أن يوسف طنطا، لم يثبت أحد براءته وتم إعدامه بالفعل حتى ظهرت البراءة بعدها بعدة سنوات فتم إنشاء هذه الساعة مكان منصة الإعدم التي كانت تشغل نفس الميدان.
ولذلك فيحمل ميدان الساعة في طنطا قصة تاريخية مؤثرة يجب الاحتفاظ بها، فالميدان الذي تأسس على أنقاض ساحة الإعدام السابقة، وتم تحويله إلى نصب تذكاري يروي قصة البراءة وأهمية العدالة، وعلى الرغم من تلاشي الذاكرة العامة للأحداث، يجب علينا الحفاظ على هذا المكان التاريخي وتوثيق القصة لضمان استمرار تعليم الأجيال القادمة حول ماضينا وقيمنا المشتركة.
وأكد الدكتور عماد بدير، مدير متحف آثار طنطا، أن ميدان الساعة في طنطا يُعتبر واحدًا من أهم الميادين في مدينة شيخ العرب، حيث يربط بين حي أول وثاني طنطا.
وذكر "بدير" أن تاريخ إنشاء الميدان يعود إلى نهاية القرن 18 وبداية القرن 19، وفي الأصل كان الميدان يُطلق عليه اسم "الساحة"، وكان يحتوي على منصة بها مشنقة إعدام، كانت المشنقة تُستخدم لتنفيذ حكم الإعدام وتشهد تجمع الأهالي لمشاهدة تلك العقوبة القاسية، وذلك لتكون عبرة للآخرين ودافعًا لعدم ارتكاب الجرائم المماثلة.
وأضاف، أن حادثة مؤثرة أدت إلى تغيير مصير منصة الإعدام في الميدان، حين قامت إحدى الفتيات من كبار العائلات بشكوى ضد شاب كان يعمل لديهم بالأجر، وزعمت الفتاة أن الشاب حاول التحرش بها بعد أن رفضت حبه، ولم يتمكن الشاب من إثبات براءته، فتم تنفيذ حكم الإعدام بحضور المواطنين ولكن بعد فترة، تبيّن أن الشاب كان بريئًا من التهمة التي تم إعدامه بسببها، اكتشف الأهالي أن الفتاة كانت قد اتهمته زورًا تلك التهمة، وبالتالي قرر المواطنون وكبار العائلات إزالة منصة الإعدام ووضع نصب تذكاري يخلد ذكرى وفاة الشاب البريء.
وأضاف، أن النصب التذكاري الأصلي كان عبارة عن شكل مسلة، وفيما بعد تم وضع ساعة على قمة المسلة لتخليد الوقت الذي تم فيه إعدام الشاب البريء، ومع مرور السنوات، تلاشت ذاكرة الناس بشأن قصة إعدام الشاب، وعُرف المكان الآن باسم "ميدان الساعة" بدلًا من الساحة، وعلى الرغم من أن النصب التذكاري لم يعد يذكر القصة الأصلية، إلا أنه يعتبر رمزًا للعدالة والبراءة.
من جهته، صرح محمد عبدالرحمن، أحد سكان مدينة طنطا، قائلًا: "ميدان الساعة يحمل تاريخًا مهمًا في قلوبنا، كانت تلك القصة التي ورثها لنا أجدادنا، لتذكرنا بأهمية العدالة وضرورة الحذر من الاتهامات الباطلة، نتمنى أن يتم الحفاظ على هذا المكان التاريخي وتوثيق القصة لاستمرار تعليم الأجيال القادمة".
فيما أشار السيد يوسف علي، أحد أعضاء جمعية حماية التراث الثقافي بمدينة طنطا، إلى أهمية الاحتفاظ بالتراث التاريخي وتوثيق القصص المرتبطة به، وقال: "يجب أن نحافظ على مثل هذه الأماكن التاريخية التي تحمل في طياتها قصصًا مؤثرة، ينبغي علينا توثيق الحقائق وتقديمها للجمهور بشكل يعكس التاريخ والثقافة المحلية".
وأشار محمد عوف، من المهتمين بالعمل الثقافي والتراثي بطنطا، إلى أهمية تخليد الميدان بشكل أكبر كجزء من تراث المدينة والحفاظ عليه وتوثيق القصة الأصلية للحفاظ على تراث البلدة، فصة هذا الشاب لابد ان يتعلمها جميع اولادنا وأن الحقيق ستظهر حتي بعد رحيل صاحبها، لتكون قصة يوسف طنطا قصة تُحكي للجميع وتعلم الجميععدم التسرع في الحكم.
ومع ذلك، تشهد المنطقة التاريخية تغيرات جذرية في السنوات الأخيرة، فقد تم إقامة مبانٍ حديثة ومحلات تجارية في المنطقة المحيطة بميدان الساعة، مما أدى إلى تغير المظهر الأصلي للميدان واندماجه في الهياكل الحديثة، بالإضافة إلى ذلك، يشهد الميدان زحامًا مروريًا كبيرًا وانتشارًا للإعلانات التجارية الكبيرة، مما يقلل من رونقه التاريخي ويشوه المشهد الحضاري.