كبسولة فلسفية| محمد جاد الله يكتب: «الأتراكسيا والآباثيا» الطريق الفلسفي للسعادة
قدمنا خلال الكبسولة السابقة والتي حملت عنوان «العصر الهللينستي»، لمحة موجزة عن أسباب قيام وظهور العصر الهللينستي، وكيف كان لحلم الإسكندر الأكبر الباعث الأول لتأسيس عصر جديد في تاريخ الفكر الإنساني.
وكانت الوجهة الأولى والاهتمام الأكبر لهذا العصر ينصب على الإنسان، فأنهينا كبسولتنا بالتساؤل، هل قدمت لنا مدراس العصر الهللينستي حلًا واضحًا للشقاء والخوف الذي ينبذ بالإنسان من حين لآخر، ويمنعه من ممارسة حياته بطمأنينة وسكينة؟.
بالطبع عزيزي القارئ، استطاعت الفلسفة التي نشأت في العصر الهللينستي، أن تكون السراج المنير الهادي للإنسان، وسط كم التخوفات والصراعات الحاصلة أثناء وبعد فتوحات الإسكندر. فكان لابد من وجود نوعًا خاص من الفكر يستطيع أن يصل إلى العقول دون مغالة أو مُهاترات عديمة الفائدة، وهذا ما قدمته لنا المدرستان «الأبيكورية» و«الرواقية».
فإذا كنت تبحث عن الهدوء والراحة وترغب في الوصول إلى السعادة ولا تعرف لها سبيل، أدعوك يا صديقي بقراءة الفلسفتان «الأبيكورية» و«الرواقية»، لِمَا قدماه هاتان المدرستان من طرق فعالة لمواجهة الشقاء والخوف الذي يحيط بالإنسان أينما ذهب. ولنتساءل ايضًا، وهل يمكننا الوصول إلى هدوء النفس الغائب في زمننا هذا؟.
بينت لنا المدرستان الأبيكورية والرواقية أن الإنسان لكي يصل إلى السعادة لابد له أولًا من الوصول إلى حالتين شعوريتان تمكنه من بلوغ السعادة هما الأتراكسيا ἀταραξία – Ataraxia (وهي حالة من السكينة والطمأنينة وتعنى الخلو من الهموم والمشاغل) والآباثيا Άπάθεια – Apathia (أي اللامبالاة).
حيث وجدت الأبيكورية أن هناك مخاوف تمنعهم من الوصول إلى الأتراكسيا ومن ثم بلوغ السعادة. وهذا ما بينه لنا إبيكوروس من خلال التحرر من مجموعة من المخاوف تعترض سعادة الفرد وتعوق وصوله للأتراكسيا وهي: التحرر من الخوف من الآلهة – التحرر من الخوف من الطبيعة (أي من الظواهر الطبيعية كالبرق والرعد والصواعق والسيول والانفجار البركاني) – التحرر من الخوف من الموت.
أما الرواقية وجدت أن الانفعالات هي حجر العثرة التي تمنعها للوصول إلى الطمأنينة والسكينة، وبالتالي الخلو من الهموم والمشاغل (الاتراكسيا) ومن ثم تحقيق السعادة. لذلك لابد من التحرر من الانفعالات بواسطة اللامبالاة أي الأباثيا (أي نكون غير مباليين بالأشياء العامة).
وختامًا نجد عزيزي القارئ أن فكرة الاخلاق توّجت الفلسفة الأبيكورية والرواقية، فهي تدل على محاولة لإعطاء الإنسان التحكم الكامل بنفسه؛ ثمة علاقة وثيقة بين الاخلاق وتحقيق الأمان الروحي والطمأنينة Ataraxia، كما بين الاخلاق والتحكم بالذات، الذي يساعد الإنسان على التخلص من الرعب الذي مصده الآلهة، والموت، والزمن. أضف إلى ذلك، ان الأخلاق تمثل فن ممارسة الحياة بطريقة صحيحة، وإيجاد السلام الداخلي في كل الظروف، سلام النفس ولامبالاة (الأباثيا) الفكر وذلك عن طريق إبعاد كل شيء بإمكانه أن يقلقه. يجب التذكر بأن الاخلاق الأبيكورية والرواقية تعطي لفكرة الطبيعة دورًا محوريًا، المقصود بها أساسًا هو التزامن والتناسب مع العالم الخارجي المحيط بنا.