100 يوم «مصرية» فى حرب غزة.. نصرة فلسطين بـ«خط أحمر ضد التهجير»
فى مصر.. الجار المباشر وأحد أبرز الفاعلين فى سير الأحداث منذ اندلاعها فى ٧ أكتوبر الماضى، إقليميًا ودوليًا ورسميًا وشعبيًا- أثبتت الأيام أنها قاهرة للخصوم، برفضها مخططات وأحلام تصفية قضية فلسطين وتهجير أهلها، وأنها لا تخضع لضغوط مهما كانت حدتها أو قوتها، حتى لو كانت من أكبر القوى عالميًا، لأن قرارها ينبع من داخلها، وتصدره قيادتها السياسية، ويؤيده صوت شعبها ونبض شارعها، الداعم والمساند والمناصر للقضية وللحق الفلسطينى منذ عام ١٩٤٨ حتى الآن، بلا انقطاع أو كلل أو مساومة أو استفادة.
وخلال فترة الحرب، وفى مواجهة دعوات وأحاديث كثيرة عن مخططات التهجير القسرى لسكان قطاع غزة والضفة الغربية، لإخراجهم من أراضيهم وإنهاء فكرة «حل الدولتين»- بدت حقيقة وقوة مصر المحروسة، من الله أولًا وبسواعد أبنائها جيشًا وقيادة وشعبًا ثانيًا، واضحة جلية، بعدما اصطف أبناؤها جميعًا فى وجه أى محاولات تستهدف حبة رمل مصرية واحدة أو اقتطاع شبر واحد من أرضها لحل مشاكل الآخرين، وهو ما أكدت المحروسة على لسان رئيسها عبدالفتاح السيسى أنه لن يحدث، لأن مصر دولة لها سيادة لا تمس، فالتهجير خط أحمر لا يسمح بتجاوزه.
وفى دعمها الأشقاء فى فلسطين، أثبتت مصر أنها «عاصمة» لهم، فى وجه من يريد بهم شرًا، مع احتضانهم، مثل كثير من الإخوة على مر التاريخ، وحشد العالم كله على أرضها، أكثر من مرة، لمساندتهم بمؤتمرات وقمم ولقاءات واتصالات لم تتوقف يومًا واحدًا منذ بدء العدوان، فيما تصدرت المساعدات المصرية، بحجم يزيد على ٧ آلاف طن، من مواد غذائية وأدوية ومستلزمات طبية ومياه وخيام وغيرها، قائمة المساعدات التى دخلت القطاع لإغاثة أهله، بقيمة تتجاوز ٨٠٪ من إجمالى حجم المساعدات التى قدمتها جميع دول العالم للفلسطينيين من أهالى غزة.
داخليًا اصطفاف وطنى ورفض مخطط التهجير.. وإدراك طبيعة المواجهة فى المرحلة الحالية
أعلنت مصر عن رفضها المرة تلو الأخرى مخططات تهجير وتوطين الفلسطينيين فى سيناء، وتصفية القضية الفلسطينية على حسابها أو على حسابها أرضها، التى حررتها بالحرب والسلام وروتها دماء أبنائها وجنود جيشها الأبطال.
ومع ثبات الموقف المصرى الرافض أى مخططات للتهجير أو تصفية القضية الفلسطينية، بدأت تظهر تدريجيًا ضغوط خارجية لمحاولة إثناء مصر عن هذا الرفض، والتى تراوحت بين الترغيب والترهيب، تارة بمحاولة استخدام فكرة إسقاط جزء أو حتى كل الديون الخارجية على مصر، مع الوعود بتقديم منح وتسهيلات اقتصادية لها على مدد زمنية مقابل قبولها بمخططات التهجير والتوطين، وتارة بالحديث عن إمكانية قطع المعونات الدولية التى تقدم للدولة المصرية، على غرار ما حدث سابقًا لمدة ٣ سنوات، عقب إطاحة الشعب فى ٣٠ يونيو بحكم الإخوان، عقابًا للشعب المصرى على رفضه الجماعة الإرهابية ومخططاتها المدعومة من بعض القوى الإقليمية والدولية.
ووسط المآسى المحيطة، أدرك الشعب المصرى مدى خطورة المرحلة الحالية والتهديدات التى تتعرض لها الدولة المصرية، وظهرت حالة من الاصطفاف الوطنى الواضح والثابت من أجل الدفاع عن كل شبر من أرض الوطن، وسط تأييد لكل ما تراه القيادة السياسية مناسبًا لحفظ الأمن القومى، بل وخرج الشعب المصرى فى يوم ٢٠ أكتوبر الماضى، فى حشود وجموع غفيرة فى كل الميادين بجميع المدن والمحافظات المصرية، دعمًا وتأييدًا لمواقف وقرارات الرئيس السيسى تجاه مخطط التهجير ورفض تصفية القضية الفلسطينية، مؤكدًا أنه على قلب رجل واحد للحفاظ على أرضه ووطنه ومقدراته، ما دعم مواقف القيادة السياسية أمام العالم، لتتفرغ لأداء دورها فى نصرة القضية الفلسطينية ومساعدة ضحايا العدوان والبحث عن سبل لإيقافه.
اقرأ أيضًا:
تفكيك دولة.. كيف دمرت الـ«100 يوم حرب» إسرائيل من الداخل؟
استراتيجيًا لقاءات ومؤتمرات ووساطة أثبتت ثقل الدور المصرى
على الصعيد الاستراتيجـى، اتضح للعالم كله خلال أزمة الحرب فى غزة مدى أهمية وثقل وتأثير الدور المصرى، إقليميًا ودوليًا، فالوفود وزيارات أرفع المسئولين من مختلف دول العالم إلى القاهرة لم تتوقف طوال فترة الحرب التى استمرت ما يزيد على ١٠٠ يوم، فالجميع يطلب تدخل مصر، كما فعلت سابقًا أكثر من مرة لوقف الحرب والدخول فى هدنة، لكن ظل العائق الأساسى أمام ذلك هو الرفض من الجانب الإسرائيلى، الذى صم أذنيه إلا عن ارتكاب الفظائع والمجازر بحق المدنيين والأطفال والأبرياء.
ومع مضى الوقت ورغبة دول كثيرة فى إنقاذ مواطنيها من أتون الحرب الإسرائيلية الجنونية على قطاع غزة، لم تتمكن مختلف الدول من إخراج مواطنيها من قطاع غزة إلا عن طريق معبر رفح المصرى، ووسط حماية مصر، التى أصرت على إدخال المساعدات إلى أهل غزة بالتزامن مع خروج الأجانب ومزدوجى الجنسية من القطاع، وتمسكت بموقفها لفك الحصار وإيقاف سياسة التجويع التى فرضها الاحتلال الإسرائيلى على سكان القطاع.
ولم تفلح أى جهود للاتفاق على هدنة مؤقتة ووقف للقتال إلا بعد جهود ووساطة مصرية، ليتم الإفراج عن عدد من المحتجزين من الإسرائيليين ومن جنسيات أخرى فى مقابل الإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية، بعد جهود مضنية بذلتها مصر، التى أثبتت أنها لاعب أساسى، إقليميًا وعالميًا، فى كل القضايا والملفات، وأنها تمثل «رمانة ميزان» المنطقة، وصمام أمان واستقرار فى الشرق الأوسط، وفى العالم أجمع.
عسكريًا «للسلام قوة تحميه» بسياسة تسليح صائبة لشراء وتطوير الأسلحة المتقدمة
أثبت سير الحوادث وما تعرضت له المنطقة من اضطرابات متعددة، كان آخرها حرب غزة وامتداداتها الإقليمية، صواب وبُعد نظر سياسة التسليح التى اعتمدتها مصر وقيادتها السياسية خلال العقد الأخير، من خلال الحرص على تنويع مصادر السلاح من دول وجهات متعددة، وعدم الاعتماد على جهة أو مصادر محددة، وكذلك مدى أهمية سياسة توطين التكنولوجيا والصناعات العسكرية، التى كان من أهم إنجازاتها تصنيع الفرقاطات من طراز «جوويند» فى ترسانة الإسكندرية.
ونجحت مصر وسياستها بعيدة النظر فى تحديث مختلف القطاعات فى القوات المسلحة المصرية، على مدار السنوات الماضية، بأحدث أنواع السلاح، مثل حاملات المروحيات الأولى والوحيدة فى المنطقة والشرق الأوسط، وصفقات طائرات «رافال» و«ميج ٢٩» وفرقاطات «فريم» و«ميكو» وغواصات «تايب ٢٠٩»، وغيرها من أنظمة الدفاع الجوى والطائرات دون طيار المختلفة.
وكان من بين أهم الإنجازات أيضًا تطوير مصر وصناعتها أسلحة متطورة، من بينها طائرات دون طيار، مثل «نوت» و«حورس» و«٦ أكتوبر»، لتطبق مصر على أرض الواقع رؤيتها الخاصة بأن «للسلام قوة تحميه وتصونه»، وتصون سيادة قرارها وسلامة أراضيها.
اقتصاديًا أعباء إضافية وتأثيرات سلبية على قناة السويس
بعد اندلاع حرب غزة، تحمل الاقتصاد المصرى أعباء إضافية، ليواجه العديد من التحديات فى ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لأكثر من ٣ أشهر، وكان من أبرز هذه التأثيرات حدوث تراجع فى قطاع السياحة بالمدن القريبة من الحدود، خاصة مدينة طابا، التى تراجعت فيها الحجوزات خلال موسمى الخريف والشتاء، اللذين يمثلان ذروة الطلب على المقاصد المصرية.
وبخلاف تأثر الاقتصاد بارتفاع أسعار النفط عالميًا، ألقت الحرب بعض تأثيراتها الجانبية على قناة السويس، بسبب ظهور الحوثيين فى الصورة وإطلاقهم طائرات مسيرة وصواريخ بالستية دعمًا للمقاومة والفصائل الفلسطينية، مع استهداف السفن المتجهة لإسرائيل فى الأساس، ما أثار القلق بالنسبة لحركة المرور فى القناة. ومع تزايد حالة القلق العالمى بعد توتر مرور السفن والقوافل عبر مضيق باب المندب، أخذت شركات الشحن العالمية الكبرى قرارات بتعليق مرورها من المضيق، خوفًا من استهداف الحوثيين سفنها، وهو ما أثر بالتالى على قناة السويس، التى تراجعت نسب المرور بها، مع إضافة أزمة جديدة للعالم، تضاف إلى الأزمات المتتالية التى تؤثر على الاقتصادات العالمية.