نحو فوضى كروية منظمة.. هكذا يرى عقل فيرناندو دينيز كرة القدم
"الطريقة التي أرى بها كرة القدم في الوقت الحالي تكاد تكون غير موضعية، اللاعبون قادرون على التحرك وتغيير مراكزهم، فالملعب مفتوح واللعبة أكثر حرية، في أماكن معينة من الملعب نتجمع معًا، لذا فإن أحد أنواع الأنظمة أكثر ثباتًا من حيث المواقف والآخر أكثر حرية".
هكذا عبر البرازيلي فيرناندو دينيز، المدير الفني لفريق فلومينينسي البرازيلي عن أسلوبه الخاص في تكتيك كرة القدم، في مقابلة منذ 3 أعوام لشبكة "سكاي سبورتس".
وضرب النادي الأهلي موعدًا مع فريق فلومينينسي البرازيلي، في مباراة الدور نصف النهائي لبطولة كأس العالم للأندية، يوم الإثنين المقبل في الثامنة مساءً.
فمن هو فيرناندو دينيز؟ وما سر اهتمامه بـ"العلاقات"؟ وكيف يلعب فلومينينسي تحت قيادته؟ هذا ما نسرده لكم في السطور التالية.
فيرنانديو دينيز من مواليد 27 مارس 1974 ببلدية باتوس دي ميناس والتابعة لولاية ميناس جرايس.
بدأ دينيز مسيرته الاحترافية ضمن صفوف نادي يوفنتوس البرازيلي وانتقل منه لنادي بالميراس في ديسمبر 1995، وتنقل بين العديد من الأندية البرازيلية ومن بينها كوريثنيانز وفلومينينسي وفلامينجو وكروزيرو وسانتوس، واستمر حتى أنهى مسيرته في ديسمبر 2008 بنادي فاسكو دي جاما.
فور اعتزاله انتقل فيرناندو دينيز لمهنة التدريب، فتولى منصب المدير الفني لفريق فوتوراتي البرازيلي، وقاد الفريق لمدة ستة أشهر، وبعد رحيله قضى قرابة العامين بدون تدريب أي فريق قبل تولي تدريب نادي بوتافاجو في فبراير 2011 ومنه انطلقت مسيرته التدريبية.
دينيز أعرب عن إعجابه بمنتخب البرازيل نسخة عام 1982 في أكثر من مرة والتي لم تتجاوز الدور الثاني لمجموعات المونديال آنذاك، ولكنه يرى أن هذا الفريق ترك بصمة على المشجعين، قائلًا: "الحياة فن أكثر من كونها علم، كرة القدم لديها القدرة على تحريك الناس وتغيير حياتهم، لقد كنت قادرًا على تحقيق الأشياء مثلما فعل فريق 1982، رغم أنهم لم يفوزوا لكنهم أسروا قلوب الكثيرين وأنا واحد منهم.
وينظر الكثير من البرازيليين إلى دينيز على أنه الرجل الذي يحمل بيده مفتاح إحياء أسطورة الـ"Jogo Bonito" أو كرة القدم الجميلة، وهو الأسلوب البرازيلي الخاص الذي اخترق به زيكو وجارينشا وبيليه دفاعات الخصوم في الماضي، فيما يشبه دينيز نفسه بـ"دييجو سيميوني"، المدير الفني لأتلتكيو مدريد.
الأب الروحي لـ«العلاقات»
في مقابلة أخرى له، يقول دينيز: "البعد الإنساني أكثر أهمية من التكتيكات، على الرغم من أنني ملتزم بكرة القدم الجماعية إلا أنني أحاول تحقيق ذلك حتى يتمكن اللاعبون، بطريقة ما، من إعادة إنتاج الشعور الذي كان لديهم عندما حلموا لأول مرة أن يصبحوا لاعبي كرة قدم، هذا ما ألهمني أن أجعل كل لاعب يطلق العنان لـ"بيليه" أو "مارادونا" الذي بداخله.
جزء من مرجعية دينيز في كرة القدم يعود إلى أنه حصل على شهادة في علم النفس، وهو ما جعله يدرك قيمة التفاعل بين نظامه والأهمية التي يوليها لتكتيك الفريق مما دفع اللاعبين للإعجاب به في كل فريق دربه.
ما الفارق بين فيرناندو دينيز وبيب جوارديولا؟
يقوم تكتيك فيرناندو دينيز على اللعب غير التموضعي "الوظيفي" وهو مشابه للأسلوب السائد في كرة القدم بالوقت الحالي، "اللعب التموضعي"، في بعض التفاصيل ومن بينها ضرورة الاحتفاظ بالاستحواذ على الكرة.
أسلوب دينيز في الاستحواذ على الكرة والضغط على الخصوم بعدوانية لاستعادة الكرة دفع العديد من المشجعين لتشبيهه بالإسباني بيب جوارديولا، وهنا يقول دينيز في مقابلة أخرى أجراها العام الماضي ونقلتها ذا أثلتيك: " يربطني الناس بطريقة لعب جوارديولا لأنني أحب أن يتملك فريقي الكرة، ولكن هنا تنتهي أوجه التشابه بيننا، لأن طريقته في الحصول على الكرة عكس طريقتي تقريبًا، فهو يعتمد على مايطلق عليه اللعب التموضعي، يلتزم اللاعبون بمساحة محددة وينتظرون حتى تصل الكرة لهم".
لكن ماهو اللعب التموضعي؟ وكيف يتم تطبيقه؟
اللعب التموضعي يقوم على تقسيم أنحاء الملعب إلى 20 مربعًا رأسيًا وأفقيًا ويتم تخصيص كل مربع للاعب بعينه ولكن بشرط ألا يتواجد أكثر من 3 لاعبين في مربع واحد وهو ما يمنح الفريق انتشارًا جيدًا في الملعب ويزيد من قدرة الفريق على حرمان الخصم من الاستحواذ والضغط عليه، وخلق التفوق العددي والنوعي للفريق في كل أنحاء الملعب.
أما اللعب الوظيفي أو غير التموضعي والذي اعتمد عليه دينيز في أغلب الفرق التي دربها فيقوم على منح اللاعبين الحرية في الإبداع والتحرك وتبادل المراكز وإعطاء الأولوية للعلاقات ولكن ليس فقط علاقة اللاعبين بالكرة ولكن علاقة اللاعب بالمساحة، ففي هذا النظام لا يتم التعامل مع الاستحواذ من خلال التكتيكات والمساحات المحددة مسبقًا، ولكن من خلال الأفراد ومساحة الحركة وهو عكس اللعب التموضعي.
كيف يطبق فيرناندو دينيز أسلوب اللعب الوظيفي؟
يولي فيرناندو دينيز أهمية لعلاقة اللاعبين ببعضهم ودرجة التفاهم والتواصل والتفاعل بينهم، ويضعها على رأس أولوياته فوق اختراق دفاعات الخصم، فهو يدرك أنه إذا نجح في خلق علاقة جيدة بين لاعبيه واستطاع خلق حالة التواصل المطلوبة بينهم فإن الفريق سيكون قادرًا على اختراق دفاعات الخصم وهز الشباك بدون الاعتماد على تكتيك بعينه.
هذا التكتيك يشبه إلى حد كبير كرة قدم الشوارع، والتي يعتمد خلالها الفريق على مدى تفاهم عناصره وإدراكهم لتحركات بعضهم البعض داخل الملعب، خاصة أن أغلب مباريات كرة الشوارع تقام على ملاعب أقل في المساحة من ملاعب كرة القدم العشبية، وهو ما يجعل التواصل والتفاهم أكثر أهمية من التكتيك.
ولكن تشبيه أسلوب دينيز بـ"كرة الشوارع" لا يعني أن فريقه يلعب بشكل غير منظم ولكن نظامه يختلف عن النظم التقليدية والمتبعة في كرة القدم حاليًا، ولكنه يختلف عن تلك النظم في طريقة حصول فريقه على الكرة واعتماده بشكل أكبر على الكثافة العددية في المساحة حول الكرة والضغط بعدوانية على الخصوم.
كل الطرق تؤدي إلى الكرة
في اللعب الوظيفي الذي يعتمد عليه فريق فلومينينسي، الكرة هي المحور من المساحات وهو ما يجعل الكرة المرجع الأقوى وتكسب المساحات أهمية أو تفقدها اعتمادًا على موقع الكرة في الملعب، وعادة ما يتم مراعاة تمركز اللاعبين بشكل كبير في مكان تواجد الكرة.
وتظهر الصورة التالية من إحدى مباريات فلومينينسي اهتمام فيرناندو دينيز بتقريب المساحات بين لاعبيه لخلق التفوق العددي للفريق حول الكرة، فيظهر حامل الكرة في عمق الملعب وحوله 4 من زملائه في مساحة قريبة منه لتسلم الكرة.
الثبات في طريقة لعب فيرناندو دينيز هو اعتماد الفريق على الاستحواذ والضغط على المنافسين ولكن التغير هو الطريقة التي يحصل بها الفريق على الكرة من الخصوم، إذ أن العلاقة مع الكرة والزملاء والخصوم هي العامل المؤثر على الحركات والأفعال في اللعبة، فاللعب الوظيفي لا يتعلق بمنح كل لاعب وظائف معينة لتأديتها بل بخلق علاقة داخل الملعب.
ففي اللعب التموضعي الخاص بـ"جوراديولا" تتحرك الكرة للاعبين في المكان الذي يجب عليهم التواجد فيه، وهو عكس ما يحدث في اللعب الوظيفي فيتحرك اللاعبون نحو الكرة ويسعون للتقريب والتفاعل لتصبح الحركة أكثر حرية في الملعب.