عن بنات «الحلوة» وسيداتها
مع بدايات القرن الجديد، وتحديدًا فى سنة ٢٠٠٤، أسست كاتبة صحفية لم أكن أعرفها وقتها جيدًا جريدة «الحلوة»، والحقيقة أننى لا أذكر الكثير عن تفاصيل ملابسات انضمامى إلى فريق تحرير هذه الجريدة التى كانت، وما زالت، جديدة من نوعها، إذ لم تصدر مثيلة لها فيما بعد، فما زال الاعتقاد الغالب لدى جمهور الصحفيين والقراء على حد سواء أن المطبوعات المتخصصة فى شئون المرأة، أو الإناث على وجه العموم، من الأفضل لها أن تتخذ شكل المجلة، ومنها «حواء» التى تصدر عن مؤسسة «دار الهلال»، أو «نصف الدنيا» عن مؤسسة «الأهرام»، ومثل «سيدتى»، أو غيرها من المجلات التى يعرفها الجميع، ولا أعرف ما السبب فى تراجع مبيعات بعضها، واختفاء أخرى، فالحقيقة التى أعرفها جيدًا، وأذكر الكثير من تفاصيلها، أن تجربة «الحلوة»، برئاسة تحرير الكاتبة ماجدة أبوحمر، كانت واحدة من أجمل وأنجح التجارب الصحفية التى مررت بها خلال مشوارٍ صحفى يتجاوز الثلاثين عامًا الآن، وهى التجربة التى أذكر جيدًا أننى تعلمت واستفدت منها الكثير، خصوصًا من مجموعة قسم التحقيقات الذى كان يتكون من عدد كبير من طالبات الصحافة والإعلام بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وكانت تشرف عليه الكاتبة الكبيرة دينا ريان، متعها الله بالصحة والعافية.. فقد كانت أفكارهن وطريقة عرضهن لها، ومناقشتها التى كنت أستمتع بحضورها بعد استئذان قائدتهن، مثار دهشة ما زلت أذكرها وأستشعرها، لما كانت تتسم به من جرأة وابتكار واختلاف عن السائد وقتها، وهو ما لعب دورًا كبيرًا فى نجاح تلك المطبوعة، وتحقيقها مبيعات فاقت حتى توقعاتنا، نحن فريق عملها، ولهذا كانت دهشتى كبيرة عندما قرر رجل الأعمال عصام إسماعيل فهمى تغيير رئيسة تحريرها بعد أقل من عام واحد، واستبدالها بفتاة كانت تلميذة مقربة من أحد رؤساء تحرير صحفه الأثيرين، فتم له إغلاقها بعد أشهر معدودة من تحويلها إلى جريدة تخسر، ولا يزيد عدد قرائها عن محرريها الذين لم أتمكن من البقاء معهم، واخترت الرحيل مع من رحلوا لأسبابٍ كثيرة، أظن أن فى مقدمتها أننى لم أحب، أبدًا العمل مع «عراب» رئيسة التحرير الجديدة، وهو الذى جعل الجريدة تحت وصايته مع رحيل ماجدة أبوحمر وبعض من فريقها، وما زال تعرض الجريدة للخسائر ثم الإغلاق واحدًا من الألغاز التى لم أفهمها حتى الآن، خصوصًا أن ذلك «العراب» كان معروفًا وقتها بالطبخات الصحفية المثيرة، والأكثر توزيعًا لسنوات طويلة.
أغلب الظن أن الإعلامى الصديق محمد على خير كان هو من رشحنى لرئاسة قسم التحرير المركزى «الديسك» بالجريدة، والذى أذكر أنه كان المدير الفنى لها، ولمطبوعات أخرى تصدر عن ذات الشركة، فقد كان هو الصحفى الوحيد بالجريدة الذى كانت بيننا معرفة سابقة على تلك التجربة الفريدة، لحق بنا بعدها اثنان من تلاميذه فى الإخراج الصحفى، كانا من الأصدقاء الذين جمعتنى بهم تجربة سابقة، لكن فتيات قسم التحقيقات، وقائدتهن دينا ريان، كن أكثر من وجدتنى مدفوعًا لمتابعة طريقة عملهن، وتفكيرهن فى القادم من تحقيقات، حتى إننى كنت أنتظر بالمقر رغم انتهاء ساعات عملى الرسمية، من أجل حضور اجتماعهن الأسبوعى، والمشاركة فى مناقشة ما يطرحنه من تصورات وأفكار لم تعتدها الصحف فى تلك الفترة، وأذكر على سبيل المثال أن إحداهن اقترحت فى مرة من المرات إجراء «تحقيق شارع»، تقتصر فكرته على سؤال عدد من المراهقين والفتية فى سن ما دون العشرين عن ماذا يمكنه أن يفعله أحدهم إذا ما فوجئ بشقيقته تجلس فى سيارة خاصة مع شاب فى ركن مظلم بشارع جانبى؟!
وقتها ضحكت، وقلت لصاحبة الفكرة «ح يغزها هى وهو بمطوة طبعًا.. تفتكرى ح يعمل إيه يعنى؟!»، ابتسمت الصديقة العزيزة دينا ريان، وهى تسأل الزميلة ولاء مرسى، التى كانت تشغل موقع سكرتير التحرير وقتها، على ما أذكر: «ما رأيك؟»، فقالت ولاء: «المهم ألا تتم فبركة الإجابات واختراع أسماء وهمية كمصادر، كما يفعل الغالبية العظمى من صحفيى التحقيقات فى الصحف والمجلات».. هنا نظرت دينا ناحيتى وهى توضح لى أن الإجابة عن سؤال مثل هذا السؤال يمكن اعتبارها مؤشرًا مهمًا على ما يحدث من تغييرات فى المجتمع المصرى، وقالت: «لا تصدق أن ما قلته هو الرد الوحيد الممكن، وهو ما سيفعله غالبية من يمكن سؤالهم من الأجيال الجديدة.. ربما كان ذلك هو الحال فى سنوات سابقة، أو هو ما يفعله (منوفى فلاح) زى حضرتك، لكن أغلب الظن أن رد الفعل سوف يختلف الآن، وسوف يختلف من مكان إلى مكان، ومن وسط اجتماعى لآخر، هناك عوامل ومتغيرات ثقافية واجتماعية كثيرة حدثت فى مصر فى نصف القرن الأخير، لننتظر ونرى»، وقد كان، وجاءت الإجابات بما لم يكن يخطر للفلاح المنوفى على بالٍ ولا خاطر، ومنها إجابات جاءت مسجلة بالصوت والصورة لإغلاق الباب أمام تحفظ الزميلة ولاء مرسى، التى أظن أنها توقفت عن العمل بالصحافة بعد تلك التجربة الثرية، وهى التجربة التى فتحت الباب أمام عقلى لاستيعاب أساليب جديدة فى التفكير، وطرح الأسئلة، والتعامل مع الحياة، ورؤية ما حدث من تغييرات اجتماعية كبيرة شهدتها مصر خلال العقود الأخيرة.