الباحث المغربي عزيز أزغاي يكشف لـ"الدستور" أحدث دراساته النقدية
الباحث المغربي عزيز أزغاي، خص الــ “الدستور” بالكشف عن ملامح أحدث دراساته النقدية، “التصوير المغربي الحديث”، والذي ينتظر صدوره خلال أيام عن دار خطوط وظلال.
التصوير الحديث والمعاصر في العالم
وقال أزغاي:"يَسْتَضْمِرُ موضوع هذه الدراسة إحدى القضايا الفنية الأكثرَ حضورًا وتجددًا وإثارةً، ضمن صيرورة تَخَلُّق فن التصوير الحديث والمعاصر في العالم. ونقصد بذلك، قضية الإبدالات الأسلوبية، بما تحيل عليه من مَلْمحٍ أدائي خاص، يتأرجح، من جهة، بين الانتصار لأسلوب التشخيص، كتمثل فني يستند على فعالية "المحاكاة"، بالمعنين الأفلاطوني والأرسطي، وإن كان هذا الطموح لا يرقى إلى مستوى التطابق أو التشابه مع ما يقوم بتمثيله في الحياة الواقعية.
وتابع الباحث المغربي أن سردية تاريخ الفن، المعتمدة أكاديميا، وإن كانت لا تكشف لنا إلا عن جانب مما وصلنا من مصنفات تعنى بالفنون التشكيلية، من زاوية نظر أوروبية، تسعى إلى تأصيل تجربتها الجمالية، بما يرسخ في الأذهان مركزية نُبوغِها التصويري البصري، فإن ذلك لا يعني، قطعًا، أن الشعوب الأخرى، غير الأوروبية، لم يكن لها نصيبٌ في إبداع صورها الخاصة، أو النظر في السبل الكفيلة بتطوير فنونها، والعمل، قدْرَ المتاح، على إنْضاجِ حساسيتها الاستيطيقية.
واقتضى منطق الغلبة بروز حضارات قوية، بما تمثله من قيمٍ ثقافيةٍ وعوائدَ مجتمعيةٍ ونمطِ تفكيرٍ وحياة، أصبحت تشكل النموذج المهيمن، الذي استطاع نقل بعض خصائصه الحضارية إلى الأمم الأخرى الأقلَّ حظوةً وقوةً وتأثيرًا. ولعل في هذه الصيرورة التاريخية ما يُفسِّر جانبا من علاقة الإنسان المغربي الطارئة بالوعي البصري الحديث، الذي انتقل إلى ثقافته في ركب موجة الاستعمار الغربي الأوروبي بداية من مطلع القرن العشرين.
ولفت الباحث المغربي: "يُطلعنا درس التاريخ الكبير على أن مشيئة الشعوب في التطور كانت تخضع، في بعض الأحيان، لمنطق الصراع الداخلي الذي يفاضل بين الاقتناعات والأفكار والآراء والبدائل، بما يجسد صحوة المجتمعات الإنسانية وفاعلية قواها الحية. وقد يحصل، في أحيان أخرى كثيرة، أن يحدث هذا التحول بطريقة قسرية، أي بسبب تدخل قوة / قوى خارجية، تسعى إلى فرض هيمنتها على الآخر الضعيف، ونقل قيمها الحضارية والثقافية إلى مناطق تتعدى جغرافيتها الخاصة. لذلك، غالبا ما تتحول مخرجات هذا الصراع، في الحالة الأولى، إلى لحظة نكوصٍ وتراجعٍ وتقهقرٍ واضطرابٍ، تنتعش معها الخطابات السلفية، التي تظل أسيرة ذكريات الماضي وأساطيره. أما في الحالة الثانية، فإنها تفرض نفسها كقدرٍ خارجي محتومٍ يتحكم في مجرياته الآخر – الغريب، وهو ما يقتضي التأقلم مع إملاءاته والعمل على تكييفها، وفق ما ينسجم مع اقتناعات وقيم ما تبقى من قوى مجتمعية حية وناعمة، في انتظار النهوض مجددا.
أوضح أزغاي "إن اتصال الشعوب المستضعفة بنظيرتها القوية، من موقع التبعية والاستسلام، لا ينتج عنه، مهما حصل، تخلي الطرف المغلوب، الكلي، عن هويته الخاصة، أو استسلامه الكامل لإرادة الغالب وتفريطه في كل ما يمثل ذاكرته وتراثه الثقافيين، بقدر ما يتحول هذا الاتصال المفروض بالغلبة، مع مرور الوقت، وإن بدرجات متفاوتة، إلى قوة دَفْع تستثير الملكات الكامنة، وتعيد إحياء ما تم إهماله أو رفضه، في سياقات تاريخية سابقة، وفق نظرة متجددة.
واختتم الباحث المغربي حديثه بالتأكيد على أن للثقافة المغربية ومعها العربية الإسلامية أيادٍ بيضاءَ وإسهامٌ معتَبرٌ فيما بلغته الحضارات المتحكمة في مجريات زمننا الراهن غير أن الاكتفاء بالنبش، بنبرةِ حنينٍ خائرةٍ، في تجاويف هذه الذاكرة التاريخية واستمرار التغني بأطلالها البعيدة، لن يفيد في شيء، ما لم يبادر العقل العربي إلى اختيار السبل التي تضمن لشعوبه اللحاق بقافلة المتقدمين، والسعي نحو ترسيخ أقدامها في رمال ثقافات العالم المعاصر المتحركة.