بيزنطيو مصر يحتفلون بذكرى اثنين من كبار قديسي الكنيسة (شهيدة وناسك)
تحتفل الكنيسة البيزنطية بمناسبتين كنسيتين هما بذكرى القدّيس يوحنّا الدمشقيّ، الكاهن ومعلّم الكنيسة وتذكار القدّيسة العظيمة في الشهيدات بربارة.
العظة الاحتفالية
وبهذه المناسبة، ألقت الكنيسة عظة احتفالية قالت خلالها: اسأل من يريد الخبز المادي! بالنسبة إلينا، فلنطلب من الآب أن يجعلنا نستحقّ تلقّي خبزنا السّماوي باستعدادات كمثل أن ينكشف على الأقلّ أمام عينيّ النفس ويظهر لها، إذا لم يكن لنا فرح تأمّله بعينيّ الجسد، لأنّه محجوب عنّا. هذا قوت آخر مليء بالفرح واللذّات؛ هو دعامة الحياة.
أعرف شخصًا أعطاه الربّ إيمانًا قويًّا جدًّا، بحيث أنّه كلّما سمع أحدًا أراد العيش في أيًام وجود ربّنا يسوع المسيح على هذه الأرض، يضحك من تلقاء نفسه. كان يقول في نفسه نحن نملكه في القربان المقدّس حقًّا فبما نرغب أكثر؟... كان يتخيّل نفسه على قدميّ الربّ؛ ويبكي برفقة مريم المجدليّة، تمامًا كما لو رآه بعينيّ الجسد في منزل الفرّيسيّ رغم أنّه لم يكن يشعر بالورع، كان الإيمان يقول له أنّه موجود هنا حقًّا.
والحقيقة أنّه يجب أن نجعل أنفسنا أكثر غباء ونعمي بصائرنا طوعًا ليساورنا أي شكّ في هذا الصّدد. إنّ هذا ليس ضربًا من ضروب الخيال، كما عندما نتأمّل ربّنا على الصليب أو في مرحلة أخرى من آلامه؛ فنتصوّر الأمر في نفوسنا كما قد حصل. بل هنا، يحصل الأمر فعلاً؛ إنّها حقيقة أكيدة، ويجب ألاّ نبحث عن ربّنا في مكان آخر، بعيدًا مِنّا. ونعرف جيّدًا أنّه طالما أنّ مادة الخبز غير مستهلكة بالحرارة الطبيعيّة للجسد، فإنّ الرّب يسوع المسيح البارّ فينا؛ وبالتّالي، فلنقترب منه. حين كان في هذا العالم، كان مجرّد لمس ثيابه يشفي المرضى؛ فلما نشكّ، إذا كنّا نتحلّى بالإيمان، بأنّه يستطيع القيام بالعجائب أيضًا، بكونه متّحدًا بنا بهذا الشّكل الحميم؟ ولأيّ سبب لا يعطينا ما نطلب منه، طالما أنّه في بيتنا الخاصّ؟
من هو يوحنا الدمشقي؟
ولد القدّيس يوحنا الدمشقي في دمشق، سليل أُسرة عريقة في الشرف. وكان أبوه سرجيوس إبن المنصور من كبار موظّفي البلاط الأموي في عهد الخليفة عبد الملك (685-705). حرص أبوه على أن تكون له ثقافة عميقة في الدين والدنيا. وإذ كان كل شيئ يبتسم له، زهد في الغنى الوالدي، وغادر موطنه وأسرته، وانتحل الحياة الرهبانية في دير القدّيس سابا بالقرب من القدس، ومعه القدّيس قزما الذي أضحى في ما بعد أسقفاً على مايوما.
ولقد عكف الإثنان في الدير على نظم الأناشيد والقوانين إكرامًا للكلمة ووالدة الإله والقدّيسين، فكانا "قيثارة الروح". رقّاه يوحنا بطريرك اورشليم (706-734) إلى درجة الكهنوت. وحارب في اندفاع الأبطال ضلال محطّمي الأيقونات، وخلّف مؤلفات كثيرة في اللاهوت، وهو اوّل من نسّق هذا العلم على الطريقة المدرسيّة الشاملة جميع نواحيه.
وهذه الآثار كانت ولا تزال الينبوع الغزير الذي يروي الجميع، وكان لها النصيب الأوفر في تكوين الفكر اللاهوتي لدى ملافنة العصور الوسطى، كتوما الأكويني والبرتوس الكبير وغيرهما. وانتقل إلى الحياة الأبديّة في دير القدّيس سابا، وقد طعن في السن، وذلك، على الأرجح، في 4 كانون الأوّل سنة 749. ولا يزال قبره إلى اليوم يؤمّه الزوَّار في الدير المذكور. وقد أعلنه البابا لاون الثالث عشر "ملفان الكنيسة الجامعة". وهناك أسطورة يذكرها كاتب سيرته في القرن العاشر، يوحنا بطريرك اورشليم، تفيد أن الهراطقة محطّمي الأيقونات قطعوا يده انتقاماً، الاَّ أن العذراء والدة الإله ردّتها اليه.
من هي بربارة؟
وُلدت القدّيسة بربارة في بعلبك. كان أبوها ديوسقورُس غنيٌّا ووثنيٌّا متعصّبًا. فأَحسن تربيتها بالعلوم والآداب. واستقدم لها أشهر المعلّمين ومن بينهم فالنتيانُس الذي أخذ يشرح لها أسرار الديانة المسيحيّة.
شعر والدها بميلها إلى الإيمان المسيحيّ فسجنها في برجٍ حصين، وأقام من حولها تماثيل الأصنام لتعبدها. أمّا هي فظلّت تتلقّى التعاليم المسيحيّة من خلف الجدران على يد فالنتيانُس. وراحت تمارس الصلاة والصوم والتأمّل. ثمّ طلبت من خدّامها أن يحطّموا التماثيل الموضوعة في البرج.
علم أبوها بالأمر فغضب وأوسعها شتمًا وضربًا وألقى بها في قبو مظلم. وفي اليوم التالي، استحضرها أمام الوالي مركيانُس علّها تخاف وتعود إلى عبادة الآلهة. فأمر بجلدها، فتمزّق جسدها وتفجّرت دماؤها وهي صابرة صامتة مسلّمة أمرها للّه. وفي الليل ظهر المسيح لها وشفى جراحها. وفي صباح اليوم التالي، استقدمها الوالي ورآها معافاة فقال لها: «إنّ الآلهة شفقت عليك وشفتك». فأجابته: «هو المسيح يسوع الذي شفاني، وهو سيّد الحياة والموت». فأمر بجلدها ثانية ثمّ بقطع رأسها فنالت إكليل الشهادة سنة 235.