مقابر للأحياء.. معتقلات الاحتلال سلخانات للفلسطينيين على أرض الأقصى
اكتظاظ داخل الغرف.. النوم على الأرض بلا أغطية في صقيع الشتاء، التحقيق مع الأسرى وهم عراة، ضرب وسب.. النساء بلا خصوصية.. سحل الأسرى، الحرمان من الطعام والشراب.. كل تلك المشاهد التي ستنسجها مخيلتك وأنت تقرأ تلك السطور ليست مشاهد في فيلم جرئ ستقوم الرقابة بحذف تلك المشاهد حماية للمشاهد وحفاظًا على الأخلاق العامة، إنما هي مشاهد حقيقية يتجرع أصحابها ألمها كل يوم في معتقلات الكيان الصهيوني، والتي لم يسلم منها كبير أو صغير، بل إنها طالت النساء والأطفال.
فتجري مع الأسرى عدة تحقيقات غير عادلة تنتهي بالحكم عليهم بأحكام تعسفية بعد إلصاق التهم لهم، ما يجعلهم يقضون معظم حياتهم في تلك السلخانات، فالطفل يخرج منها شابًا، والشاب يخرج منها كهلًا، ومحملين بأضرار نفسية وجسدية لا تداويها الأيام، إنما تزداد بشاعة بسبب ممارسات قوات الاحتلال التي لا رادع لها.
وشهدت الأيام الماضي، صفحة جديدة من صفحات المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر الماضي، والذي أطلقوا عليها طوفان الأقصى، راح ضحيته ما يزيد عن 13 ألف شهيد أكثرهم من النساء والأطفال، وبعد ما يقرب من شهرين، نجحت وساطة مصرية قطرية في عقد هدنة بين الطرفين الفلسطيني والكيان المحتل لمدة 4 أيام منذ الجمعة الماضية، وفيها يتم الإفراج عن 50 رهينة لدى حماس في مقابل إطلاق سراح 150 أسيرًا فلسطينيا على مدار الأيام الأربعة لهذه الهدنة القابلة للتجديد، والتي انتهت الإثنين الماضي.
بناء عليه، شهدت السجون الإسرائيلية على رأسها سجون هشارون والدامون وعوفر إطلاق سراح مجموعة من الأسرى الفلسطينيين في الأيام الماضية، وتترقب الجماهير في قطاع غزة بشغف المزيد من خطوات الإفراج عن المعتقلين بعد محاولات تمديد فترة الهدنة بين الطرفين.
في السطور التالية، نأخذك إلى عالم تلك السجون وما الذي يدور فيها ومتى وجدت لتتحول إلى معتقلات تروّع الآمنين.
الدامون.. سحل الأسيرات ونزع حجابهن عمدًا
أولى قصصنا عن سجن الدامون الذي أفرج عن عدد من الأسيرات ضمن اتفاقية الهدنة المنعقدة، ومنهن: شروق دويات ملك سليمان، وقد تم إحياء هذا السجن مجددًا خلال انتفاضة الأقصى الثانية التي اندلعت عام 2000م، ويتمركز في الشمال من فلسطين المحتلة ضمن غابات جبل الكرمل الواقع في مدينة حيفا، ويعود تاريخ بنائه إلى فترة الانتداب البريطاني على فلسطين.
يعود تشييد هذا السجن إلى عهد الاستعمار البريطاني عندما أقيم كمخزن لتخزين أوراق وأغصان التبغ، حيث روعي في تصميمه تهيئة الرطوبة اللازمة لحفظ التبغ، وبعد احتلال فلسطين عام 1948 استولت إسرائيل عليه وحولته ليكون سجنًا للفلسطينيين، علمًا أنه كان يتسع في الأساس لـ 300 سجين فقط، إلا أن أعداد المعتقلين تضاعفت بمرور الوقت.
في داخله، تتعرض السجينات لأبشع أنواع التنكيل والمعاملة اللاإنسانية من قبل إدارة السجن، وفق ما أفادت به تقارير نادي الأسير الفلسطيني.
فقد لاحظ النادي أن السجينات يتعرضن باستمرار للضرب المبرح والسحل، كما يحرمن من زيارات ذويهن، وتفرض عليهنّ غرامات مادية باهظة، إلى جانب وضع البعض منهنّ في الحبس الانفرادي لفترات طويلة.
وتعاني السجينات أوضاعًا صحية ونفسية صعبة نتيجة المعاملة القاسية من السلطات الإسرائيلية، حيث رفضن مؤخرًا إجراءات جديدة فرضتها إدارة السجن، ما أدى لتعرضهن لحملات قمع شرسة شملت قطع الكهرباء ونزع الحجاب عن بعضهنّ وفقدان إحداهن وعيها.
هشارون.. اكتظاظ الزنازين والتفتيش المهين
ننتقل بعد ذلك إلى سجن هشارون، الذي أفرج عن عدد من الأسيرات ضمن اتفاقية الهدنة المنعقدة، ومنهن: روان نافز وإسراء جعابيص، وقد تم إنشاؤه في السبعينات، وكان مخصصًا للأسيرات قبل أن ينقلن الى "الدامون"، ويقع جنوب الخط الممتد بين مدينتي طولكرم ونتانيا على الطريق القديمة المؤدية إلى الخضيرة،
بحسب هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين، ذكرت في بيان لها، أن السجينات الفلسطينيات في سجن "هشارون" الإسرائيلي يعانين ظروف اعتقال قاسية وصعبة، نتيجة الاكتظاظ الشديد داخل زنازينهن الضيقة، ما يجعل بعضهن يفترشن الأرض للنوم، وسوء معاملة السجانات لهنّ، إلى جانب التفتيش المهين أثناء نقلهن إلى المحاكم.
وأشارت الهيئة إلى شكاوى الأسيرات بسبب إهمال إدارة السجن لحالاتهن الصحية، ما تسبب في تدهور الوضع الصحي للعديد من المعتقلات، إلى جانب معاناة السجينات الإهمال الطبي، ترتب عليها ارتفاع أعداد الحالات المرضية دون استجابة لعلاجهن.
واشتكت السجينات أيضًا، بحسب الهيئة، من معاناتهن من عملية النقل في "البوسطة" (سيارة نقل الأسيرات) التي تستمر لساعات طويلة قد تصل لـ20 ساعة ذهابًا وإيابًا، ويحرمن فيها من الطعام والشراب وقضاء الحاجة وتكبيلهن بقيود حديدية مزدوجة.
عوفر.. نزع الملابس وترك أغطية خفيفة أمام برودة الشتاء
ننتقل بعد ذلك إلى سجن عوفر، الذي أفرج عن عدد من الأسرى ضمن اتفاقية الهدنة المنعقدة، ومنهم: قصي هاني وإياد خطيب، ويُعدّ سجن عوفر من السجون الإسرائيلية التابعة لمصلحة السجون، منشأ على أراضي بلدة بيتونيا غرب مدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة، ويضمّ هذا السجن محكمة عسكرية ومركز توقيف، مخصص لاعتقال الأسرى الأمنيين الفلسطينيين من مختلف الفصائل، إلى جانب الأسرى الإداريين.
يعود تاريخ إنشاء هذا السجن إلى فترة الانتداب البريطاني، ثمّ تحول إلى مركز اعتقال تابع لجيش الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1988م على خلفية الانتفاضة الأولى، قبل أن يُغلق عام 1995م بموجب اتفاق أوسلو، ثمّ أُعيد فتحه مجددًا خلال الانتفاضة الثانية.
وفي العام 2006م، انتقلت مسؤولية الإشراف على السجن إلى جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، حيث جرى استبدال الخيام بجدران خرسانية، ويضم السجن 16 قسمًا اعتقاليًا، يحوي كل منها ما بين 12 إلى 20 زنزانة، بسعة تتراوح بين 5 إلى 8 سجناء للزنزانة الواحدة، وهو الوحيد الذي يحتوي على قسم للأطفال.
وبحسب تقرير لمركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية "حريات" في بداية طوفان الأقصى، بعد زيارة معتقل عوفر ولقاء مجموعة من الأسرى، فإن سلطات الاحتلال الإسرائيلية تتبع سياسة ممنهجة للحط من كرامة الأسرى وكسر إرادتهم من خلال حرمانهم من أبسط مقومات الحياة داخل المعتقل، وتعريضهم للتعذيب والعزل وسوء المعاملة.
أكد الأسرى أن إدارة السجون سحبت منهم ملابسهم ومقتنياتهم ووسائل التدفئة، كما منعت وسائل الاتصال والنظافة الشخصية، وفرضت قيودًا شديدة على حركتهم وتواصلهم، ما يجعل حياتهم تشبه العزل الانفرادي.
كما تمارس سلطات الاحتلال أبشع أنواع التعذيب، حيث سحبت أيضا الوسائد، والأغطية، وأبقت على غطاء خفيف جدًا لكل أسير، وبالتوازي قامت بتعرية نوافذ الغرف، مما يتسبب بمعاناة إضافية للأسرى ناتجة عن صقيع الشتاء أثناء الليل تحديدًا، وبخاصة لأصحاب الأمراض وكبار السن والأطفال.
مجدو.. تعذيب يسحق إرادة الأطفال
المحطة الأخيرة هي سجن مجدو الذي يقع في منطقة مرج بني عامر ويتبع منطقة حيفا، وتم افتتاحه للأسرى الأمنيين الفلسطينيين في شهر مارس من عام 1988مع بدء الانتفاضة الأولى، وقبل ذلك كان مخصصًا لأسرى جنائيين يهود ولبنانيين، وحاليًا يستخدم كسجن وكمركز توقيف.
وبحسب نادي الأسير الفلسطيني، فإن هناك ممارسات مأساوية يخوضها الأسرى الفلسطينيين خلف قضبان سجن مجدو، خاصة الأطفال والأشبال الذين يتم تعمّد كسر إرادتهم وسحق كرامتهم بأبشع أساليب التعذيب الجسدي والنفسي.
فمنذ لحظة القبض عليهم، يتم تعرية الأطفال وضربهم بالهراوات وإكراههم على القيام بممارسات مشينة أمام المحققين، هذا فضلًا عن حجزهم لساعات في زنازين مظلمة وإجبارهم على التوقيع على اعترافات كاذبة باللغة العبرية.
كما يكشف شهود العيان عن تجويع الأسرى وحرمانهم من أبسط مقومات الحياة، إضافة للضرب المبرح والشتائم اليومية، في مشهد لا إنساني يُخجل المجتمع الدولي الصامت تجاهه.