وثائق التهجير والإبادة.. قراءة في عدد تاريخي للأهرام العربي عن النكبة
أصدرت مجلة الأهرام العربي، عددًا خاصًا تاريخيًا وهو العدد رقم 1383 بالتزامن مع الأحداث الجارية في قطاع غزة والضفة الغربية بعنوان “وثائق التهجير والإبادة”، وظهر على غلاف العدد صورة حزينة لطفلة مع شيخ كبير بدا على ملامحه الشقاء والألم والحزن ووضع رأسه على ركبتيها مستلقيًا، وكُتب على الصورة "الصورة تتحدث في عدد تاريخي".
في السطور التالية نسرد قراءة في صفحات هذا العدد التاريخي:
في مقدمة العدد جاءت مقالة تحت عنوان "فلسطين" أرفقت بصورة لطفل وطفلة يحتضنان بعضهما البعض باكيان، وجاء بالمقالة أنه بينما تعتبر الأمم المتحدة في 20 نوفمبر من كل عام هو اليوم العالمي لحقوق الطفل، قتل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو باستخدام الجيش الذي يدعي أنه الأكثر أخلاقية في العالم أكثر من 5500 طفل وأصاب أكثر من 9 آلاف آخرين بنيران حقده، وذلك تحقيقًا لما جاء على لسان رب إسرائيل "اذهب وحارب عماليق، اقض عليهم قضاءَا تامًا، اقتل جميع النساء والأطفال والرضع، واقتل ثيرانهم، وغنمهم وجمالهم وحميرهم" وقد استجاب الجنود وقتلوا خمسة أطفال كل ساعة.
تحدثت المقالة أيضًا عن أنه في اليوم العالمي للطفل أذاعت القناة العبرية احتفالًا بتلك المناسبة أغنية ينشدها الأطفال تقول "على شاطئ غزة يحل الخريف..الطائرات تقصف.. دمار، دمار في غضون عام سوف نبيد الجميع وعندئذ سنعود لحرث أرضنا".
وتحت عنوان الوطن أو الموت "تلك هي المسألة" كان مقال الكاتب الصحفي عزمي عبدالوهاب تحدث فيه عن مقولة المفكرة الأمريكية "سوزان نتاج" بأهمية عرض صور الحرب وعدم إخفائها رغم بشاعتها فهي تدل على الواقع ثم ذكر الكاتب كيف تذكر العالم كله قصة الطفلة الفيتنامية التي كانت تركض في الشارع عارية بعد أن أحرقت الطائرات قريتها وضربتها بالنبالم فذاب جلدها من الفارين من فصف الفانتوم الأمريكية كانت تصرخ ويداها مفتوحتان في اتجاه الكاميرا، موضحًا أن هذه الصورة كانت كفيلة لإنهاء الحرب.
وأوضح الكاتب أن الصورة نشرت في الصفحة الأولى من صحيفة نيويورك تايمز وانتقلت إلى أهم صحف العالم، وصدمت كل من شاهدها بمن فيهم رئيس أمريكا نفسه "نيكسون"، واختيرت كأفضل صورة لعام 1972، موضحًا أن تأثيرها يفوق مائة ساعة تليفزيونية في تحريض الرأي العام العالمي ضد الأعمال الوحشية التي ارتكبتها أمريكا في فيتنام.
وضرب الكاتب المثل بما تفعله إسرائيل من فبركة للصور باستخدام الذكاء الاصطناعي، وما تمثله هذه الصور من سيطرة على الوجدان والمشاعر للمتلقي فهي لم تعد مجرد إنتاج للواقع حاليًا، مشيرًا إلى أن هناك بعض من دول العالم لا تحتاج حتى إلى كذبة متقنة لتصديق الافتراء
في الوقت نفسه تساءل الكاتب عن أنه ومع زيادة أعداد صور الضحايا والشهداء يصبح هناك تخوفًا من أن نعتاد على هذا المنظر فنصاب بالبلادة متمنيًا ألا يحدث ذلك.
وأكد خلال مقاله، أن الصهاينة تحدثوا عن فلسطين عشية وصولهم إليها في أواخر القرن التاسع عشر بوصفها أرضًا خالية أقرب ما تكون صحراء قام الصهاينة بزراعتها.
وتابع أنه بينما وجهة النظر المغايرة تكشف أنه كان هناك مجتمع مزدهر يشهد على عمليات تحديث كبيرة، وهذا ما تؤكده الصور في هذا العدد التاريخي من "الأهرام العربي".
فقد أظهر العدد صور العديد من الفلسطينيين وهم يعالجون بالمستشفيات من أطفال ورجال وهذه الصور تكشف كيف كانت فلسطين تنعم بالأمن والسلام والحياة الطبيعية حتى دهمتها العصابات الصهيونية وكتبت فصولا سوداء في التاريخ إلى الآن.
رواية غير خيالية: نص اللاجئ
وفي مقال تحت عنوان “فلسطين.. البئر الأولى والأخيرة” بقلم الكاتب مهدي مصطفى روى فيها الكاتب عن موقفًا شخصيًا حدث معه قبل ربع قرن حينما كان يجهز لإصدار صحيفة جديدة هاتفه من الكويت شاعر وروائي ومترجم فلسطيني يدعى محمد الأسعد، واصفًا إياه بأن صوته جاء مختلطًا بنشيج عميق قائلًا لكاتب المقال "أنا معك محررًا ومشاركًا، ولدي نص عنوانه نص اللاجئ – ذكريات القبيلة الضائعة".
ووصله النص بالبريد تحت عنوان "رواية غير خيالية" لم تكن رواية حسبما وصف كاتب المقال بل كانت نصًا تسجيليًا مؤلمًا، إذ جاء في رواية الكاتب الفلسطيني "هنا فلسطين، الزيتون، والتين والعنب واللوز والتفاح والجوز، هنا فلسطين العربية جاءها الغرباء في غفلة نادرة دنسوا وديانها وهضابها وجبالها، سالت دماء أبنائها أنهارًا، اختلطت بالتراب والهواء يقول كاتب أمريكي: هنا تقع حرب عالمية على أرض ضيقة".
روى الكاتب كيف تذكر الأسعد مشاهد عام 1948 بعد أن سقطت حيفا بعدة شهور حينما جاءت عصابات الهاجاناه واجتاجحت قرى بالكامل منها قرى عين غزال وعين حوص وأم الفحم، وكشف الأسعد الطفل في جنين قسوة كلمة اللاجئ وهي الكلمة التي أطلقها سكان "جنين" وباقي سكان فلسطين على هؤلاء القرويين القادميين من الساحل.
حسب الكاتب فإن أكثر من 20 ألف شخص بين امرأة وشاب وشيخ وطفل تم شحنهم إلى العراق وهناك استجابت الحكومة العراقية وأفردت لهذه العائلات اماكن كريمة ومساكن خاصة.
أما المأساة ظلت في اسم مأوى اللاجئين إذ تم توزيعهم على مدارس يهودية واسعة في بغداد والبصرة وهي مدارس أطلق عليها جميعا بتوافق غريب اسم التوراه ليبدو الأمر أنهم من سكان "التوراه".
قطار من القاهرة إلى القدس دون تأشيرة مرور
وتحت عنوان “فلسطين ما قبل النكبة” بيّن الكاتب أنه قبل النكبة كان القطار ينطلق من القاهرة إلى القدس ومن دمشق إلى حيفا دون الحاجة إلى تأشيرة مرور، وتلك كانت حياتهم حتى عام 1948 قبل أن يظهر ورم سرطاني استيطاني أخذ يتمدد حتى أتى على الأخضر واليابس وسلب الناس كل ما يمتلكونه، فتحولوا إلى لاجئين لا يملكون أرضًا بل تحولوا إلى لاجئين.
وعرض عدد الأهرام العربي الخاص صورة للحرم الإبراهيمي الشريف عام 1890، وصورة أخرى لمدينة القدس عام 1912 والتي ظهرت فيها ملامح وجود حياة طبيعية وأسواق.
كما بيّنت المجلة صورة الأقصى سنة 1910 ويقف أمامه أحد الفلسطينيين، كذلك عرضت المجلة صورة لأزقة البلدة القديمة في القدس وكتب أسفلها أنه قد تم التقاطها ما بين عامي 1900- 1920.
أظهرت المجلة كذلك صورة للكاتب إسحاق الشهابي مع نحجله لاخطاط الشهير عبد القادر الشهابي وقد التقطت في عام 1893، وعبد القادر هو من وضع كراريس الخط التي كانت أساسية في التعليم بمداس فلسطين وكان معلمًا شهيرًا.
كما عرضت العربي صورة لسلالم مدينة يافا القديمة عام 1900 وظهر عليها أطفال فلسطينيين، كما عرضت الأهرام العربي صور لأطفال من القدس الشريف بالزي المقدسي التقفليدي في أوائل العشرينات، وصورة أخرى تعود لطالبات مدرسة الفرندز في رام الله عام 1937.
الزي التقليدي ظهر كذلك في عدد من الصور الأخرى وكان يرتدياه السيدات في صور تعود إلى عام 1929، وفي صور أخرى تؤكد أن الفلسطينيين كانوا يعيشون حياة طبيعية يزرعون ما يأكلون جاءت صور موسم الحصاد التي اشتركت فيها الرجال والنساء وكانت إحداها في منطقة مرج بن عامر لاتي تقع بين منطقة الجليل وجبال نابلس وتعود إلى عام 1930.
بنوك وحياة اقتصادية وفن وأدب
كما عرضت المجلة صورة نادرة للجنيه الفلسطيني ويعود تاريخ إصداره لأول مرة عام 1927 وكان العملة الرسمية في الأردن أيضًا، كما عرضت الأهرام العربي صورة لفرع بنك باركليز في يافا بصورة يعود تاريخها إلى عام 1930، وهو ما يدل على وجود حياة اقتصادية في فلسطين طبيعية يتم فيها تداول العملات نتيجة للحياة الاجتماعية الطبيعية الكائنة لأهل المنطقة الفلسطينيين.
كما أظهرت المجلة كيف كان لفلسطين حياة فنية بل وكان يذهب لها الفنانون المصريون وأبرزهم موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب كما كان لها فرقة وطنية موسيقية خاصة بها وهي الفرقة الوطنية الفلسطينية، كما عرضت المجلة صورًا لحفلات أبرزها حفلات لكوكب الشرق "أم كلثوم" في فلسطين.
وحظيت كذلك فلسطين بنصيب في الأدب إذ أظهر الأهرام العربي صورة إلقاء الأديب الكبير عباس محمود العقاد إحدى المحاضرات في فندق الملك داوود بمدينة القدس عام 1940.
كشف العربي كذلك عن أنه من المعلومات الشائعة عن تل أبيب أنها كلمة عبرية وترجمتها للعربية هي تل الربيع بينما هذا ليس اسم المدينة التاريخي ولكن تل أبيب كان اسم حي داخل مدينة قديمة وتم تخصيصه لسكنى اليهود ما بين 1909-1910 أيام الخلافة العثمانية، أما المدينة يافا عروس البحر وهي من أقدم وأهم مدن فلسطين التاريخية ابتلعها حي صغير وهو تل أبيب واستولى على الاسم الأصلي للمدينة الاسحلية، أما الكنعانيون هم المؤسسون للمدينة في القرن الرابع قبل الميلاد.