الحلو ما أكلوش الأسد
المصريين عندهم ألشتين لما حد يقول كلمة الحلو، الأولى قديمة ولسه موجودة "الحلو بعد الكشري"، التانية ما عادش حد بـ يستخدمها كتير، "الحلو أكله الأسد"، والحمد لله إنها بدأت تختفي، لـ إنها مش ألشة، دي مأساة.
في 10 أكتوبر 1972، الموافق 3 رمضان، كان السيرك القومي في العجوزة بـ يقدم فقراته كـ العادة، ومن ضمن الفقرات دي ترويض الأسود على يد المدرب محمد الحلو سليل عيلة الحلو المعروفة والتاريخية، وبعد ما الفقرة انتهت خالص، والأسود عملوا كل الحركات والحبشتكانات، وجه وقت خروجهم بناءً على أمر من المدرب، أدى المدرب ضهره لـ الأسود، ووشه لـ الجمهور علشان يستقبل منهم السوكسيه (التحية يعني) وفي لحظات خاطفة حصل اللي حصل.
واحد من الأسود (اسمه سلطان) هجم على المدرب محمد الحلو، وقعه وعضه، ما أكلوش زي ما بـ يتقال، هو بس هجم عليه ووقعه، وعضه عضة خفيفة بـ النسبة لـ أسد، واتقلبت الدنيا، وتدخل محمد الحلو الابن، ما هو محمد الحلو اللي تعرض لـ الهجوم كان عنده ابن مدرب أسود برضه اسمه محمد الحلو برضه، وأمر الأسد يبعد، وظهر الأمر كـ إنه "ما حصلش حاجة".
دي ما كانتش بداية الحكاية، ولا نهايتها، صالح مرسي (الكاتب الكبير ومؤلف رأفت الهجان) كتب عن الموضوع، وراح بعيد شوية في الزمن، أكتر من خمسين سنة قبل اليوم الصعب دا، لما كان صالح لسه طفل في طنطا، وكان بـ يحضر مولد السيد البدوي، وكانت فقرة سيرك الحلو من علامات المولد اللي ما تتفوتش. ما كانش فيه لسه "السيرك القومي"، يعني السيرك كان حاجة أهلية قطاع خاص، وكان فيه عيلتين متخصصين في تقديم عروض السيرك هما عيلة الحلو وعيلة عاكف (اللي منها نعيمة عاكف) وعيلة الحلو كانت اتنين إخوات: السيد الحلو ومحمد الحلو الكبير خالص، ومحمد الحلو تخصص في ترويض الأسود.
علاقة عيلة الحلو بـ الأسود مش بس تقديم فقرة في السيرك، ولو إنه دي في حد ذاتها مش حاجة سهلة، إنما الناس دول كانوا بـ يعيشوا مع الحيوانات المفترسة دي في بيت واحد، وأوضه واحدة، صالح مرسي بـ يحكي إنه محمد الحلو (محمد التاني اللي كان ضحية سلطان) اتجوز لاعبة جمباز اسمها كاميليا، وهي كانت فاكرة إنه علاقته بـ الأسود بس هناك، في السيرك، لكنها لقيتهم موجودين في كل حتة، حتى أوضة نومها، ودا كان سبب فزع ليها وضحك من الحلو.
طول فترة تقديم السيرك في طنطا، وما حولها، مفيش ولا مرة أسد حاول أو فكر أو قرب حتى من إنه يهاجم مدربه أو يعصى أوامره وتعليماته، وما كانش فيه أي حوادث أو مشكلات بـ استثناء حادث حصل في العشرينيات، وكان في محافظة البحيرة، لما عامل البوفيه دخل غلط ووقف في مكان قريب من القفص ومش مفروض حد يتواجد فيه غير المدرب، فـ الأسد خربشه، وتدخل ظابط بوليس اسمه يوسف الشعبيني وأنقذ العامل، اللي أصيب، لكن خرج منها سليم، غير كدا مفيش في تاريخ السيرك أي شيء مش منضبط، إيفري ثينج إز أندر كنترول.
بعد سنين طويلة من تقديم فقرة الأسود في سيرك مولد السيد البدوي في طنطا، عبد الناصر كان في زيارة لـ الاتحاد السوفيتي، وكنا أوائل الستينات، وناصر زار السيرك الروسي، وكـ ما جرت العادة وقتها سأل: وإحنا ليه ما عندناش سيرك؟ يا ريس فيه سيرك عاكف، وسيرك الحلو، لأ، لما أقول عندنا يبقى سيرك "قومي"، ثم إنه لما رجع كلفهم يشوفوا الموضوع دا، وقد كان.
بيتر مايسترينكو كان خبير سوفيتي في عالم السيرك، مصر تعاقدت معاه لـ تأسيس السيرك القومي وتدريب اللاعبين والعارضين، وخصصوا له قصر عابدين في تدريبات بدأت في 10 أبريل 1962، والتدريبات أخدت وقت لـ حد ما حصل افتتاح السيرك فعلا أواسط الستينات، لكن ما يتعلق بـ فقرة الأسود كان من نصيب عيلة الحلو قولا واحدا، ما كانش ليهم مدرب ولا خبير، خبير على مين؟
إنما السيرك مش بس علاقتك بـ الأسود، السيرك عالم كبير من التجهيزات، وعلاقة حية بـ الجمهور، وكون فقرة الأسود بقت جزء من بروجرام أكبر، تحت إدارة وسيطرة الروتين والبيروقراطية والذي منه، خلى الأمور تتغير شوية شوية، وبقى واضح إننا مقبلين على كارثة ما. خلينا نشوفها المقال الجي.