رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في عيد ذهبي الفم.. الكنيسة البيزنطية: الله تدخل بعد عدم طاعة البشر

جان ماري شامي
جان ماري شامي

تحتفل الكنيسة البيزنطية بذكرى يوحنّا الذهبيّ الفم، وبهذه المناسبة القت الكنيسة عظة احتفالية قالت خلالها: تخيّلوا مأساة راعٍ مسكين وقد ضلّ خروفه. فلم نعد نسمع في كلّ المراعي المجاورة إلاّ صوت ذاك المسكين الذي ترك قطيعه كلّه، وأخذ يركض في الغابات وعلى الهضاب مرورًا بالأدغال، نائحًا وصارخًا بكلّ قوّته، رافضًا أن يعود إلى دياره ما لم يجد خروفه ويُعِده إلى الحظيرة.

هذا ما فعله ابن الله حين خرج البشر عن طاعة خالقهم؛ نزل إلى الأرض، ولم يدّخر أيّ عناية أو تعب ليُعيدنا إلى الحالة التي كنّا عليها قبل سقوطنا في الخطيئة. وهذا ما يستمرّ في القيام به كلّ يوم، من أجل أولئك الذين يبتعدون عنه بسبب الخطيئة؛ هو يتعقّب أثرهم، ويستمرّ في مناداتهم حتّى يعيدهم إلى درب الخلاص. بالتأكيد، لو لم يقم بذلك، لكان انتهى أمرنا بعد الخطيئة الأصليّة؛ ولكان استحال علينا أن نعود. كان عليه أن يقوم شخصيًّا بكلّ محاولات التقرّب، وأن يهبنا نعمته، وأن يتعقّب أثرنا، وأن يدعونا لنشفق على أنفسنا حتّى يسعنا أن نسأله الرحمة...

إنّ الحماسة التي يلاحقنا الربّ بها هي بدون أدنى شكّ نتيجة رحمته الواسعة. لكنّ اللطف الذي يرافق هذه الحماسة يشير إلى طيبة مثيرة للدهشة. وبالرغم من رغبته القصوى في إعادتنا إلى درب الخلاص، فهو لا يستعمل العنف أبدًا؛ ولا يلجأ إلاّ إلى الوسائل اللطيفة لتحقيق هذه الغاية. فإنّي لم أرَ خاطئًا واحدًا في الإنجيل كلّه دُعِي إلى التوبة بغير الملاطفات والنِّعم.

من هو فم الذهب؟

وُلِدَ هَذا القِدِّيس العَظيم في إنطاكية عاصِمَة سوريا الأولى حَولَ سنة 345. كان والِدُهُ قائِداً في الجَيش الروماني، وأمُهُ مَعروفَةً في تَدَيُنِها وإيمانِها الراسِخ. بَعد ثَقافَة عاليَة وتَربيَة مَسيحيَة حَقيقيَة إقْتَبَلَ العِماد المُقَدَّس لَيلةَ الفِصح سنة 369 مِن يَد مَلاتيوس البَطِريَرك. وَذَهَبَ بَعدَ ذَلِك الى البَرِّيَة لِلزُهِد والعِبادَة. رَسَمَهُ البَطِريَرك شَماساً، وكَلَّفَهُ بِالوَعِظ وَنَشِر كَلمَة الحَق في الكَنيسَة حَتى سنة 386 حَيثُ رُقِّيَ الى دَرَجَة الكَهنوت. وعِندَ مَوتِ بَطريَرك القِسطَنطينية سنة 396 أُخْتيَر لِيَكونَ خَلَفاً لَه، وكانَت شُهرَتُهُ وقَداسَتُهُ قَد بَلغَتا عَاصِمَة الامبراطوريَة فاستَلَمَ مُهِمَتَهُ وقَامَ بِها بِجُرأة وشَجاعَة يُدافِع عَن الحَق والانجيل ولا يَخاف الاّ الله. وكانَ رَدُّ الفِعلِ قَويًّا مِن جِهَةِ البَلاط المَلكي وخاصَة الامبراطورة أڤدوكيا. فنُفيَ سنة 403 وأَخَذَ يَتَعَذَّب في مَنفاه مُتَنَقِلاً مِن بَلَدٍ الى بلدٍ حَتى إنتَقَلَ الى الحَياة الأَبَدية  سنة 407.

إنَّ مَواعِظَهُ وخُطَبَهُ لا تَزال تُدوي في كَنائِسِنا عَلى مَرِّ الاجيال، ولا يَزال ذِكرَهُ حيًّا، وَقَد لُقِّبَ بالفَم الذَهَبي لِجودَة كَلامِه. وَقَد أَعلَنَهُ البابا بيوس العاشِر شَفيع الواعِظين والخُطباء المسيحيين.