هل عُذب المخرج نيازى مصطفى قبل مقتله؟.. هذا الكتاب يجيب
يعد المخرج نيازي مصطفى، والمولود في مثل هذا اليوم من العام 1911، واحدًا من أهم مخرجي السينما المصرية، ورائد أفلام الحركة أو الأكشن. قدم خلال مسيرته الفنية العشرات من الأعمال السينمائية التي خلدت اسمه بين نجوم الفن السابع.
هل عُذب نيازى مصطفي قبل مقتله؟
في كتابه "لا شيء هناك"، يرسم الكاتب الصحفي خيري حسن، المشاهد الأخيرة في حياة نيازي مصطفى، وكيف أن السيناريست عبدالحي أديب كان آخر من دق الهاتف في بيت نيازي مصطفي، لكنه لم يتلق ردًا، فظن أن الأخير قد غلبه النوم ولم يسمع صوت الهاتف.
إلا أن الذي لم يعتقده - عبدالحي أديب - أن صديقه نيازي مصطفى، قد مات مخنوقًا حسبما جاء في تقرير الطب الشرعي ما بين الساعة الثامنة والتاسعة من مساء ليلة 19 أكتوبر 1986، أي قبل اتصاله بساعة تقريًبا - عبدالحي أديب - بعدما قام القاتل بتقييد يديه خلف ظهره (بكرافتة) وكمم فمه (بفوطة) ولف (مفرش وسادة) حول رقبته، لكتم أنفاسه تمامًا، داخل حجرة نومه (حسب وصف التحقيقات الرسمية). حدث ذلك بعدما باغته القاتل بعدة لكمات موجعة، ونافذة، ومتتابعة، ومتلاحقة أدت إلى سجحات حول رقبته، وجرح نافذ في يده اليمنى، وآثار دماء على فمه (ربما بسبب مقاومته الشديدة) ليفارق الحياة بعدها بدقائق.
ويتابع خيري حسن رصده لتفاصيل جريمة مقتل المخرج نيازي مصطفى، متابعًا: عند الساعة الثامنة من صباح يوم 20 أكتوبر 1986 كان الخادم محمد عبدالله، طباخ نيازي مصطفى ـ أو البروف كما كان يطلق عليه في الوسط الفني ـ يصعد السلم الخلفي كعادته كل صباح من الساعة الثامنة صباحًا وحتى الساعة الثامنة مساء، ليعود بعدها إلى مسكنه.عبدالله الآن وصل للطابق الثالث وبدأ يضع نسخة المفتاح في الباب - باب الخدم - كالمعتاد لكن الباب مغلق من الداخل على غير العادة. حاول عدة مرات وعندما فشل عاد لمدخل العمارة وصعد حتى وصل إلى باب الشقة الرئيسى، وضغط على جرس الباب لكن لا أحد يجيب.
انتظر قليًلا وعاود التجربة وطرق الباب عدة طرقات أخرى.. لكن لا أحد يجيب. أسرع وكثف من وتيرة طرقه حتى سمعت سيدة عجوز تسكن في الطابق الأسفل الصوت فصعدت تستكشف الأمر. سألته: «خير يا عبدالله» رد: «أبًدا يا ست هانم..الباب الخلفي مغلق من الداخل.. وجئت لهذا الباب أطرق عليه ولكن نيازي بيه لا يرد علىّ!» سكتت قليلًا قبل أن تقول في دهشة: «ليلة أمس ما بين الساعة الثامنة والتاسعة مسًاء سمعت أصوًاتا غريبة داخل شقته مع وجود سقوط شديد، وارتطام مسموع، واستمر هذا الوضع (وكأنها خناقة) لمدة عشر دقائق ثم هدأت الأصوات تمًاما»، هز الطباخ رأسه ثم واصل طرقه؛ فيما عادت السيدة إلى شقتها وأغلقت الباب.
بعد اكتشاف جريمة قتل المخرج نيازي مصطفى، وتحرك الجهات الأمنية لمسكن الأخير، ينقل خيري صورة من مسرح الجريمة موضحًا: بعد إجراء المعاينة المبدئية وجد رجال البوليس جميع مداخل ومخارج الشقة سليمة من الداخل والخارج. ثم عثرواعلى مبلغ 200 جنيه وساعة يد في مكانهما. ومحفظتين (واحدة كبيرة والثانية صغيرة) فوق ترابيزة متوسطة الحجم بجوار السرير فارغتين، وشيك بمبلغ كان ينوي إهداءه إلى حبيبته الفنانة الشابة منى إسماعيل قبل زواجها من آخر(حسب شهادة الشهود بعد ذلك) ولوحظ وجود آثار عبث واضح في دولاب أوراق المجني عليه، مما يدل على أن الجاني كان يبحث عن شيء ما غير المال (غالبًا مذكراته التي قيل إنه بدأ في كتابتها).. بعد دقائق حضرت النيابة على الفور متمثلة في مصطفى جاويش وكيل نيابة الدقي الذي باشر التحقيق.
وحول سير التحقيقات وما أسفرت عنه في جريمة قتل المخرج نيازي مصطفى، يضيف خيري حسن: بدأت سلسلة من التحركات الأمنية للوصول إلى الجاني وقامت النيابة باستدعاء ما يقرب من 20 امرأة متزوجة لمباشرة التحقيق معهن لوجود أسمائهن مسجلة في أجندة المجني عليه ـ بعضهن طلقن فور خروجهن من أمام جهات التحقيق.
كم تم استجواب ما يقرب من 100 كومبارس وفنان وشخصية عامة رأت النيابة أن هناك صلة تربطهم بالمجني عليه، ولقد كشفت التحقيقات عن أرصدته البنكية والتي جاءت كالتالي: «23 ألف جنيه شهادات استثمار بالبنك الأهلي. و500 سهم في شركة الخزف الصيني. و150 سهمًا في شركة سيما وحساب جاري في بنك مصر ورصيده فيه871 جنيًها».
رغم كل هذه التحركات الأمنية، والتحقيقات اليومية الدائمة والمستمرة، إلا أن الغموض ظل مسيطرًا على المشهد، وخيوط وخطوط الجريمة متشابكة ومتعارضة مما جعل ما يؤكده البعض بالليل ـ يعود وينفيه البعض الآخر بالنهارـ خاصة بعدما أكدت تقارير المعمل الجنائي وخبراء الطب الشرعي أنه تم العبث بمسرح الجريمة ـ بسبب نقل الجثة ـ من الأرض إلى السرير، الأمر الذي تسبب في إضاعة معالم الجريمة وصعّب مهمة البحث الجنائي لوجود بصمات متعددة في المكان، واكتشاف بصمة مجهولة لسيدة داخل الشقة (حسب الرواية الرسمية حينذاك) ولم يتم الكشف عنها.
واصلت جهات التحقيق عملها باستدعاء المشتبه فيهم (البواب والخادم وسيدة اسمها بهيجة كانت تعمل كوافيرة تصفف له شعره كل أسبوع) وتم استجوابهم جميًعا مع باقي المشتبه فيهم، ثم أرسل طلب ضبط وإحضار للمشتبه فيها (الفنانة الشابة منى إسماعيل) لكن زوجهاـ كان رجل أعمال تزوجها قبل عام من وقوع الجريمة ـ رفض حضورها أمام النيابة كمتهمة وقال لها: «لو رحتي التحقيق اعتبري نفسك طالق» وعندما أبلغت ذلك لجهات التحقيق تم استجوابها في منزلها، في التحقيق المنزلي قالت: «لست مسئولة عن حبه لي، ولم أتزوجه عرفيًا كما قال، وانقطعت معرفتي به منذ أن تزوجت واعتزلت التمثيل» وبعد ثلاثة شهور وبالتحديد في ـ 15 يناير 1987 أُغلق محضر القضية وقيدت الجريمة ضد مجهول.