القاهرة تضمد جراح غزة وتسعى لحل الدولتين
لن تستمر حرب غزة إلى الأبد، يوم ما سوف تسكت المدافع، ويبدأ إحصاء الضحايا ما بين قتيل وجريح من الجانبين، الرقم الأخير سوف يكون مفزعًا للجميع بمن فيهم طرفا الصراع، وسوف يكون وصمة عار فى جبين المجتمع الدولى لن يمحوها الزمن.
إسرائيل نسيت، وبشكل مقصود، أبجديات السياسة، وضعت الطين فى أذنها حتى لا تسمع صرخات الأطفال تحت الأنقاض ولا تسمع فى ذات الوقت صرخة أصحاب الضمائر الحية المطالبة بوقف العدوان، إسرائيل لا تسمع إلا لصوت الدم الهادر مثل شلال عنيف لا توقفه قوانين الطبيعة.
الموقف الأمريكى وتوابعه مواقف أوروبا العجوز مثير للسخرية، بينما شعوب تلك الدول تنتفض فى الميادين مطالبة بوقف الحرب، إلا أن الحكام لهم ترقيع آخر يتكلمون عن حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها، ثم تناسوا، عن عمد أيضًا، أن إسرائيل تدافع عن نفسها بقتل المدنيين ولا تدافع عن نفسها فى حرب شريفة بين جيش وجيش، تطير الطائرات محملة بالحديد والنار وتحط على بيوت الناس، حتى وصل الأمر لدرجة أننا هنا على شاطئ القناة نشتم رائحة الأجساد المحروقة وتخزق عيوننا مشاهد الأجساد المردومة، هذه جريمة تفوق جريمة نجازاكى وهيروشيما عندما ضربهم الأمريكى بالنووى فى واقعة لم تتكرر فى التاريخ الإنسانى، ومثلما تحمل أمريكا عار الانفراد باستخدام النووى سوف تحمل إسرائيل عار حربها ضد المدنيين فى قطاع غزة.
الانتهاكات الإسرائيلية ما كان لها أن تحدث لولا الموقف الغربى المتخاذل بل المتواطئ الداعم لإسرائيل، وكأن الغرب يعطى القاتل تصريحًا بالقتل، ليمشى القاتل فى الطرقات فخورًا بالدم الذى يلطخ كامل جسده.
القاتل يتكلم عن رهائن فى قطاع غزة ويبكى صبح مساء عليهم، بينما هذه الدموع فى حقيقتها هى دموع التماسيح، لدرجة أننى بدأت تساورنى الشكوك حول صدق رغبة إسرائيل فى استعادة رهائنها، وأعتقد أنها أضافت رقم الرهائن إلى رقم قتلاها فى هذه الحرب وترفع من وتيرة القصف يومًا بعد يوم وساعة بعد ساعة، ومن المؤكد أن قذيفة إسرائيلية طائشة سوف تطال الملجأ الذى يضم رهائنها فى غزة لتنتهى حجتها، ولقد سمعنا بالفعل أن ما يقرب من ستين رهينة قد قضوا خلال الأسابيع الماضية بسبب غياب العقل.
تضغط مصر بكل ما أوتيت من قوة دبلوماسية نحو إيقاف إطلاق النار وتتجه بكل ما أوتيت من إنسانية نحو إدخال المساعدات إلى غزة، ومن رأى منكم طابور الشاحنات الطويل الممتد على طريق «القاهرة- الإسماعيلية» الصحراوى قد يظن أن مصر قد أعطت كل ما لديها ولم يتبق لديها شىء، ولكن أم الدنيا تواصل إرسال الرسائل الراقية للعالم كله حتى لمنظمة «حماس» التى نختلف مع منطلقاتها الفكرية، ترسل رسالتها لإسرائيل ولمن وراء إسرائيل بأن الحل النهائى هو إقامة دولتين لشعبين وتنتهى الحروب إلى الأبد، ولكن لا أذن تسمع ولا عين ترى.
والآن، ونحن على بعد خطوة من انعقاد القمة العربية الطارئة فى الرياض، هل سوف نشهد مبادرة جديدة سواء كانت مرنة أو حاسمة؟، العيون متجه نحو الرياض من أجل البحث عن ضوء فى نهاية النفق، وإذا كانت الأمور معقدة فى غزة بسبب اختلاف الرؤى بين الفصائل الفلسطينية وبين تعنت إسرائيل هل يتدخل المجتمع الدولى، ولا أقصد هنا أمريكا وحدها بل أقصد مع أمريكا الاتحاد الأوروبى ودول آسيا وأمريكا اللاتينية وروسيا وغيرها من الكتل المؤثرة وفى مقدمتها جامعة الدول العربية، جميعًا بكل ما لديه من قوة وسلطة لفرض واقع جديد، بحيث يتم فرض الحل العادل فرضًا على إسرائيل ومن ثم على «حماس».
الدم الذى لا يجف على الأرض فى غزة لا يطلب المستحيل، ولكنه يطلب العدل ثم العدل لا أكثر من هذا ولا أقل.