صُنع فى مصر.. كيف تتحرك الدولة لزيادة المكون المحلى وتعميق الصناعة؟
أكد عدد كبير من رجال الصناعة والتجارة نجاح الدولة فى توطين الصناعة المحلية وزيادة الاعتماد على المنتج المصرى فى المشروعات، سواء القومية أو الخاصة، ما أدى لحدوث زيادة كبيرة فى حجم التصنيع، فضلًا عن زيادة عدد المصانع والمجمعات الصناعية.
وقال المصنعون، لـ«الدستور»، إن الدولة تستهدف جذب مزيد من الاستثمارات العربية والأجنبية فى مجال التصنيع، خاصة فى قطاعات السيارات والنقل والبتروكيماويات والغذاء والهندسة، وغيرها من الصناعات، ما أدى إلى تقليل الفاتورة الاستيرادية لمصر بنسبة ٥٠٪.
واستهدفت استراتيجية وزارة التجارة والصناعة المصرية مضاعفة معدل النمو الصناعى وتعميق الصناعة المحلية، وإطلاق أول علامة مصرية مسجلة باسم «بكل فخر صُنع فى مصر»، بغرض الاعتماد على المنتج المحلى، ما يسهم فى مضاعفة معدل النمو الصناعى ومساندة المنشآت الصناعية فى تطبيق أعلى معايير الجودة ونظم الإدارة.
شريف الجبلى: زيادة نسبة المكون المحلى فى كثير من الصناعات
قال الدكتور شريف الجبلى، رئيس غرفة الصناعات الكيماوية، إن مصر عملت، خلال السنوات الماضية، على تنفيذ خطة تستهدف زيادة نسبة المكون المحلى داخل كثير من الصناعات، خاصة التى لها بدائل محلية، كما عملت على تغيير سياسة الاستيراد من خلال الاستغناء عن المكونات التى لها بدائل محلية، وتعميق التصنيع المحلى، وزيادة نسبته فى المنتج النهائى.
وأضاف «الجبلى»: «استراتيجية عمل وزارة التجارة والصناعة تستهدف فى المقام الأول زيادة نصيب الصناعة من الناتج المحلى الإجمالى إلى ٢٠٪»، مشيرًا إلى أن الوقت الراهن يتطلب التركيز على الصناعة لدعم الاقتصاد، ولا بد من اتخاذ قرارات حاسمة بهدف الارتقاء بتنافسية القطاعات الصناعية، خاصة القطاعات التى تمتلك مصر بها مزايا تنافسية، فضلًا عن ضرورة زيادة معدلات وفتح المزيد من الأسواق أمام المنتجات المصرية.
وأكد أن الفترة الحالية هى الأنسب للترويج للمنتجات المصرية والتسويق لها وتقديم كل الدعم، مشددًا على أن قطاع الصناعة يمثل محورًا أساسيًا فى خطة الإصلاح الاقتصادى، وتضطلع الوزارة- ممثلة فى مركز تحديث الصناعة- بمسئولية وضع برنامج قومى لتعميق التصنيع المحلى، يستهدف زيادة تنافسية المنتجات المحلية المصرية، ودعم الأنشطة الصناعية الواعدة، وزيادة القيمة المضافة للصناعة المصرية، وزيادة مساهمة القطاع الخاص فى النمو الاقتصادى، وتوفير مكون صناعى محلى بديل للمكون المستورد، من خلال تطوير قاعدة صناعية متنوعة من الموردين المحللين، وتوفير منتج بسعر منافس وجودة عالية.
أحمد عبدالحميد: الترويج السليم.. والتسويق للمنتجات داخليًا وخارجيًا
رأى أحمد عبدالحميد، رئيس غرفة مواد البناء باتحاد الصناعات، أن الأوضاع الاقتصادية الحالية هى التى دفعت المواطنين لتشجيع المنتجات المحلية وتفضيلها على المنتج الأجنبى، ولا بد من استغلال تلك الظروف فى الترويج السليم والتسويق للمنتجات المحلية داخليًا وخارجيًا.
وقال «عبدالحميد» إن على الحكومة، فى الوقت الراهن، الوقوف بجانب الشركات المحلية، وتوفير كل الخامات والاعتمادات المستندية الكافية لها، لزيادة المنتجات المحلية والاعتماد على التصنيع المحلى.
وأوضح: «مصر تحتاج إلى زيادة حجم الإنتاج فى كثير من القطاعات، وأطالب البنوك بتقديم التسهيلات للشركات المصرية بتوفير العملة الأجنبية لاستيراد المواد الخام المطلوبة»، مطالبًا بضرورة ضخ وتغطية الاعتمادات المستندية.
كمال الدسوقى: التوسع فى «البرندات» المصرية لتحقيق الاكتفاء الذاتى
شدد كمال الدسوقى، عضو اتحاد الصناعات، على أن الأحداث الجارية أكدت أهمية الاعتماد على المنتج المحلى، والسعى لتصنيع كل شىء، لكى يزيد الإنتاج، وقال: «لا بد من التركيز على التوسع فى البرندات المصرية للاكتفاء بها؛ بدلًا من البرندات الأجنبية، تكون قادرة على تغطية السوق المحلية والتصدير للخارج بقيمة تنافسية عالية».وطالب رجال الأعمال بكل القطاعات الصناعية والتجارية والجمعيات بالتبرع لغزة، وكذلك العمل على زيادة الإنتاجية المحلية، لافتًا إلى أن الحكومة تعمل منذ فترة طويلة على زيادة وتعميق التصنيع المحلى، وفق استراتيجية معينة تنفذها وزارة التجارة والصناعة.
وأشار إلى أن الدولة استهدفت زيادة الإنتاج الصناعى «غير البترولى» ليبلغ ١.٧٥ تريليون جنيه بالأسعار الجارية فى عام ٢٠٢١/ ٢٠٢٢، بنسبة نمو ٩.٩٪ عن المتوقع عام ٢٠/ ٢١ وزيادة بالأسعار الثابتة بنسبة نمو ٢.١٪، وزيادة ناتج الصناعة التحويلية «غير البترولية» بالأسعار الجارية بنسبة ١١.٩٪ إلى نحو ٨٠٨ مليارات جنيه عام ٢١/ ٢٢، بالمقارنة بنحو ٧٢١.٤ مليار جنيه متوقع عام ٢٠/ ٢١، وزيادة الناتج بالأسعار الثابتة بنسبة نمو ٢.٥٪ إلى نحو ٤٣٢ مليار جنيه عام الخطة مقابل ٤٢٢ مليارًا، العام الجارى.
أحمد جابر: تقديم حزمة من الحوافز لتشجيع المستثمرين
اعتبر أحمد جابر، عضو غرفة الطباعة باتحاد الصناعات، أن الأحداث الجارية أثبتت للجميع أهمية زيادة الإنتاج، والاعتماد على التصنيع المحلى، موضحًا: «لا بد من تقليل استخدام الدولار من مصر، خاصة أن هناك أزمة اقتصادية، ومن المتوقع أن تكون هناك مشاكل فى الشحن، لذا لا بد من زيادة المنتجات المحلية».
وأكد أن جميع رجال الأعمال يقفون بجانب القيادة السياسية فى الظروف الاقتصادية الحالية ووراء جيش مصر العظيم، مشيدًا بالدور الكبير الذى يقوم به المستثمرون فى الظروف الحالية.
ولفت إلى أن وزارة الصناعة وضعت بالفعل قائمة بنحو ١٥٢ منتجًا مستهدف توطينها فى مصر خلال الفترة المقبلة؛ لتقليل فاتورة الواردات وتعميق الصناعة الوطنية، مع القيام بحملات ترويجية لهذه القائمة فى كل المحافل الاقتصادية، كما يعقد ممثلو الوزارة لقاءات مع المستثمرين المحليين والأجانب، مع تقديم حزمة من الحوافز لتشجيع الاستثمار فى هذه القطاعات. وتابع: «نقوم حاليًا بخطوات إيجابية جدًا فى مجال جذب الاستثمارات الصناعية، والدولة لديها اهتمام واضح بالصناعة المحلية وزيادة مساهمتها فى الناتج القومى، وجزء مهم من تلك التحركات هو تشجيع التعميق وزيادة القيمة المضافة فى المنتج المحلى».
«الغرف التجارية»: تضاعف الطلب على شراء السلع المحلية خلال الأيام الماضية
ذكر علاء عز، أمين عام اتحاد الغرف التجارية، أن الأحداث المتتالية، بداية من جائحة كورونا، مرورًا بتعطل سلاسل الإمداد، وصولًا للحرب الروسية الأوكرانية والاشتباكات فى غزة، جميعها أكدت أهمية زيادة الإنتاج المحلى الصناعى والزراعى والخدمى، ليس فقط لإحلال الواردات التى ارتفعت أسعارها ويصعب الحصول على العديد منها، ولكن الأهم تنمية الصادرات، واستغلال تعطل سلاسل الإمداد للنفاذ لأسواق تصديرية جديدة.
وقال «عز»: «دور رجال الأعمال فى الوقت الراهن هو نفس الدور القومى الذى قام وسيقوم به القطاع الخاص دائمًا، وهو خلق فرص عمل لشباب مصر، وزيادة الإنتاج وتنمية الصادرات، هذا بخلاف زيادة دخول شركائهم من العاملين لديهم، مع خفض هوامش أرباحهم خلال المرحلة الحالية، لمعاونة المواطن المصرى فى تحمل آثار التضخم».
وأضاف أن زيادة نسبة المكون المحلى هى الوسيلة الوحيدة لسرعة الحد من الواردات ومضاعفة قيمة الصادرات؛ فنحو ٥٠٪ من مدخلات المنتج الصناعى المصرى مستوردة، أى أننا نصدر نصف رقم الصادرات الحالية، والنصف الآخر جرى استيراده أصلًا، و«هناك مبادرات متعددة لتعميق الصناعة المصرية، ودعم المشاريع المغذية الصغيرة والمتوسطة، التى تنامى العديد منها وأصبح يصدر عالميًا»، كاشفًا عن أن طلب المواطنين على شراء السلع المحلية تضاعف خلال الأيام الماضية.
من جهته، قال أسامة الشاهد، رئيس الغرفة التجارية بالجيزة، عضو اتحاد الصناعات المصرية، إن هناك طلبًا كبيرًا الآن على المنتجات المصرية فى كل القطاعات والسلع، وهى فرصة جيدة جدًا للصناعة المصرية لكى تأخذ مكانتها المستحقة.
وأضاف: «لدينا الكثير من المنتجات المصرية ذات الجودة المرتفعة، ولكن الكثير من المستهلكين يفضلون المستورد حتى لو كان المصرى بنفس الجودة، والآن الأوضاع اختلفت فى ظل رغبة المواطنين، مقاطعة العديد من المنتجات الأجنبية، والبحث عن البديل المصرى».
وأشار إلى أن الأحداث الجارية أظهرت نجاح الصناعة الوطنية فى توفير منتجات بديلة للمستورد فى قطاع الصناعات الغذائية على سبيل المثال وصناعات المنظفات وغيرها من الصناعات الاستهلاكية التى تلبى احتياجات الأسر المصرية.
وذكر أن النقص فى العملة الأجنبية وصعوبة الاستيراد وتشجيع الدولة كثيرًا من المصانع الأجنبية فى نقل مصانعها للسوق المصرية عمل على حدوث انتعاشة حقيقية للاستثمارات الأجنبية فى مصر التى تبنى مصانع، وتشغل عمالة مصرية، وتصنع منتجات تحت علامة «بكل فخر صنع فى مصر»، ويتم توجيهها لتلبية الطلب المحلى أو التصدير فى الخارج، وهو ما يعزز مكانة الصناعة المصرية فى الأسواق الخارجية.
وتابع: «لدينا نجاحات ملحوظة أيضًا فى هذا المجال، حيث يتجه العديد من مصانع الأجهزة الكهربائية والمنزلية العالمية لتدشين مصانع لها فى مصر، لتكون مركزًا لتلك الصناعة فى قارة إفريقيا، وأيضًا سنلاحظ اهتمامًا واسعًا من شركات المحمول خاصة الصينية لفتح مصانع لها فى مصر».
وشدد على دور رجال الأعمال فى تعزيز الاهتمام بالجودة مقابل سعر مناسب، حتى لا يكون المصرى بديلًا مؤقتًا، وإنما يكون دائمًا للمنتج المستورد، وأيضًا يأخذ حقه فى المنافسة الخارجية. وأشار إلى أنه يتطلب دورًا أيضًا من الحكومة فى توفير الدولار اللازم لاستيراد مكونات الإنتاج اللازمة للصناعة، حتى لا ترتفع تكلفة التصنيع، وبالتالى سعر المنتج.
وذكر أن هناك جهودًا كبيرة لتعميق التصنيع المحلى من خلال زيادة نسبة المكون المحلى فى الصناعة، وهو ما يتطلب تشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة التى يمكنها تصنيع المكونات الوسيطة محليًا، وبالتالى تقليل الاعتماد على المكون المستورد وخفض تكلفة الصناعة، وبالتالى أسعار المنتجات.
وأكد حازم المنوفى، عضو الغرف التجارية، أن الصناعة تعد من أهم الملفات للدول التى تحظى باقتصاد قوى، وهى قاطرة الاقتصاد، وقال: «على كل الدول أن تقوى صناعتها لتعتمد بشكل أكبر على مواردها الأساسية، بحيث تقلل بأكبر قدر ممكن من العمليات الاستيرادية».
وأضاف «المنوفى» أنه لا بد أن تستفيد مصر من الأحداث الجارية بالاعتماد على المنتج المحلى وتعزيز قيمة الصناعة المصرية، موضحًا: «الآن فرصة جيدة للصناعات المصرية لكى تحقق طفرة كبيرة فى الإنتاج، خاصة بعد ما بذلته الحكومة من جهود فى تيسير الرخص الصناعية والحصول على الرخص الذهبية خلال ٤٨ ساعة، وبالتالى تعتبر هذه الفترة جيدة لنمو وازدهار الصناعة المصرية، ويجب أن يستغلها الصناع المصريون لتحقيق أكبر قدر من الإنتاج والاعتماد على المنتج».
بدوره، شدد أنور رحيم، عضو الغرف التجارية السابق، على أنه لا بد أن تحل الحكومة جميع مشاكل الشركات المنتجة والمصانع، وتوفر جميع مستلزمات الإنتاج، لرفع قيمة الإنتاج المحلى، وتغطية السوق للاستغناء عن المنتجات الأجنبية.
وقال: «المواطنون فى الوقت الحالى يبحثون عن المنتجات المصرية، وابتعدوا عن المنتجات المستوردة، ويجب على الحكومة أن تدعم المنتجات الوطنية بشكل أكبر، وذلك عن طريق رفع كمية إنتاجها بتوفير الاعتمادات المستندية والمواد الخام».