رحلة الانتقام
قالوا: «سنقوم ببناء جدار مرعب حول القطاع تحت الأرض بتكلفة ٣ مليارات شيكل، وسنكون فى أمان، سنثق بالعباقرة فى وحدة ٨٢٠٠ وعملاء الشاباك الذين يعرفون كل شىء، وهم سيحذروننا فى الوقت المناسب»، ثم حدث ما لم يكن أى إسرائيلى يتخيليه حتى بينه وبين نفسه!
تبين أن الجدار الأكثر تكلفة فى العالم يمكن لجرافة عادية أن تدمره بسهولة، ويمكن اجتيازه بدراجة نارية، مليارات الشواكل والتكنولوجيا الأكثر حداثة فى العالم لم تمنع بضع مئات من عناصر حركة حماس من الهجوم على إسرائيل.. من كان يتوقع؟.. لا أحد.. حتى حماس نفسها ربما لم تتوقع أن يتم الأمر بهذه السهولة!
الحديث عن الجدار والتحقيقات ومن المخطئ سيأتى لاحقًا فى إسرائيل، الآن العملية العسكرية هى التى تتصدر الأجندة، وبعد أن تنتهى الحرب ستبدأ فى إسرائيل مرحلة التحقيقات والمحاسبة عن خطأ ٧ أكتوبر.
هناك مرحلة أخرى قد تستمر أعوامًا، وربما بدأت مؤخرًا، وهى مرحلة «الانتقام»، كل من تورط فى هجوم ٧ أكتوبر، المخططون، والمنفذون، والمشاركون، حتى الذين سهلوا التنفيذ، الذين أحضروا المعدات، الذى قاموا بالخطف، كلهم.. كلهم سيكونون أهدافًا لإسرائيل لسنوات مقبلة، ستبدأ رحلة انتقام طويلة ومفتوحة فى المطاردة!
تمامًا مثلما طاردوا القادة النازيين لسنوات بعد الهولوكوست، ومثلما طاردوا كل المتورطين فى عملية «ميونخ» هل تتذكرونها؟
فى عام ١٩٧٢ تمكنت منظمة «أيلول الأسود» من الهجوم على قرية الأوليمبياد فى ميونخ التى يوجد بها المتسابقون من كل دول العالم، واستطاعوا خطف ١١ لاعبًا إسرائيليًا، وانتهت العملية بقتلهم، وبدأت إسرائيل رحلة الانتقام خاصتها.
عقدت رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير اجتماعًا مع رئيس الموساد «تسفى زامير»، و«أهارون ياريف» رئيس المخابرات الحربية لبحث عملية إنقاذ الرهائن، تعقدت الأمور، ازدادت سوءًا، عندما طالب الفلسطينيون بتحرير ٣٣٤ سجينًا إسرائيليًا، وهو ما رفضته جولدا التى كانت متمسكة بمبدأ: «عدم التفاوض مع الإرهابيين».
كانت «جولدا» قد قررت الانتقام، وقررت إسرائيل التصرف بمفردها دون أى تعاون من المجتمع الدولى، وتم تشكيل لجنة سرية عرفت باسم «اللجنة إكس» وهدفها هو «اغتيال كل مَن تعاون فى عملية ميونخ» إلى حد أن الموساد نجح فى تجنيد عناصر داخل منظمة أيلول الأسود نفسها.
وعلى مدار سنوات نفذت اللجنة إكس عمليات اغتيالات لكل المتورطين، «وائل زعيتر» وهو شاعر فلسطينى يعمل مترجمًا بالسفارة الليبية، وثبت أنه متورط فى ترتيب الإمدادات لعملية ميونخ، «محمود الهمشرى» حسين أبوالخير»، «باسل القبيسى»، «موسى أبوزياد»، وعلى رأسهم الأمير الأحمر «على حسن سلامة»، وكانوا يطلقون عليهم ١١ رصاصة.. وأثناء اغتيالهم يقول لهم المنفذ: ١١ رصاصة من أجل ١١ لاعبًا.
بعد الحرب، سيأتى موعد عملية «ميونخ ٢». فى هذه الأيام، يدير جهاز الشاباك غرفتَى قيادة وتحكُّم بالتوازى، من أجل صيد الرءوس فى غزة، الغرفة الأولى هدفها يتمثل فى القضاء على مجمل عناصر «حماس» فى غزة، الواحد تلو الآخر، من جميع الرتب، مع التركيز على الأعلى رتبةً.
وفى الغرفة الثانية، يتم التركيز على مطاردة جميع عناصر النخبة الذين شاركوا شخصيًا فى هجوم ٧ أكتوبر، ولهذا الغرض، يتم تحليل جميع الصور ومقاطع الفيديو الكثيرة التى توثّق هذا الهجوم.
كلّ ناشط من ناشطى «حماس» يظهر فى التوثيق، سيُقتل، أو على أقل تقدير، سيتم اعتقاله، عاجلًا أم آجلًا، حتى لو استمرت المطاردة عدة سنوات، لا سيما أن عملية مطاردة المشاركين فى الهجوم بدأت فعلًا من خلال قصف بيوت هؤلاء، حيث قُتل بعض أفراد عائلة إسماعيل هنية، فى قصف طال منزلهم فى رفح. وتدّعى المنظومة الأمنية أن هؤلاء كانوا «ناشطين فى حماس»، وأن ما حدث لم يكن يقتصر على خطوة عقابية ضد هنية فحسب.
قيادات «حماس»: الضيف، وهنية، والسنوار، والعارورى، ومشعل، وغيرهم، لن يكونوا فى أمان، حتى لو كانوا فى بيروت، أو إسطنبول، بغض النظر عن مكان اختبائهم، والوقت اللازم للقضاء عليهم؛ سيكون هناك قانون انتقام لا يحدّه زمن. إن قاعدة البيانات التى تحتوى على أسماء المستهدفين، تُبنى فى هذه اللحظات. سيلحقون بهم لو اختبأوا فى أى حفرة فى هذا العالم.