المُخيرون المُسيرون
التهديد باجتياح غزة بريًا وتسليح المستوطنين (المسلحين) بالفعل وهجومهم على الضفة الغربية رغم أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) و(حركة الحهاد) الإسلامية لا وجود لهما في الضفة وباعتراف بايدن الذي صرح بأن الاعتداء على الضفة فعل أحمق يصب الزيت على النار، ويشعل فتيل الأزمة ويؤجج الأوضاع المشتعلة بالفعل، وقد جاوز وتجاوز الكيان الصهيونى كل الخطوط الحمراء وتمادى في الغلو والتصعيد دون سقف أو أمل في هدنة أو سلام أو إنسانية أو رشد!
فاستهداف الصحفيين عمدًا -هم وذووهم - وقتل الأطفال وجعلهم وقودًا للحرب لا يمكن تمريره أو اعتباره مجرد خطأ غير مقصود أو أنه محض صدفة.. إنه اغتيال عمدي للغد مع سبق الإصرار والترصد، بل والتربص بمستقبل الشعب الفلسطيني وتفريغه من قوته وتدميره للقضاء تمامًا عليه، وليكون مصيره الفناء والعدم، إنها ليست مجرد حرب أو صراع أو خلاف، بل هي رغبة مريضة موتورة هدفها الانتقام من المقاومين في ذويهم وفلذات أكبادهم وطالت الاعتداءات دور العبادة والكنائس والمستشفيات والمدارس والمراكز التابعة للأونروا وهي مؤسسة دولية تتبع الأمم المتحدة.
كل تلك الجرائم والموبقات اقترفتها دولة الكيان الصهيوني التي حولت عمليتها العسكرية إلى مجازر وحرب إبادة لشعب فلسطين المقاوم وأهلنا المحاصرين المرابطين في غزة.
وكل ذلك التشظي والتصعيد قوبل من الجانب المصري بالكثير من الرشد والتأني وممارسة الترقب الحذر، بل والتحذير الواضح والصريح شديد اللهجة والحزم والحسم فيما يخص ثوابتنا الوطنية والإنسانية التي لا تتزعزع بشأن القضية الفلسطينية وهي ثوابت تاريخية والتاريخ خير شاهد عليها.
فمصر لا تفرط ولم تفرط في حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه.. ولا تفرط ولم تفرط أيضًا في شبر واحد من أراضيها، مصر لا تساوم على الأرض ولا تتفاوض عليها، الأرض خط أحمر.. أرض فلسطين خط أحمر وأرض مصر خط أحمر وأرض سيناء خط أحمر.
مصر تتفاوض فقط من أجل السلام ومن أجل التهدئة وعدم التصعيد.. لقد أثبتت مصر في هذه الأيام الحزينة الحاسمة وفي تلك اللحظات الإنسانية الوجودية، أن دورها الإقليمي دور محوري لا يمكن الاستغناء عنه ولا بديل له.. وأنها وسيط عادل ومفاوض متمرس حارب وانتصر وقاوم، ثم فاوض لاستعادة أرضه فجنح للسلام وهو منتصر.. ويسعى دومًا للتهدئة ورأب الصدع والتقريب بين الفرقاء والأطراف المتناحرة دون إفراط أو تفريط.. لقد نجحت مصر في أن تمسك بشعرة معاوية كي لا تقطع أوصال الحوار، بل تجعله دومًا موصولًا.. وفي نفس الوقت - وإن استدعى الأمر- حزمًا وحسمًا نجد ذلك حاضرًا وشيكًا جليًا فصيحًا بلا مواربة أو مداراة ودون أي تنازلات، فإدارة الأزمات فن لا تتقنه سوى الأمم العريقة التي حاربت وفاوضت واستردت حقوقها ولم تفرط أو تكون عرضةً للابتزاز أو التركيع.. مصر لا تبتز ولا تركع غيرها.. ولا يمكن أيضًا ابتزازها أو تركيعها أو حتى تهديدها.. الرد المصري دومًا حاضر قولًا وفعلًا - إن استدعى الأمر - وجيش مصر دومًا على أهبة الاستعداد للدفاع عن أرضه باستبسال.. وكما فعلها جيشنا مرةً فبإمكانه فعلها كل مرة.
ومن منطلق تلك القوة -غير الغاشمة- وغير المعتدية تمارس مصر الآن وبثبات دور الوسيط والمفاوض من أجل حقوق أصحاب الأرض.. فالمصابون والمحتجزون من أهلنا في غزة تضعهم مصر نصب أعينها وهم دومًا على قمة أولوياتها، لذلك سعت سعيًا حثيثًا، وحاربت من أجل إدخال المعونات الإنساتية لغزة وفاوضت ونجحت مفاوضاتها في إرسال شحنات الإغاثة الإنسانية لغزة وكسر الحصار المفروض على أهلنا هناك.. ومرت المساعدات من معبر رفع المصري ومطار العريش في مصر.. وبالأمس تحدث الرئيس الفرنسي ماكرون في لقائه مع الرئيس عبدالفتاح السيسي عن إرساله طائرة فرنسية بها معدات طبية لأهل غزة وسفينة ستتحرك اليوم من ميناء (تولون) الفرنسي.. ودومًا مصر هي المعبر وهي الطريق وشريان الحياة الذي تمر منه مساعدات الإغاثة لأهلنا في غزة.. ولم تقبل أو تخضع مصر لضغوط الكيان الصهيونى لإجهاض ومنع وصول الإمدادات لأهلنا في غزة.. ومن ثم توجهت أنظار العالم كله تجاه مصر بوصفها شريكًا أساسيًا في المفاوضات والوساطة لإحقاق الحق وإحلال السلام -لا الاستسلام - أو الانبطاح للتصعيد والاعتداء الوحشي الذي يمارسه الكيان الصهيونى ليل نهار على شعب فلسطين الصامد الذي لا يهزم ولا يكسر ولا تضعفه الايام ولا تميته المُلمات، بل تحييه ليبقى يقظًا مستفيقًا.. حتى صارت المقاومة جزءًا أصيلًا وأساسيًا في تشكيل وعي ووجدان ومنظومة الحياة والقيم الخاصة بالشخصية الفلسطينية وجزءً أصيلًا أيضًا من وجودها وبقائها وتراثها وثقافتها، إذ تشرّب الفلسطيني فعل وثقافة المقاومة ولم يكن مخيرًا في ذلك بل جبل وأُجبر على الصمود وصد العدوان والاستبسال من أجل أرضه وحقوقه.. وكأن المقاومة قدر لا فكاك منه تمامًا كما أن الوساطة والمساندة والدعم هي قدر مصر التاريخي وخيارها واختيارها الأكيد طوال فترات الصراع الإنساني ضد الصهيونية والمتصهينين المسلحين القتلة الذين يخرجون أصحاب الأرض وأصحاب البيت من بيوتهم.. وإن قاوموا تلك الاعتداءات أصبحوا في نظر المعتدي إرهابيين يمارسون الإرهاب، لإرهاب المحتل! الذي يدك البيوت على رءوس أهلها دون أن تطرف لهم عين أو تأخذهم بالمدنيين والأطفال والنساء أي شفقة في دين الله أو دين الإنسانية، وكل ما جاءت به الرسالات والكتب السماوية لذلك فقد نجد يهودًا يساندون فلسطين ضد الصهيونية ونجد وللأسف من يدعم ويبرر وحشية الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين وشعبها وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم وتساند الصهاينة في اعتداءاتهم! وبالتالي فهي شريك في ذلك الاعتداء.. ولوثت أياديها بدماء المدنيين الأبرياء والأطفال الذين تبيدهم إسرائيل في حرب إبادة حقيقية لا تعرف الرشد أو الرحمة.. وتنسج سلسلة جديدة من المجازر التي تمارس في حق الأبرياء، وتضاف لتاريخ الكيان الصهيونى الدموي والوحشي والذي اعتاد سفك الدماء البريئة وقتل الأطفال لتصفية القضية والقضاء على الغد وأي بارقة أمل.. وطوال أكثر من ٧٠ عامًا راح فيها شهداء أبرار ظل هذا الشعب باقيًا، ولم تستطع الآلة الصهيونية الغاشمة أن تبيده رغم حروب الإبادة التي مارستها.. الآن هناك دومًا من يصد الاعتداءات ويقف أمامها ببسالة وثبات.. ثبات الحق في وجه الباطل، ثبات أصحاب الأرض، ثبات أصحاب الحق وتشبثهم بأرضهم، فلا خيارات أمامهم ولا بدائل، فقد كتبت عليهم المقاومة حتى صارت روتينًا حياتيًا يوميًا.. وتنبض أرض فلسطين بالحياة وتنتصر دومًا للحياة رغم أشباح الموت التي تحيط بها من كل جانب فيدفعها ذلك للتشبث أكثر بالحياة وبالأرض وبالوطن الذي لا ترضى عنه بديلًا ويولي شعبها وجهه لقبلتها.. ففلسطين هي قبلة الفلسطيني والقدس هي عاصمة فلسطين شاء من شاء وأبى من أبى.