ديوان شعر أرعب إسرائيل.. طلعت شاهين يحكى قصة الكتاب الأول على الجبهة
كان المترجم الدكتور طلعت شاهين واحدًا من الذين حاربوا في أكتوبر 73 بعد أن تم تجنيده في عام 1970، وهناك ظروف خاصة أنتج فيها طلعت شاهين أول ديوان شعر له بمشاركة الشاعر الكبير أمجد ريان، وحدث أن وقعت نسخ الكتاب أسيرة في يد العدو الصهيوني، وكانت هناك تحقيقات مع أسرى مصريين بشأن فحوى الكتاب.
في هذه القصة، يقول الدكتور طلعت شاهين: "منذ بداية العام 1971، بدأت في حضور بعض الندوات الأدبية في القاهرة، مستغلاً إجازاتي العسكرية، التي كانت تزيد يومين على زملائي التي نحصل عليهما نحن أبناء محافظتي قنا وأسوان بسبب المسافة بيننا وبين الجبهة. وبفضل ذلك، سنحت لي الفرصة لأخطو أولى خطواتي في القاهرة، كما ساعدني أيضًا نشر بعض قصائدي في مجلة "النصر"، حيث كان الشاعر العامي "مصطفى الشندويلي" يشرف على ملحقها الأدبي.
وكان الشندويلي يعمل متطوعًا في القوات المسلحة برتبة مساعد أو "صول"، وكان معجبًا بالقصائد التي أرسلتها له، وبعد ذلك أصبحنا أصدقاء بعد أن دعاني لزيارته في منزله في جزيرة بدران بالقاهرة.
كما بدأت أيضًا نشر قصائدي في جريدة "المساء"، وذلك بفضل علاقتي بالقاص والروائي الراحل يحيى الطاهر عبد الله. قدمني يحيى الطاهر عبد الله لعراب الأدب في تلك الفترة "عبد الفتاح الجمل". وحصل أول قصائدي التي نُشرت في جريدة "المساء" على مكافأة قدرها 2 جنيه، وكانت هذه المكافأة ثروة صغيرة سمحت لي بدعوة يحيى الطاهر عبد الله لتناول العشاء في مقهى ريش: أكلت اسكالوب بانية وسلاطة، وأعطى له زجاجة بيرة، أما أنا فلم أكن أحب البيرة فشربت عصير المانجو".
ويضيف شاهين لـ"الدستور": "مع الأيام بدأ أسمي يتردد في الأوساط الأدبية بالقاهرة كشاعر جنوبي يحاول أن يضم اسمه إلى أسماء ساطعة في سماء الأدب في ذلك الوقت مثل عبد الرحمن الأبنودي وأمل دنقل ويحيى الطاهر عبد الله وعبد الرحيم منصور، وأتاح لي هذا أيضا أن أتعرف على معظم أبناء جيلي من شعراء السبعينيات، حلمي سالم ومحمود نسيم وعلي قنديل، وكان منهم أمجد ريان القادم من قنا بعد حصوله على الثانوية العامة والتحاقه بالجامعة، فكرنا هو وأنا في طباعة أول ديوان شعري لنا معا، وقتها كانت منتشرا بين الشعراء نشر دواوين مشتركة مع بدايات 1973 فكرنا جديًا في النشر، التكلفة كانت تفوق طاقتنا المادية، وقررنا السير على هدي تجارب من سبقونا بطبع وتوزيع كوبونات بين الأصدقاء يساعدنا عائدها المالي في الطباعة، وتوليت توزيع بعض الكوبونات بين زملائي من مقاتلي الفوج 74، وبعت حوالي 150 نسخة من الكتاب قبل طباعته".
ويواصل: "تولى أمجد ريان مسئولية إعداد القصائد والاتصال بالناشر "محمد الدمياطي- صاحب دار نشر ومطبعة الدار المصرية بشارع قريب من ميدان لاظوغلي بالقاهرة، دار شهيرة في نشر الشعر، أصدرت أعمالا لشعراء كبار أبرزهم العراقي عبد الوهاب البياتي، إلا أن الطباعة تأخرت لاعتراض (الرقابة على الكتب) على قصيدتى (أغنية إلى مايو الحزين) كنت أتحدث فيها عن احتلال فلسطين وإعلان قيام دولة إسرائيل في 15 مايو، رغم وضوح توجه القصيدة وحديثها عن الحدث التاريخي إلا أن الرقيب رفضها لأنه لا يمكن أن يكون مايو حزينا؛ لأنه شهر ثورة التصحيح الساداتية".
ويكمل: "طلبت من قائد الفوج إجازة ليومين لظروف عائلية وذهبت إلى القاهرة وتوجهت إلى مقر الرقابة على الكتب وأنا أرتدي ملابسي العسكرية، أستقبلني مدير الرقابة وقتها، على ما أذكر أن اسمه كان خالد شراب.. نال عضوية مجلس الشعب بعد نصر أكتوبر، ناقشني في موضوع القصيدة وأعلن صراحة إنه يعرف الهدف من القصيدة لكنه لا يجب أن نصف شهر مايو بالشهر "الحزين" وقد قامت فيه ثورة التصحيح. عرضت عليه تغيير عنوان القصيدة لكنه رفض لأن الرقابة أصبح لديها علم بالعنوان القديم، ما بين أخذ ورد اضطررت إلى حذف القصيدة حتى لا ينهار مشروع إصدار الكتاب".
وعن نشر الديوان يقول: "صدر ديواني "أغنيات حب للأرض" منتصف عام 1973 وفي آخر إجازة لي قبل حرب أكتوبر حملت معي 200 نسخة، وزعت على الزملاء الذين دفعوا ثمن نسخهم مقدمة، 150 نسخة، والباقي هدية لبعض الأصدقاء من الجنود ولعدد من الضباط قادة السرايا. احتفظت بما تبقى من نسخ إلى أن بدأت الحرب 6 أكتوبر، وعبرنا إلى شرق القناة، ونسيتها في مقر القيادة بمعسكر حبيب الله بجنيفة".
يكمل: "بعد انتهاء مباحثات الكيلو 101 والتوقيع على أتفاق "فك الاشتباك" وعودتنا إلى قواعدنا القديمة غرب القناة، عادت قيادة الفوج إلى معسكر حبيب الله بالقرب من جنيفة، ثم انتقلنا إلى منطقة المثلث عند مدخل السويس، وانضم إلينا بعض العائدين من الأسر من المقاتلين الذين واجهوا القوات الإسرائيلية في الثغرة، البعض كانوا من قوات المؤخرة الذين تركناهم لحراسة مخازن المهمات".
ويستطرد: "بينهم العريف وجيه، ترزي الفوج، قضى فترة خدمته لا يحمل سلاحا، سلاحه الوحيد هو ماكينة الخياطة. عندما هاجمت القوات الإسرائيلية معسكر حبيب الله، تسلل مع بعض زملائه وساروا على المدقات والدروب المؤدية إلى طريق السويس القاهرة، لكن طائرة استطلاع إسرائيلية رصدت تحركاتهم فحاصرتهم الدبابات والمدرعات في منطقة الجفرة، ولعدم امتلاكهم أسلحة أو ذخيرة اختبأوا في أحد المخابئ القديمة بمواقع الجيش المهجورة حتى أسروا".
ويواصل: "بعد تبادل الأسرى عاد العريف وجيه إلى مقر القيادة بمنطقة المثلث في انتظار التسريح من الخدمة، كان قد قضى فترة التجنيد وأصبح على الاحتياط. جاء لمقابلتي بمكتب التدريب والعمليات، كانت هناك صداقة تربطنا في إطار العلاقات التي كانت تربط العديد من أفراد سرية القيادة، دار الحديث بيننا حول فترة الأسر التي قضاها في المعتقلات الإسرائيلية، والتحقيقات التي أخضعوهم لها في محاولة للحصول على معلومات حول أفراد الفوج ومهماتهم القتالية، أما هو باعتباره ترزيًا فقط لا يفهم سوى في إصلاح أفرولات الجنود، ركزوا أسئلتهم معه حول بعض المهام الإدارية، أمور لا يفهم فيها؛ لأنها ليست من عمله، لكنه أخبرني أن السؤال الذي ألحوا عليه كان حول كتابي "أغنيات حب للأرض"، عثروا على العديد من نسخه في مبيتات الجنود وبين مهماتهم الشخصية، وطلبوا منه أن يدلي ببيانات حول سبب وجود كل هذه النسخ من هذا الكتاب بين مهمات أفراد الفوج الشخصية، ومن بينها نسخة عثروا عليها مع ماكينة الخياطة الخاصة به في غرفته بمعسكر حبيب الله. حاول أن يشرح لهم سبب وجود هذا الكتاب، لكن المحقق أصر على معرفة المزيد عن الكتاب ومؤلفيه، وسبب وجوده بهذا العدد الكبير في مواقع سرايا الفوج المتعددة. قال لي أن تأكيداته للمحقق الإسرائيلي أن مؤلف الكتاب جندي من أفراد سرية القيادة لم تقنعه أبدا، ظل يكرر عليه السؤال، ويلح في طلب معلومات عن مؤلفيه وسبب وجود هذا العدد من النسخ غير المألوف، حسب تعبير المحقق، في مواقع عسكرية بعينها، خاصة أن الكتاب لا يحمل علامات تشير إلى أنه من مطبوعات التوجيه المعنوي للجيش المصري.
ويختتم: "أكد العريف وجيه لي أنه واجه موقفًا صعبًا لأنه شخصيًا لم يكن يفهم كثيرًا في أمور الشعر، وحاول أن يقنع المحقق الإسرائيلي بأنه اشترى نسخة من الكتاب لمساعدة الزميل المؤلف في طباعته، وأنه قرأ الكتاب ولم يفهم الكثير من المكتوب فيه، وأكد لي أنه نتيجة إصرار المحقق الإسرائيلي معرفة المزيد من المعلومات عني وعن زميلي الشاعر الآخر شعر بالخوف أن يكون بالكتاب أشياء تعرضه للخطر. عرفت أيضًا أن أسئلة المحقق الإسرائيلي في معسكر اعتقال الأسرى تكررت مع زملاء آخرين، وأنه يعتقد أن ذلك المحقق لم يقتنع أبدا بإجابات الزملاء. انتشرت أحاديث التحقيقات بين الزملاء حتى أطلق بعضهم على كتابي الشعري "أغنيات حب للأرض" لقب "الكتاب الأسير".
اقرأ أيضًا