"صباح الخير" دون قهوة: أزمة المناخ تضرب مزارع البن حول العالم
ألقت الأزمة الاقتصاديّة وتداعيات التغير المناخي بظلال قاتمة على سوق البن حول العالم وما نجم عنها من ارتفاع في الأسعار، حيث أثّر ذلك سلبًا على مزاج محبّي القهوة.
يستهل ملاييين البشر يومهم حول العالم بمشروبهم المفضل من القهوة خلال الاستمتاع بأوقات فراغهم، حيث يستخدمونه كمحفز للذاكرة والتركيز، لكن هذا الشراب السحري الذي يعشقه الملايين يعاني مؤخرًا من خطر كبير بسبب التغيرات المناخية التي تحدث في الكوكب.
والقهوة كمشروب تعتبر ثاني أكثر سلعة تجارية في العالم بعد النفط، وتشغل نحو 125 مليون شخص في 70 دولة، وتنتج حبوب القهوة من نباتات البن، التي تتطلب بيئة مثالية للغاية للنمو والإزهار، فهذه النباتات تحتاج إلى درجات حرارة معتدلة بين 18 و23 درجة مئوية، وكمية كافية من المطر، وارتفاع محدد فوق سطح البحر، وتربة خصبة.
القهوة في خطر: أرقام مخيفة
ومع تزايد ظاهرة الاحتباس الحراري، التي تسبب ارتفاع درجات الحرارة وتغير نمط الأمطار، بدأت نباتات البن في المعاناة من آثار سلبية عديدة. فالحرارة المرتفعة تؤدي إلى تسارع نضج حبوب القهوة، مما يؤثر على جودتها وطعمها، كما تزيد من خطر انتشار الآفات والأمراض.
أما نقص الماء، فيؤدي إلى تقليل حجم وإنتاجية حبوب القهوة، إضافة إلى أن التغيرات المناخية تؤثر على التوازن البيئي للغابات المطيرة، التي تعتبر ملاذًا للتنوع الحيوي، والتي توفر ظلًا وحماية لنباتات البن.
ووفقًا لدراسات مختلفة، فإن أزمة المناخ قد تقلل من المناطق الأكثر ملاءمة لزراعة البن بنسبة تزيد عن 50% على الصعيد العالمي في الثلاثين عامًا المقبلة، وحاليًا، يتأهب ملايين المزارعين حول العالم بسبب هذه الأزمة المنتظرة، والتي أصبحت آثارها واضحة بصورة كبيرة على مزارع القهوة في كل مكان.
ففي أمريكا اللاتينية، التي تضم خمسة من أكبر عشرة منتجين للبن في العالم، تشير التقارير الصادرة عن بنك التنمية الأمريكي إلى أن آثار تغير المناخ تخلق عاصفة كاملة تهدد الملايين من صغار المنتجين وفي كولومبيا، انخفض إنتاج القهوة بنسبة 31% في 2023 بسبب الجفاف والحرارة.
وفي غواتيمالا، اضطر نحو 70% من مزارعي القهوة إلى هجر أراضيهم بسبب نقص المحاصيل وانتشار مرض "صدأ القهوة"، الذي يصيب أوراق النبات وفي برو، خسر نحو 25% من مزارعي القهوة محاصيلهم بسبب زلزال قوي في عام 2023.
في إفريقيا، تضم 6 دول من أصل عشر دول تزرع أكثر من نصف إنتاج العالم من قهوة أرابيكا التي تعتبر أجود أنواع القهوة يواجه المزارعون تحديات كبيرة بسبب التغيرات المناخية. ففي إثيوبيا، التي تعتبر مهد القهوة، قد تختفي نحو 60% من مساحات زراعة البن بحلول عام 2023.
وفي كينيا، انخفض إنتاج القهوة بأكثر من نصف خلال العقدين الماضيين بسبب ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض كمية الأمطار وفي تنزانيا، تضرر نحو 70% من مزارع القهوة من ظاهرة "الإيل نينو"، التي تسبب فيضانات وجفافًا.
القهوة والمناخ.. علاقة حساسة
أمام هذه الأزمة المستعصية، يحاول بعض المزارعين والخبراء والمؤسسات إيجاد حلول لإنقاذ مستقبل القهوة، ويقول الخبير في مجال البيئة، يحيى عبد الجليل، إن بعض الحلول التي تم اقتراحها لمواجهة أزمة المناخ ومزارع البن، تشمل زراعة أنواع جديدة من البن تقاوم الآفات والأمراض والحرارة العالية، باستخدام تقنيات تحسين السلالات النباتية، بما في ذلك التقنيات النووية.
ويضيف:"من المفترض أيضًا زيادة غطاء الغابات والأشجار، التي توفر ظلًا وحماية لنباتات البن، وتساهم في امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو، وتطوير ممارسات زراعية مستدامة، مثل تحسين إدارة المياه والتربة والأسمدة، وتعزيز التنوع الحيوي والتكيف مع التغيرات المناخية، بالإضافة إلى رفع وعي المستهلكين والمجتمعات بأهمية حماية مصادر القهوة، ودعم المزارعين المحليين، وتشجيع استهلاك القهوة المعتمدة كمنتج عادل وعضوي".
يشير عبد الجليل، لـ "الدستور" إلى إمكانية مساهمة الأفراد في حل هذه المشكلة بطرق مختلفة، ومنها تقليل استهلاك الطاقة والوقود الأحفوري، والتحول إلى مصادر طاقة نظيفة ومتجددة، مثل الطاقة الشمسية والرياح والمياه، بجانب إعادة تدوير النفايات والمواد القابلة للتحلل، وتجنب استخدام المواد البلاستيكية وغيرها من الملوثات.
ويستكمل: "يجب أيضًا دعم المنظمات والحركات البيئية التي تعمل على رفع الوعي بأهمية مكافحة التغيرات المناخية وحماية البيئة، بالإضافة إلى شراء القهوة من المزارعين المحليين أو من المصادر المعتمدة كمنتج عادل وعضوي، والتأكد من أنها تأتي من مناطق زراعية مستدامة، وتشجيع الآخرين على اتباع هذه الخطوات، ونشر المعلومات والحقائق عن أزمة المناخ والقهوة، والمشاركة في الحوارات والنقاشات حول هذا الموضوع".
القهوة في مصر.. مذاق غريب
أزمة المناخ والقهوة لها تأثير سلبي على مصر، خاصة أن القهوة تشكل جزءًا من ثقافة وعادات المصريين، الذين يستهلكونها بشكل يومي، ويستخدمونها كوسيلة للتواصل والترفيه والتحفيز، لذا فإن تدهور مذاق القهوة أو انخفاض توافرها يمثل ضربة لروح المصريين ومزاجهم.
أما بالنسبة لشكاوى المستهلكين من مذاق القهوة الغربي خلال الفترة الماضية وأنها مغشوشة، يقول محمود فؤاد، أحد تجار البن في محافظة الجيزة، إن السبب في حدوث ذلك يعود إلى عدة عوامل، منها:
- استخدام بعض التجار لأنواع رديئة أو منتهية الصلاحية من البن لزيادة هامش الربح.
- استخدام بعض المحامص لإضافات كيميائية أو نباتية لتحسين لون أو رائحة أو طعم البن، مثل السكر أو الشعير أو الذرة أو الملح.
- استخدام بعض المستهلكين لطرق خاطئة في تخزين أو تحضير أو شرب القهوة، مثل تعريضها للحرارة أو الرطوبة أو الأكسجين أو التلوث.
- اختلاف ذوق المستهلكين وتفضيلاتهم في نوع وطريقة وكمية القهوة التي يستهلكونها.
لحل هذه المشكلة، يرى "فؤاد" أنه يجب على المستوردين والتجار والمحامص اتباع معايير الجودة والسلامة في استيراد وتداول وتجهيز وتسويق البن، كما يجب على المستهلكين التثقيف والتوعية بأفضل الممارسات في شراء وحفظ وإعداد واستمتاع بالقهوة
ويختتم:"من المفترض أن يتم تخزين القهوة في علبة غير شفافة محكمة الإغلاق ووضعها في مكان بارد ومظلم وجاف، مثل الثلاجة أو الفريزر، بالإضافة إلى تجنب تعريض القهوة للهواء أو الرطوبة أو الحرارة أو الضوء، لأن هذه العوامل تؤثر على نضارتها ونكهتها، وشراء كميات مناسبة من القهوة المحمصة حديثًا، واستهلاكها في غضون أسبوعين إلى شهر من تاريخ التحميص".