بطولات «المجهولين».. السيناريست محمد السيد عيد: «الجن» دمر مجنزرات العدو بـ«آر بى جى».. و«عبدالعاطى» اصطاد 23 دبابة إسرائيلية
كشف الكاتب والأديب والسيناريست محمد السيد عيد، الذى شارك فى حرب أكتوبر، عن أن إسرائيل كانت تنفذ هجمات ضد المدنيين فى العمق المصرى، وكانت مصر قادرة على أن ترد بالمثل بمهاجمة المدنيين فى إسرائيل، لكنها لم تفعل ذلك رغم قدرتها، ونفذت هجمات ضارية ضد جيش العدو.
وأضاف «عيد»، خلال حواره مع الإعلامى الدكتور محمد الباز، عبر برنامج «الشاهد» على قناة «إكسترا نيوز»، أنه وزملاءه كانوا يقدمون أعمالًا مسرحية للتخفيف عن الجنود فى ظل ضغط الحرب، ونجحت تلك المسرحيات فى تحقيق ذلك الهدف، مطالبًا بإنتاج مزيد من الأعمال عن حرب أكتوبر، وتوثيق بطولات الجنود المصريين فى أعمال سينمائية ودرامية، لتتعرف الأجيال القادمة على تلك التضحيات الكبيرة.
■ بداية.. ما كواليس التحاقك بالقوات المسلحة؟
- تخرجت فى الجامعة عام ١٩٦٩ وفى العام ذاته ذهبت للتجنيد، وهو العام الذى بدأت فيه حرب الاستنزاف، والأجيال الجديدة لا تعرف معنى هذه الحرب، فالمعتاد أن تكون الحرب فى ساحة المعركة، لكن حرب الاستنزاف كانت فى المدن، فقد هاجمت إسرائيل مدننا بالطيران، مثل بحر البقر وأبوزعبل، وأماكن فى الصعيد، وفى أول تجنيدى كان معسكرى فى المعادى، وكانت المنطقة كلها معسكرات للجيش، وتمكنت إسرائيل من تصوير المنطقة بالطائرات، وصدرت أوامر بإخلاء المكان فى ٢٤ ساعة، وكانت هناك عشرات الآلاف من المعدات والعساكر، وكان الإخلاء أشبه بالمعجزة، فقد تم نقل الآلاف إلى منطقة التجنيد بجوار نادى الرماية خلال ٢٤ ساعة، ولم يكن المكان مؤهلًا لاستقبال أحد، وتم التعايش مع الأمر حتى تم تحويل المكان إلى منطقة آدمية.
وبدأت عملى مراقبًا جويًا، ومعى معدة، وكانت مهمتى إنذار المعسكر فى حالة وجود غارة جوية، وفى أثناء خدمتى، كنا فى مكان مرتفع ووجدت شيئًا أبيض ظهر لمدة لحظة، وبعدها بثوانٍ حدثت انفجارات لا حصر لها، لقد كان الطيران الإسرائيلى يحلق على ارتفاع منخفض جدًا، وضرب منطقة دهشور، ولم تقف مصر مكتوفة الأيدى أمام هذا العدوان بل شنت ضربات موجعة للعدو الإسرائيلى الذى كان يوجه ضرباته للمدنيين فى حرب الاستنزاف، لكن مصر لم ترد بضرب المدنيين رغم قدرتها، وعبرنا القناة بكتيبة كاملة من ٣ سرايا، إضافة لقوات الدعم، وهذا أمر غير هين بأن تعبر بنحو ألف جندى، وكان ذلك بعد ٤٠ يومًا على اغتيال الفريق عبدالمنعم رياض، وكان هذا ردًا مباشرًا على اغتياله.
عبرت كتيبة كاملة وذهبت للموقع الذى أطلق النيران منه على عبدالمنعم رياض، وتم تدميره بالكامل ولم ينج من الإسرائيليين أحد، وكان عملًا عظيمًا فقد عادت الكتيبة بعد أن نفذت مهمتها دون خسائر، لدرجة أن إسرائيل لم تستطع أن تعلن عن خسائرها من هذه العملية.
واختلف الكثيرون حول حرب الاستنزاف، حيث قال المشير عبدالغنى الجمسى إنها كانت بمثابة التدريب العملى الذى أجراه الجيش المصرى حتى يتمكن من العبور، وحتى تعلم إسرائيل أنها ستدفع الثمن غاليًا على احتلالها سيناء، بينما قال الفريق محمد فوزى إن إسرائيل كانت متُعنتة وأصرت على التفاوض المباشر مع المصريين، وبعد تكبدها الخسائر فى حرب الاستنزاف قبلت بوقف إطلاق النار، لأنها وجدت أن الجندى المصرى لن يتراجع ولم يستسلم.
وكتبت كتابًا اسمه «ثمن الحرية» عن المحاولات المختلفة لاحتلال مصر فى العصر الحديث، بداية من الحملة الفرنسية، حتى العدوان الإسرائيلى.
■ كيف رأيت فترة الضغط الشعبى لشن الحرب فى عهد الرئيس السادات منذ عام ١٩٧٠ وحتى معركة العبور؟
- كانت هناك طرق عدة للتخفيف من هذا الضغط على الجنود، ومن بينها الاستعانة بالفن، وقدمنا مسرحية كوميدية حين كنا فى قنا، فى هذه الفترة التحقنا بفرقة تدريبية لتخريج عناصر توجيه معنوى متخصصة، وكان من المفترض أن تتم ترقيتى إلى ضابط توجيه معنوى فى القوات المسلحة، لكن بسبب ارتدائى نظارة طبية ترقيت لشاويش، وتم إرسالنا للفرقة الثالثة فى قنا، والتى وقع عليها اعتداء من العدو فى أغسطس ١٩٧٠، وكانت قسوة الحرارة فى هذا الوقت لا تُحتمل، وكان مكان المعسكر مقرًا لسجن قنا، وتضاريس وطبيعة المكان صعبة للغاية، وكان ضابط التوجيه المعنوى، قائد المجموعة، موهوبًا فى الكتابة المسرحية، فقلت له يمكن أن نقدم مسرحية لأفراد الكتيبة، وبالفعل وضعنا إعلانًا للتمثيل، وجاءنا أفراد لا يجيدون القراءة والكتابة، وتم تحفيظهم الأدوار، وتم نصب مسرح بإضاءة بدائية، وكان ضابط الشئون الإدارية فى هذه الكتيبة هو الكابتن حمادة إمام، واصطف الجنود أمام «تبة» بأعداد كبيرة لمشاهدة المسرحية الكوميدية، والتى كان القصد منها إخراج الأفراد من ضغط الحرب، وبالفعل استمتع الجميع وكانت معجزة فى هذه الفترة، وبعد انتهاء فرقة التوجيه المعنوى، تم توزيعى على سلاح الوقود، وكان قائده والد وزير الداخلية الحالى اللواء محمود توفيق، وكان رجلًا عظيمًا ومنضبطًا، ومن خلال سلاح الوقود شاهدت مصر كاملة، لأن إدارة الوقود كانت تجوب كل القواعد والوحدات، وتعمل على رفع الروح المعنوية لكل الأفراد والجنود.
■ من خلال وجودك فى الجيش فى هذه الفترة.. صف لنا استعدادات القوات المسلحة للعبور؟
- يمكن القول إن وقت العبور كان يشبه الإعجاز، فقبل الحرب وصلتنا «كبارى روسية»، لكن جودتها لم تكن مناسبة، ولا يمكن العبور بها، لكن مهندسى الجيش طوروها ببراعة وفى أقل توقيت، ومن بينهم العميد أحمد حمدى، الذى تم تشييد نفق باسمه.
كانت فترة التدريب التى أعدتها لنا القوات المسلحة قبل العبور سببًا رئيسيًا فى أن تكون الحرب سهلة علينا، فقد كانت فترة صعبة وقاسية، وكنا نعيش فى المعسكرات كأننا على الجبهة، وطعامنا لم يزد على بسكوت بالكمون.
■ ما دور أهالى السويس والإسماعيلية فى الدفاع عن مدينتهم ومنع دخول العدو؟
- أهالى السويس والإسماعيلية وقفوا ببسالة ومنعوا خطة العدو الإسرائيلى فى دخول المدينتين لاحتلالهما، فإسرائيل كانت لديها خطة لاحتلال السويس والإسماعيلية، فأرسلت إلى السويس فرقة واحدة بقيادة «شارون»، لكن كانت هناك مجموعة «منظمة سيناء»، ومنها ظهر المواطن إبراهيم سليمان المشهور بـ«الجن»، الذى حصل على سلاح «آر بى جى» من مخزن مستشفى للمصابين، وواجه الدبابات فى السويس، وكان معروفًا وقتها أن أى مصاب يترك سلاحه فى مخزن داخل المستشفى.
وفى الإسماعيلية، أرسلت قوات العدو فرقتين، ولكن كتيبة الصاعقة فى الجيش الثانى بالإسماعيلية نجحت فى تدمير ٥٠ دبابة إسرائيلية، والباقى هرب.
■ صف لنا شكل مدينة السويس عقب العبور.. وكيف عبّر المواطنون عن سعادتهم؟
- فرحة المصريين بالعبور جعلتهم يرسلون هدايا، من أول سجاد الصلاة إلى تعيين الطعام للعساكر على الجبهة، ووصلت إلى مدينة السويس مع إحدى السيارات التى كانت تنقل الهدايا فى أيام الحرب، ولكن اللافت أن المدينة كانت هادئة بشكل غريب، لدرجة أنه يستحيل أن يصدق أحد أنه كانت توجد حرب هنا قبل يومين، وهذا دليل على عظمة الضربة الجوية التى نفذتها القوات المسلحة، ويدل على الإتقان والإبداع المصرى.
■ ما تفاصيل ليلة ٢٤ أكتوبر ١٩٧٣؟
- كانت ليلة من ليالى التاريخ، حيث أصبحت «عيد السويس»، ففيها تقدمت القوات الإسرائيلية، حيث ضرب «عبدالعاطى»، الملقب بصائد الدبابات، ٢٣ دبابة إسرائيلية، وكان «عبدالعاطى» واحدًا من بين الكثيرين الذين ضربوا الدبابات، لذا كانت ليلة ٢٤ أكتوبر مجزرة للدبابات الإسرائيلية.
وعلى الرغم من كل ذلك، ضربت إسرائيل ضربات مؤثرة، وكانت قد وصلت إلى الكيلو ١٠١، فكان ينبغى على المدينة أن تدبر نفسها من أكل وشرب فى ظل هذا الحصار، لكن كل المواطنين والمسئولين بالمدينة كانوا على مستوى المسئولية، حيث نظموا أنفسهم، وكان هناك نقص فى الأدوية وفى الدم، لكن كل ذلك تم احتماله حتى تم فض الاشتباك فى الكيلو ١٠١، وبالتالى لم تسقط المدينة وقاومت مقاومة باسلة.
إن مقاومة أهالى مدينة السويس البواسل كانت معجزة ومنعت سقوط المدينة، وهذا يثبت أن الحرب ليست سلاحًا فقط، وإنما «بنى آدم وإيمان».
أهالى السويس الذين نزلوا من البيوت لم يكونوا مسلحين بأحدث الأسلحة، لكنهم واجهوا القوات الإسرائيلية بما وجدوه أمامهم.
■ الحرب، كما تصفها، لم تقتصر على مشاهد قليلة رآها الناس لكن هناك الكثير من المعارك والتضحيات قدمها الجيش المصرى ولم نجد التوثيق الخاص بهذه الحرب، على سبيل المثال أنت حصلت على جائزة الدولة التشجيعية عن تمثيلية إذاعية، وتحدثت عن الحرب فى مسلسلات إذاعية أيضًا، لكنها لم تُنفذ فى مسلسلات درامية أو أفلام.. ما تفسيرك لهذا؟
- التمثيلية الإذاعية التى حصلت بفضلها على جائزة الدولة التشجيعية حوّلتها إلى فيلم، وكان المخرج نادر جلال، رحمه الله، متحمسًا لها، لدرجة أنه كان يريد أن ينتجها على حسابه، لكن تكلفتها بلغت ٤ ملايين جنيه عام ١٩٩٨، فكانت التكلف مهولة جدًا وبالتالى توقف المشروع.
لجأت للتوثيق عبر المسلسلات الإذاعية لأن التكلفة كانت أقل بكثير، ومن ضمن المشروعات التى أجهضت، أنه كان يوجد رجل مخابرات مسئول عن المقاومة فى سيناء، فى الوقت ما بين ١٩٦٧ و١٩٧٣، اسمه بدر حامد، هذا الرجل كتب روايتين عن عمليات حقيقية، كان هو مسئولًا عنها، وقد أعجبتنى جدًا رواية منهما اسمها «صقر سيناء»، وأعتقد أن الرئيس محمد حسنى مبارك، رحمه الله، عرف بذلك، وفى خطبة من الخطب سنة ٢٠٠٦ تحدث واستنكر عدم تنفيذ أعمال عن حرب أكتوبر، لكن برغم ذلك لم يتم تنفيذ مثل هذه الأعمال.
فيلم «الرصاصة لا تزال فى جيبى» تم تصويره أثناء حرب أكتوبر، والرئيس السادات كان يعى أهمية الإعلام والسينما والمسرح، وأنا بداياتى فى القاهرة مع الحياة الأدبية بدأت من خلال مجلة السينما والمسرح، حيث كنت فى ذلك التوقيت أكتب عن المسرح، وكان المسرح خلال هذا التوقيت يتحدث كله عن الحرب، وبالتالى فإن السينما والمسرح والأدباء قدموا روايات وقصصًا قصيرة، وأعمال عظيمة كان يجب أن تقدم، وقد كتبت عن جزء كبير من كل هذا.
إن حرب أكتوبر عمل عظيم جدًا، لا يمكن التعبير عنه من خلال عمل فنى واحد وإنما من خلال مجموعة من الأعمال، لكن للأسف نحن لم نفعل ذلك.
يجب أن يتم تنفيذ أعمال فنية مدروسة، ويجب أن تشارك فيها القوات المسلحة بالتفكير والتنفيذ، على سبيل المثال كان هناك شخص زميلنا فى سلاح المهندسين وكان فنانًا جميلًا اسمه أحمد ماضى، وقد كان ضابطًا مسئولًا عن فتح ثغرة فى خط بارليف، وقد كتب هذا الحدث فى رواية ونشرها فى «الأهرام» فى صفحة الجمعة، وكانت شيئًا بديعًا جدًا، وكان اسمها «الممر» لأنه نفذ ممرًا حقيقيًا، وقد كتبها سنة ١٩٧٣ أثناء الحرب.
ما الخطوات التى يجب تنفيذها ليكون هناك تخليد كامل لحرب أكتوبر العظيمة؟
- أدعو الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية إلى أن تعطى اهتمامًا كاملًا لإنتاج مجموعة أفلام عن حرب أكتوبر ١٩٧٣، كما أدعو هيئة الكتاب وقصور الثقافة لتبنى مشروع خاص بنشر أعمال خاصة عن حرب أكتوبر.
وكان توجد بالفعل سلسلة يقدمها جمال الغيطانى اسمها «أدب الحرب»، أرجو أن تعود مرة أخرى ونستعيد هذه الأعمال ونواصل نشر المزيد من الأعمال الجديدة، وهذا فى تصورى هو السبيل الأفضل لتوثيق الأعمال التى تمت أدبيًا وفنيًا، لأننا نهتم بأن تعرف الأجيال الجديدة ما حدث فى حرب أكتوبر، حيث تعتبر هذه الحرب فاصلة بشكل كبير جدًا فى تاريخ مصر، وهى مثل معركتى «حطين» و«عين جالوت»، هى حرب خالدة ستبقى على مر الأيام، ولا بد أن نوثقها للأجيال القادمة.