فى مئوية ميلاده.. "وثائق هيكل" بين مقصلة قانون الوثائق وسندان الجماعة الإرهابية
“وما أظن كاتبًا صحفيًا منذ عرفت الصحافة فى مصرعندما صدرت التنبيه فى عهد الحملة الفرنسية، ثم الوقائع فى عهد محمد على، قد استقطب كل هذا الاهتمام مثل محمد حسنين هيكل.. فهيكل شخصية أحاطت بها علامات الاستفهام ومازالت، وله أنصار وخصوم”، هكذا تحدث أحمد حمروش أحد أشهر مؤرخي المدرسة العسكرية.
مع اقتراب ذكرى مئوية ميلاد محمد حسنين هيكل (23 سبتمبر 1923 –17 فبراير 2016) أحد أشهر الصحفيين العرب والمصريين في القرن العشرين؛ يكاد يكون من المتفق عليه أن "هيكل" هو الصحفي الأكثر تأثيرًا في العمل الصحفي في مصر والعالم العربي خلال الستين عامًا الأخيرة، كما أنه - بالدرجة نفسها - الكاتب السياسي الأكثر تأثيرًا في الفكر والحياة السياسية فى الفترة ذاتها، وذلك ليس فقط لإنتاجه الصحفي خلال تلك الفترة، وليس فقط للدور الذي لعبه في تحويل مؤسسة الأهرام من مؤسسة خاسرة معرضة للإغلاق إلى صرح من أكبر صروح الصحافة العالمية؛ وإنما – أيضاً- للمكانة المرموقة التي حظي بها إلي جوار الرئيس جمال عبد الناصر- الشخصية الأكثر تأثيراً في العالم العربي في القرن العشرين حسب رأي عدد كبير من الأكاديميين والعامة.
وأهلت تلك المكانة "هيكل" للعب أدوار سياسية في عهد جمال عبد الناصر وخلفه الرئيس السادات، كما كلفت له شهرة عالمية باعتباره (موضوع) الثقة و(الناطق الرسمي) بلسان عبد الناصر، وهي الشهرة التي دعمها باتصالاته الواسعة مع نجوم الصحافة ووسائل الإعلام العالمية، وهو أيضًا الكاتب الأكثر إثارة للجدل فى تلك السنوات، وحتى الآن، بحسب الباحث يحيى حسن عمر فى كتاب "كتابات هيكل بين المصداقية والموضوعية" الصادر عن دار العربي للنشر 2019.
هيكل ومدرسة الكتابة التاريخية غير الأكاديمية
فى كلمته أمام ندوة "الالتزام والموضوعية فى كتابة تاريخ مصر المعاصر1919-1952" التى عُقدت عام 1979، أشار الدكتور عبد العظيم رمضان إلى ما أسماه: المدارس غير الأكاديمية فى الكتابة التاريخية، وذكر منها أربع مدارس، هى مدرسة الحزب الوطني يمثلها عبد الرحمن الرافعي، وصبرى أبو المجد، وفتحى رضوان، ومدرسة التفسير المادى يمثلها شهدى عطية، رفعت السعيد، صلاح عيسى، والمدرسة العسكرية يمثلها جمال حماد، وأحمد حمروش، أما المدرسة الرابعة فيمكن إطلاق اسم المدرسة الصحفية عليها؛ نظرًا لأن الذين قدموا دراسات فيها هم من الصحفيون، ويمثلها بالدرجة الأولى محسن محمد، وموسى صبري، ومحمد حسنين هيكل، وهم أغزر هذه المدرسة إنتاجًا، وأكثرهم اعتمادًا على التوثيق، وإن كان اعتماد محسن محمد على الوثائق البريطانية غير المنشورة يعطى أعماله أهمية خاصة، كما أن خلو عرضه فى الكتابة التاريخية من الأهداف السياسية - التي تميز أعمال الآخرين - يجعل كتابته أقرب إلى منهج البحث التاريخي من الأعمال الأخرى.
وثائق مجهولة فى حيازته من ناصر تظهر فى عهد السادات
وشيف رمضان: “أما حديثي عن هيكل فى ميدان الكلمة فأنا أعتقد أن هيكل ظل لفترة طويلة هو القوة التى نتلمس منها أخبارنا من حالك الظلام، ومن هنا جاءت أهميته، وإننى أعتقد أن الأستاذ هيكل نال فرصة فى هذه الفترة، وأنه بالحاسة الصحفية أحسن استغلالها في كل شيء”.
أما حين تصبح الأخبار مشاعة بكل الجرائد على السواء فإن هيكل يفقد أهميته، وقد حاول أن يكون فى العهد الجديد كما كان فى العهد القديم ولكن استحال عليه هذا، فقد رأى عهد السادات أن الجميع عند رئيس الجمهورية يجب أن يكونوا سواء، لا فضل لأحد منهم على الآخر.. هذه الكلمات كتبها ثروت أباظة بجريدة الأهرام فى مقال نشر يوم 19 أبريل 1977 أعتقد أنها كلمات مفتاحية لمسألة بعض الوثائق المجهولة التى أشار إليها فى حديثه مع الرئيس محمد أنور السادات فى كتابه "مبارك وزمانه.. من المنصة الى الميدان" الصادر عن دار الشروق بين صفحات 34 حتى 36.
"هيكل" بين مقصلة قانون الوثائق و"سندان" الجماعة الإرهابية
فى برنامجه الذي قدمه محمد حسنين هيكل على قناة الجزيرة؛ فتح حديث الأستاذ في 13 نوفمبر 2008 قضية الوثائق التي بحوزته في عهد كل من الرئيسين جمال عبد الناصر ومحمد أنور السادات، فقال: "أنا كنت موجودًا كتبت له كل كلمة تقريبًا في خطبه وفي خطاباته العامة للناس كتبت كل رسائله تقريبًا لرؤساء الدول، لكن كان هناك شىء مهم جدًا وهو أنه لم أكتب إلا ما أنا إما مقتنع به أو إما متفق عليه"، وهو الدور الذي ساهم في إتاحة ما في حوزته من وثائق الدولة كان متاحًا، وهو ما دفع الدكتور والمؤرخ عماد أبو غازي في أحد مقالاته الصحفية بتوجيه التساؤل لماذا لم يسلم محمد حسنين هيكل وثائق الدولة لدار الكتب، وهل يحق للأستاذ هيكل أن يحتفظ بهذه الوثائق؟، مشيراً إلى أنه في منتصف سبعينيات القرن الماضي وما حدث من تعديلات لقانون الوثائق أعقبهما ثالث في مطلع الثمانينيات، بتشديد العقوبة لتصل إلى السجن لكل من حاز وثائق سرية بحكم عمله أو آلت إليه بطريق من الطرق وأفشى فحواها، لافتًا إلى أن الهدف من التعديلات منع "هيكل" من نشر ما لديه من وثائق أو الاعتماد على المعلومات الموجودة بها في كتبه؛ خاصة وأنه أشار في أكثر من لقاء إلى أن غالبية الوثائق التي في حوزته توجد خارج مصر، وحتى حريق منزل "هيكل" في قرية برقاش بالجيزة، والذي قضت عليه النيران التي اشتعلت بالتزامن مع فض اعتصامي جماعة الإخوان «رابعة العدوية» و«النهضة»، والذى كانت من أبرز خسائر هذا الحريق مكتبة ضمت (14) ألف كتاب من الذخائر العربية والدولية فى الاستراتيجية والتاريخ والفلسفة والعلوم الإنسانية الأخرى والآداب والفنون، إضافة إلى مجموعات الوثائق الدولية والإقليمية حول مصر وتاريخها المعاصر مرتبة بطريقة علمية، لكل وثيقة ثبت يحدد موقعها وموضوعها، نشر أغلبها فى كتبه، أو استخدمها فى سياقات ما روى.
ما نجا من وثائق "هيكل" ومقتنياته تم تسليمها إلى مكتبة الإسكندرية في فبراير 2022، وتضمن عددا من الخرائط التاريخية النادرة لمصر، وبعض الوثائق المكتوبة بخط يد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وعددا من مسودات كتبه، ومسودات عموده الشهير بالأهرام "بصراحة" بخط يده.