كرهت الحب بسببهم.. حكاية 3 نساء في حياة الشاعر صالح جودت
قال الشاعر الراحل صالح جودت في مقال كتبه في مجلة "الكواكب" بعنوان "لا أحب الحب ولكن أحب الجمال" أريد أن اعترف اعترفًا خطيرًا، لقد فقدت قلبى، فأنا الآن أعيش بغير قلب وأرجو من كل فتاة أو امراة يضعها القدر فى طريقى لا تصدقنى حينما اهمس لها: "إنى أحبك" فقد أصبحت لا أومن بالحب.
شواطئ المنصورة
أضاف جودت، لقد فقدت قلبى، الذى خرج من صدرى، وحلت محله عقدة نفسية صنعتها ثلاث نساء.
الأولى: عرفتها أذ نحن طفلان، هى كانت فى الخامسة، وأنا فى العاشرة وكبرنا، وكبر الحب حتى بلغ مبلغ الشباب كانت جميلة سمراء، وكانت شواطئ المنصورة مسرح حبنا الكبير، ومن حبها أحببت الجمال لاسمر، ووضعته فوق كل ألوان الجمال وحينما ودعت هذه الشواطئ، وقفت أنا جبها قائلا:
آه مما بى، وهل تدرين مابى، يوم ودعتك ودعت شبابى، آين أحلامى على تلك الروابى؟ ذابت الاحلام فى قلبى المذاب لى حبيب فيك افديه بعمرى سمرة النيل على خديه تجرى، هو الهامى وأحلامى وشعرى، ونعيمى بين عينيه وسكرى، كان عند الليلة الظلماء بدرى، وله نجواى فى دنيا اغترابى ياترى يذكرنى بعد الغياب ؟ آه مما بى، وهل تدرين مابى، يوم ودعتك ودعت شبابى.
تمثال جميل
وبقى لهذه الطفلة فى خيالى تمثال جميل، تمثال رائع، كنت أسميه "مثالية الحب" والتقينا بعد ذلك فى القاهرة، وأسنفنا قصة حبنا القديم، فى أفلاطونية لم يعرف مثلها أفلاطون نفسه وحينما همت بأن تقدم أجمل ما عندها لرجل قدمته لرجل غيرى: وانهار التمثال الجميل وانهار معه سحر الجمال الاسمر فى عينى، ومات فى قلبى وكان هذا هو الحجر الأول فى بناء عقدتى النفسية ضد الحب.
الحكاية الثانية
الثانية: جات الثانية، وكانت فى هذه المرأة شقراء، خضراء العينين، ذهبية الشعر وبهرتنى، وبدات ثانية الماسى فى حياتى وأستمعت اليها طويلًا وكانت همانها أعذب من الشعر والذ من الموسيقى وكانت أفكارى تلتقى دائما عند نهاية واحدة وانتهى حديثنا إلى الزواج ورحنا نتصور كل شئ نتصور عشنا على طريق الهرم، وما فيه من أثاث، وما بزينه من ورود وما ينتظرنا من ببنين وبنات وفجأة تلقيت بطاقة دعوة إلى حفلة زفافها، إلى شيخ يكبرها بثلاثين عامًا على الأقل وأذهلتنى قسوة المفاجاة.
ولكنى عرفت بعد ذلك أن هذا الشيخ قد حيب لها الطموح لقد كان وزيرًا فى ذلك العهد، منذ أكثر من عشر سنوات، وقد أعجبتها الفكرة، أن تصبح زوجة وزير، ويقف على بأبها الحراس ذوو الأزرار المهبة، وأن تدعى الى مآدب القصر الملكى: وذهبت مع الربح، تاركة فى أعماقى حجرا ثانيا فى بناء عقدتى النفسية.
المرأة الثالثة في حياة صالح جودت
الثالثة: ثم جاءت الثالثة، وأقول مخلصا أننى لم اتعمد أن أحب الأولى لأنها كانت سمراء ولم أعتمد أن أحب الثانية لانها كانت شقراء ولكن هكذا شاء القدر وكذلك شاء القدر أن تكون الثالثة من لون جديد كانت بين بين، معسولة العينين، كستنالية الشعر وكانت أذكى أمرأة فى الوجود، كانت مثقفة.
تعشق الأدب والموسيقى والشعر
تقرأ ليل نهار، وتعشق الشعر والأدب والموسيقى، ولكن أجمل مافيها انها كانت قوية الالهام ، كل كلمة أو نظرة أو همسة أو خطرة منها كانت هندى ملحمة كاملة: ووقفت عندها أحس اننى استراد كل ما فقدت من عاطفتى وانسانيتى فى الحبين السابقين وذات ليلة، انسربت الى مكان على شاطئ النيل لا خلو إلى نفسى.
لا نظم فيها فيها اجمل أنشودة فى حياتى وجعلت اتخيلها، فاذا بها أمامى وجها لوجه ولكن فى ذراع رجل آخر بعد حب دام خمس سنوات: هكذا انهارت التماثئيل الثلاثة، التى كانت بالصدفة، تمثل كل لون من ألوان الحب وكل لون من ألوان الجمال.
وبعد أفلست معذورًا حينما أقول أننى فقدت قلبى، وأصبحت اطوى صدرى على هرم مندرج من العقد النفسية؟ أجل أننى لم أعد أحب الحب، ولكننى لا زلت أحب الجمال.
اقرأ ايضًا: