الفضيلة والرذيلة عند الشيخ محمد متولي الشعراوي
حثنا القرآن الكريم على الكثير من الفضائل كالصدق والصبر والعدل والإحسان والتسامح والرضا بقضاء الله ونهانا عن الكذب والحقد والحسد والظلم والسخرية والاستهزاء والإفساد في الأرض، وفي السطور التالية نتناول خواطر الشيخ محمد متولى الشعراوي حول الفضيلة والرذيلة:
الصدق
من أسمى الفضائل بل هو أساس كل فضيلة، وعندما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيسرق المؤمن؟ قال نعم، أيزني المؤمن؟ قال نعم، أيكذب المؤمن؟ قال لا، وجاء في الأثر أن رجلًا أتى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: في ثلاث خصال لا أقدر عليها : الأولى النساء والثانية الخمر والثالثة الكذب وقد جئتك في خصلة من الخصال الثلاث أتوب منها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "كن صادقًا وما عليك" ، فلما ألحت عليه خصلة شرب الخمر قال : إن سألني رسول الله اشربت الخمر؟ فماذا أقول؟ لابد أن أصدق القول فامتنع عن شرب الخمر وعندما نظر إلى امراة واشتهاها قال إن سألني رسول الله ماذا فعلت مع النساء؟ فماذا أقول له ؟ لابد أن أقول له الصدق ، فامتنع عن النساء وهكذا منعه الصدق من المعاصي.
الصبر
في البأساء هو الصبر على ما يعتري الإنسان من بؤس أو فقر أما الصبر في الضراء فهو الصبر على آلام البدن من مرض أو علل أو عاهات، والإنسان إذا أصابه الله بابتلاء فلم يتذمر أو يشكو، إنما صبر على ذلك الابتلاء فإن مات غفر الله له وإن عافاه كانت عافيته بلا ذنب، ولكن يجب ألا يستسلم الإنسان للأمراض دون أن يبحث عن علاج لها عند الأطباء، وعلينا أن نأخذ بأسباب الله دون ضجر بما يمر علينا من أحداث الحياة.
التوكل على الله
هو تسليم زمام أمور الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى ثقة منه بحسن تدبيره وهذا هو التوكل المطلق، وطالما أن الله قد أعطى الإنسان الأسباب فعليه أن يأخذ بها ويطلب المعونة من الله بعد أن قام بواجبه على أكمل وجه وأتقن عمله.
البر
البر هو ما اطمأنت إليه نفسك، والإثم هو ما حاك في صدرك وخشيت أن يطلع عليه أحد من الناس، وقد طلب منا الإسلام أن تكون كل حياتنا للخير، وهذا ما يميز المؤمن يقول الله عز وجل (( كانوا يسارعون في الخيرات)) وقال عز وجل ((ومن أحسن قولًا ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين))
كظم الغيظ
يقول الله سبحانه وتعالى في وصف المتقين "الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين"،إن من صفات المتقين كظم الغيظ ، فعندما جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم خبر مقتل عمه حمزة وقالوا له: إن هند انتزعت كبده وأكلته، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل مضغتها؟ فقالوا : لا ، لفظتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما كان الله ليعذب بعض حمزة في النار" لذلك كان لا بد أن تكون كبد حمزة عصية عليها وتلفظها، ولما كان مقتل حمزة رضي الله عنه من المواقف التي سببت ألمًا شديدًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه السلام لإن أظفرني الله بهم لأقتلن منهم سبعين، وهنا جاء قول الحق "والكاظمين الغيظ" وفي ذروة الحدث وقمته ينزل الله على رسوله قرآنا ليرشده ويعلمه وفيه "وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين"
الإحسان
أمرنا الله سبحانه وتعالى بالإحسان للوالدين والأقارب واليتامى والمساكين، الإحسان للوالدين لا يعني مجرد نفقة مادية يؤديها الإنسان على كره منه أو خشية لوم الناس بل يجب الارتفاع بمعاملة الأب والأم إلى مقام الإحسان مرضاة لله تعالى ووفاء بحقهم.
ذوو القربى
إن الإحسان في معاملة ذوي القربى يجعل من المجتمع الإنساني مجتمعًا متكافلًا متآزرًا، فلن يجد فقيرًا يعاني العوز، ولن نجد مسكينًا إلا في أقل القليل، الله جعل رعاية الإنسان لوالديه وأقاربه مسئولية إيمانية، فلو أن رجلًا أعطاه الله المال الكثير وهو حَسِن الإيمان فلن تجد في دائرة القربى له شخص يشكو العوز لأن الارتفاع إلى مقام الإحسان يتطلب من الغني أن يرعى حق الله في ذوي قرباه.
الستر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة" لأن من يعلم أمرًا ما عن إنسان لا يصح أن يفضح ذلك الإنسان فليس هناك معصوم إلا الأنبياء والرسل ولذلك فإن لكل إنسان زلات فإذا رأيت زلة لعالم من العلماء فاسترها حتى ينتفع الناس بعلمه لأنك إن أذعتها انصرف الناس عنه ولم يأخذوا من علمه ما كان يمكن أن ينتفعوا به في الدنيا والآخرة.
الحكمة: هي وضع الشئ في موضعه، فالحكمة في الفقه هو أن تستنبط الحكم الصحيح، والحكمة في الطب أن تعرف تشخيص المرض والدواء المناسب، والحكمة في الهندسة هي إعداد المكان وفقًا للغرض منه فتصميم المنزل السكني يختلف عن تصميم مستشفى، عن ديوان حكومي.
العدل: هو حق في ذمة الغير للغير، وكل إنسان منا لو أدى ما في ذمته من حق للغير لما وجد التشاحن، ولما وجدت الخصومة ولاضرورة في تلك الحالة لوجود المحاكم ومجالس فض المنازعات، والله سبحانه وتعالى يعلم أن خلقه سيطغى بعضهم على بعض لذلك أوجد العدل للقصاص ممن يبغي على غيره وإعطاء كل ذي حق حقه.
قال تعالى "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعمًا يعظكم به إن الله كان سميعًا بصيرًا" ، ولم يقل سبحانه إذا ائتمنتم فأدوا ولكنه سبحانه وتعالى قال "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها"، وقوله تعالى " نعمًا" هي أنه لا يوجد أفضل من نعمة أداء الأمانة والحكم بين الناس بالعدل، فإذا أدى الناس الأمانة فلا نزاع ولا خلاف، وإذا كان المجتمع يقوم على العدل فلن يجرؤ ظالم على الظلم فالذي يغري الناس بالظلم هو أن بعض الأحكام الدنيوية لا تأتي بالعدل، وكلمة " الناس" في أمر الحق سبحانه وتعالى تدل على عدالة الأمر من الله تعالى وهو رب الناس كل الناس ـــ مؤمنهم وكافرهم بارهم وفاجرهم ـــ وكذلك صلة الرحم مطلوبة أيضًا للبار والفاجر، وهذا يدل على سعة رحمة الدين، وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن من يقضي بين الناس أن يسوي بين الخصمين، فلا يكرم واحًدا دون الآخر فينظر لأحدهما بطرف حنان مثلًا وينظر لآخر بجفاء، فالنظرة يجب أن تكون متساوية.
الرضا بقضاء الله: الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الضر كما هو خالق النفع ، والضر يلفت الإنسان إلى نعم الله تعالى عليه ، فإذا ما رضى الإنسان وصبر فإن الله يرفع عنه الضر، فالضر لايستمر على إنسان إلا إذا كان غير راضٍ بقدر الله، ولعل أروع نموذج لذلك قصة سيدنا إبراهيم وولده اسماعيل عندما رأى في المنام أنه يذبح ابنه فلم يلتمس سيدنا إبراهيم عذرًا ليهرب من ابتلاء الله له، وأبلغ ابنه سيدنا اسماعيل بما رأى، فقال سيدنا اسماعيل عليه السلام " يا أبت افعل ما تؤمر"، لقد اشترك الاثنان في قبول قضاء الله برضا وأسلم كل منهما الأمر ورأى الله صدقهما في استقبال امر الله فنادى الحق خليله ابراهيم عليه السلام ((يا إبراهيم، قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين، إن هذا لهو البلاء المبين، وفديناه بذبح عظيم))
وبعد أن استعرضنا عددًا من الفضائل التي حثنا عليها القرآن الكريم، دعنا نلقي نظرة على بعض الرذائل التي نهانا عنها الله عز وجل وأثرها في المجتمع:
الحسد والحقد
إن الحسد والحقد من الشرور غير المرئية التي تتساوى مع الشرور المرئية، أما الحقد فهو جريمة نفسية، الحقد والحسد جرائم التي تسبقها عقوبتها أما الجرائم الأخرى فعقوبتها تتأخر عنها لأن الحاقد قلبه ومشاعره يتمزقان عندما يرى المحقود عليه في خير لذلك جاء في الأثر "حسبك من الحاسد أنه يغتم وقت سرورك"
الإسراف
إذا أراد إنسان أن يبقي له ما أحل الله إلى أن يأتي أجله فعليه ألا يستبيح أئ شئ حرمه الله وألا يسرف وبذلك يظل مستمتعا بالنعم، وينطبق هذا على الطعام والشراب وكل أوجه الإنفاق.
الظلم
يقول الله تبارك وتعالى "وما ربك بظلام للعبيد" إذن فالإنسان هو الذي يظلم نفسه، ويقول سبحانه وتعالى "إن الله لا يظلم الناس شيئًا ولكن الناس أنفسهم يظلمون"، الظلم ظلمات يوم القيامة .
الغيبة
يروى أن الحسن البصري بلغه أن أحدًا قد اغتابه فأرسل الحسن شخصًا إلى المغتاب ومعه طبق من البلح الرطب وقال لهذا الشخص: اذهب بهذا الطبق إلى فلان وقل له : بلغ الحسن أنك اغتبته بالأمس، وهذا يعني أنك أهديت له حسناتك وحسناتك بلا شك أثمن من هذا الرطب.
الاستهزاء بالناس والسخرية من عيوبهم دليل على عدم تمكن الإيمان من النفس لأن الله خالق لكل البشر وعندما يسخر إنسان ما من عيب في إنسان آخر، فمعنى هذا أنه يسخر من صنعة الله وهذا نوع من الغباء ويجب أن نعرف ان الله قد وزع علينا الصفات والمواهب بدرجات متفاوتة ولكنهم يتساوون معًا في مجموع الصفات.
الإفساد في الأرض
له أمثلة كثيرة، فمن يأكل أموال الناس بالباطل ويكثر من اغتصاب عرق وتعب الآخرين فهذا إنسان لا يطبق منهج الله وهو مفسد في الأرض، وينطبق هذا أيضًا على من يخفي سلعة لها هامش ربح محدود وينكرها ليزيد من ارتفاع الأسعار بما فوق طاقة البشر والمقاول أو المهندس الذي لا يقيم البنيان على أسس سليمة فهو لا يصون حياة البشر الذين يسكنون فيه فهو مفسد في الأرض.هذا إفساد في الأرض والسباك الذي ينفذ شبكة للصرف الصحي في مبنى جديد فلا يتقن صنعته فيفسد المبنى كله، هكذا نجد أن مفسدًا واحدًا او قلة من المفسدين يؤدون إلى افساد المجتمع ككل.