أين تبخرت تهديدات قادة "إيكواس" بالتدخل العسكرى فى النيجر؟
منذ أيام قليلة، توعد قادة مجموعة غرب إفريقيا "إيكواس"، مدعومين من باريس وربما واشنطن، النيجر بالحرب إذا لم يُعد الانقلابيون الرئيس محمد بازوم إلى السلطة.
الليلة في هذه الحالة لا تشبه البارحة، حيث خرج نفس القادة بقرارات جديدة تركز على حل أزمة النيجر بالوسائل السلمية من خلال التفاوض، في تراجع واضح عن التهديد بالتدخل العسكري حتى لو تركوا الباب مفتوحًا أمامه كخيار أخير، فردود الفعل والمخاوف الدولية والإقليمية من إشعال صراع مسلح في الغرب الإفريقي المضطرب ترجح عدم حدوثه.
اقتصرت إجراءات دول مجموعة "إيكواس" على فرض مجموعة من التدابير العقابية، مثل إغلاق الحدود مع النيجر وتجميد أرصدة بعض الانقلابيين. المناورات السياسية خلال "المهلة الفرنسية- الإفريقية" تشير إلى أن ما حدث كان مخططًا له بعناية شديدة حتى إنه لم يترك مجالًا للخطأ. بات واضحا أن نيامي تسير على خطى جيرانها مالي وبوركينا فاسو، نحو التقارب مع روسيا والتحالف مع عدو الغرب فلاديمير بوتين، من أجل اكتساب بعض من الحماية الدولية ضد تحرشات الغرب وتهديداته باستخدام القوة ضد الدول الإفريقية الضعيفة التي ترغب في الانعتاق من علاقات التبعية.
الأسباب التي أدت إلى إفشال التدخل العسكري، على الأقل مؤقتًا، لم تكن مجرد قيود لوجستية وعسكرية للدول الإفريقية المحاذية للنيجر، أو التحالف الذي شكلته مالي وبوركينا فاسو لمواجهة أي عمل عسكري ضد النيجر، أو حتى رفض الجزائر، حليف روسيا الرئيسي، لأي تدخل عسكري في المنطقة، فهناك أيضًا معلومات مسربة من مصادر أمريكية تفيد بأن قادة الانقلاب هددوا بقتل الرئيس المعزول، محمد بازوم، حال بدء أي تدخل عسكري، مستندين إلى وعود بالدعم من قوات فاجنر المتمركزة على مقربة منهم في مالي.
سد الذرائع
تعجيل قادة الانقلاب بتعيين حكومة جديدة أغلبها من المدنيين، يؤكد مقاومتهم للضغوط الغربية وإصرارهم على إكمال الطريق حتى نهايته وفرض أمر واقع على الجميع، خصوصًا فرنسا والولايات المتحدة.
تكليف شخصية مدنية برئاسة الوزراء رسالة واضحة أراد بها قادة الانقلاب إثبات نيتهم في تشكيل حكومة مدنية لسد الذرائع أمام أي تدخل خارجي بدعوى إجهاض تأسيس حكم عسكري في النيجر.
قرار قادة الانقلاب بتعيين الاقتصادي السابق ووزير المالية علي أمين زين، رئيسا للوزراء يشير إلى التفكير المسبق في تعيين شخص مؤهل يكون واجهة مقبولة دوليًا لنظام حكم جديد في النيجر، خصوصًا أن علي أمين زين، المولود في مدينة زيندر جنوب النيجر في عام 1965، درس في المدرسة الوطنية للإدارة في نيامي قبل أن ينضم إلى وزارة الاقتصاد والمالية في عام 1991. ثم انتقل إلى فرنسا، وتخرج في مركز الدراسات المالية والاقتصادية والمصرفية بمرسيليا وكذلك عمله في جامعة باريس لفترة من الزمن، قبل أن يعود إلى النيجر.
شغل زين منصب وزير المالية في النيجر في عام 2002، متألقًا كشخصية اقتصادية نجحت في إدارة ملفات مالية صعبة في إحدى أفقر دول العالم. جاء تعيينه للمنصب بعد وصول الرئيس السابق مامادو تانجا، بهدف تقديمه كوجه مقبول للتواصل مع المجتمع الدولي والعمل على تحسين الوضع الاقتصادي والمالي المتردي في البلاد. في ذلك الوقت، تفاوض علي الأمين زين مع الهيئات الدولية، بما في ذلك صندوق النقد الدولي، لدعم بلده بناءً على عودتها إلى المسار الديمقراطي. في عام 2004، نجح في تخفيض أعباء ديون النيجر بما يقرب من 1.25 مليار دولار بعد جولات طويلة من المفاوضات، حاز خلالها على خبرة واسعة وعلاقات مع المؤسسات الإقليمية والدولية، خصوصًا في منطقة الساحل الإفريقي.
استمر زين في منصبه كوزير للمالية حتى الانقلاب العسكري في 2010 عندما أطاح القائد العسكري سالو جيبو بالرئيس تانجا. ثم خدم مؤخرًا كممثل للبنك الأفريقي للتنمية في تشاد وكوت ديفوار والجابون، بما يعني أنه يتمتع بعلاقات دولية واسعة ومؤثرة.
اليوم يعود زين إلى الواجهة في حكومة النيجر فيما يبدو أنه خطوة مدروسة ومحسوبة، للاستعانة بالشخصيات المؤثرة في إدارة المرحلة الانتقالية للتخفيف من الضغوط التي تواجهها سلطات الانقلاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" ومن الغرب، وخصوصا فرنسا، التي استهدفها المجلس العسكري الحاكم في النيجر بقطع جميع العلاقات معها ووقف تصدير اليورانيوم إليها.
الحقيقة هي أن "إيكواس" لا تملك خيارات كثيرة للضغط على المجلس العسكري في النيجر، ولا توجد رغبة حقيقية للتورط في صراع مسلح مع قوات موالية للانقلاب. فالمنظمة تعاني من نقص في الموارد والإمكانات، وتواجه تحديات أمنية وسياسية كبيرة في منطقة غرب إفريقيا، التي شهدت عدة انقلابات وأزمات في السنوات الأخيرة. كما أن بعض دول "إيكواس" لديها مصالح متضاربة أو علاقات ضعيفة مع النيجر، مما يقلل من حماسها للتضامن مع الحكومة المنتخبة.
ولذلك، فإن تهديدات قادة "إيكواس" بالتدخل العسكري في النيجر تبدو أشبه بالخطاب الرنان من دون مضمون، ولا تستند إلى استراتيجية واضحة أو خطة عمل محددة. فالمنظمة تحاول إظهار قوتها وتأثيرها في المنطقة، ولكنها في الحقيقة تفتقر إلى الصلاحية والشرعية لفرض إرادتها على المجلس العسكري، الذي يحظى بدعم شعبي واسع وبتأييد دولي ضمني. وبالتالي، فإن تهديدات "إيكواس" قد تبخرت في الهواء، ولا يبدو أنها ستغير شيئاً في مسار التطورات في النيجر.