كيف كشفت جدران المقابر الفرعونية عن تفاصيل الحياة فى مصر القديمة؟
أكدت مجلة "آي إف إل ساينس" البريطانية أن جدران المقابر المصرية القديمة قد تكشف الكثير عن حياة المصريين القدماء، حيث أظهرت رسوم المقابر حياة المتوفيين وأفراد أسرهم المباشرين مشاركين في الأنشطة الدينية، أو الدفن نفسه، أو الولائم والصيد.
وتابعت أن العديد من هذه المقابر نُهبت في العصور القديمة وما بعدها، أو تم التنقيب عنها تقريبًا بواسطة صائدي الكنوز الأجانب وعلماء الآثار الأوائل، ونتيجة لذلك، تعرض الكثير من الزخارف المطلية للتلف، على الرغم من الحفاظ عليها جيدًا في البيئة القاحلة.
أسرار جدران المقابر الفرعونية
وأوضحت المجلة البريطانية أنه تم إجراء إعادة بناء وترميم تلك الأجزاء التالفة من الزخرفة المطلية إلى حد كبير من خلال التخمين، ولكن كشفت دراسة جديدة كيف يتم استخدام تقنية تسمى (pXRF) لدراسة المواد القديمة وتحديد بقايا الزخرفة التي إما باهتة أو غير مرئية للعين.
وتابعت أن زخرفة القبور المتقنة المصممة تعكس مكانة واحترام الشخص المتوفى في الداخل، والتي وصلت دقتها إلى الذروة خلال الأسرتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة (1550- 1189 قبل الميلاد) في طيبة القديمة (الأقصر الحديثة)، حيث تم دفن أفراد العائلة المالكة في وادي الملوك ووادي الملكات.
وأضافت أنه تم دفن أعضاء المحكمة وغيرهم من كبار المسئولين في عدة مواقع على الضفة الغربية لنهر النيل، بالقرب من المعابد الجنائزية للملوك الذين خدموهم في الحياة، حيث تم قطع مقابرهم في الصخر، وجدران الغرف الخشنة مغطاة بالجبس لتوفير سطح أملس للسماح للفنانين ورجال الرسم، في نقش الرسومات الرائعة.
وأفادت المجلة بأن الزخارف التي نقشت على الجدران لم تكن أمورًا ثابتة، لكنها تغيرت من الأسرة الثامنة عشرة إلى الأسرة التاسعة عشرة، حيث ركز الأول على المشاهد النابضة بالحياة والمناظر الطبيعية والحياة اليومية، في حين تم تفضيل المشاهد الدينية الأكثر تقشفًا خلال الفترة اللاحقة.
وأشارت إلى أن الدهانات التي استخدمها قدماء المصريين كانت مصنوعة من المعادن، وبالتالي لها علامات كيميائية محددة، حيث تم الحصول على اللون الأصفر، على سبيل المثال، من خلال طحن مادة كبريتيد الزرنيخ، في حين يمكن إنشاء الصباغ الأزرق باستخدام كلوريد النحاس المائي، والأحمر بأكسيد الحديد، وباستخدام تقنية الـ(pXRF)، يمكن للعلماء استخدام هذه العلامات الكيميائية في الأصباغ لإنشاء خريطة للمناطق التالفة.
وأوضحت أن مجالات علم الآثار وعلم المصريات تتمتع بتاريخ طويل في استخدام الأدوات والتقنيات التي طورتها التخصصات الأخرى، حيث تم تطوير XRF وpXRF في أوائل القرن العشرين بواسطة الفيزيائي هنري موسلي، حيث يقيسان الأشعة السينية الثانوية المنبعثة من مادة عند قصفها بالأشعة السينية الأولية، حيث يمكن بعد ذلك استخدام هذه الإشارات لتحديد التركيب العنصري للمادة.
وتابعت أنه بدلًا من المعدات التحليلية الضخمة (وغير المتحركة) المستخدمة بشكل متكرر لدراسة القطع الأثرية في المختبرات، فإن المعدات اللازمة لإجراء تحليل pXRF تزن بضعة كيلوجرامات فقط ويمكن نقلها بسهولة، وبينما تم استخدام pXRF في الماضي لتحديد التركيب الكيميائي للسيراميك والمعادن، استخدمه مشروع بحث دولي جديد برئاسة فيليب مارتينيز من جامعة السوربون لتحليل اللوحات المعقدة والجميلة الموجودة في مقابر النبلاء المصريين.
وأضافت المجلة أن هذه العملية ليست مفيدة فقط في إعادة بناء المقاطع التالفة، بل لديها أيضًا القدرة على إلقاء الضوء على عناصر التقنية الفنية، وفي مقبرة الأسرة الثامنة عشرة التابعة لمشرف حقول آمون، منه (TT69)، حدد الفريق ذراعًا شبحية على صورة صاحب المقبرة.
هذه الذراع الثالثة، التي كانت من الممكن أن تكون غير مرئية عندما تم الانتهاء من القبر لأول مرة، هى نتيجة لتغيير في موقف الشخص، تم إجراؤه لأسباب غير معروفة من قبل الرسامين، وبهذه الطريقة، يمكن للتقنية إظهار مراحل الزخرفة والاختيارات الفنية أو الجمالية التي قام بها الفنانون منذ آلاف السنين، بالإضافة إلى أن الفريق حلل صورة لرمسيس الثاني عثر عليها في مقبرة نخت آمون، والتي يرجع تاريخها تقليديًا إلى الأسرة التاسعة عشرة.
واحتوت اللوحة على العديد من التعديلات الدقيقة، بما في ذلك شكل الصولجان الملكي الذي يحمله الحاكم، ربما تم تغيير القلادة التي يرتديها الملك أيضًا، وهذا التغيير، كما يدعي الفريق الذي يقف وراء المشروع، قد تكون له أهمية في تأريخ القبر.
وأوضحت المجلة أنه يتم دمج التحليل العلمي بشكل متزايد في معظم جوانب البحث في علم المصريات من تحليل المواد للأصباغ والسيراميك والمعادن والخشب، إلى التحليل الطيفي للبرديات المصرية القديمة.