فى ذكرى رحيله.. محمد البساطى يرصد المشهد العام بـ"عين مفتوحة على آخرها"
بيوت وراء الأشجار، صخب البحيرة، ويأتي القطار، التاجر والنقاش، أصوات الليل، ساعة مغرب، ضوء ضعيف لا يكشف شيئًا، منحني النهر، جوع، دق الطبول، وغيرها من الأعمال الإبداعية الأدبية التي قدمها إلى المكتبة العربية الكاتب محمد البساطي، والذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم من العام 2012.
وفي مقال له بجريدة السفير، يقول الروائي اللبناني عباس بيضون عن البساطي: “لا أخفي أنني من محبي أدب البساطي، منذ قرأت له المقهى الزجاجي في كتاب حوى روايتين معًا، حتى آخر ما قرأت له، وقد يكون (الخالدية)، وهى رواية فانتازية قلما نجد لها موازيًا في أدبنا الروائي”.
أضاف: “أنا معجب بالبساطي وقد يكون سبب إعجابي أن البساطي يتميز بخاصتين هما السلاسة والبناء، خاصتان قلما نجدهما في أعمالنا الروائية التي نجد فيها خيالاً ونجد فيها مقدرة على السرد ونجد فيها، وخاصة في الرواية المصرية، قدرة على إدارة الحوار وعلى التقاط الحكايات الأخاذة، لكن قدرة البساطي على البناء وعلى تحويل روايته التي هى في العادة قصيرة إلى تحفة. مقدرة تخصّه وحده ونحن طالما افتقدنا في الرواية العربية هذه المقدرة، بل نحن نفتقد في الرواية هذه الشاعرية التي جعلت من البساطي شاعر الرواية بحق”.
بينما يذهب الناقد دكتور صبري حافظ، في دراسته المعنونة بـ"قصص البساطي القصيرة.. استعارات شفيفة للواقع وشعرية القص"، إلى أن محمد البساطي: تبدو عنده القصص القصيرة عادةـ وفي كثير من مجموعاته القصصية المختلفةـ وكأنها قصص لا يحدث فيها شىء، ولكنك ما إن تتأملها قليلًا، وتربط بين خيوطها حتى تدرك أنها عامرة بالأحداث، ومترعة بالرؤى والإيحاءات. فمنطق شبكة العلاقات التي تربط جزئيات كل قصة هو منطق هذه اللحظات «ساعة مغرب» التي يشف فيها الضوء، وتشف معه الكتابة عن نوع فريد من الشعر هو شعر القصة القصيرة في أكثر حالاتها تألقًا وثراءً بالدلالات، فقصص هذه المجموعة حريصة على أن ينهض منطق الإبلاغ فيها على الإيماءات العابرة التي تتحول معها اللغة إلى شفرة خاصة مثقلة بدلالات غير دلالاتها القاموسية المألوفة، وعلى أن يكون لتجاور الجزئيات فيها منطق الجدل الخلاق، وليس مجرد التتابع السببي أو التراكم الآلي المألوف.
ــ كل إبداعاته تصلح للسينما
أما الناقد السينمائي كمال رمزي، فيذكر بمقاله في رثاء محمد البساطي: “كل إبداعاته تصلح للسينما: اختيار موفق، مصرى تمامًا، لموضوعات تتعانق فيها قضايا وطن منهك بمتاعب بشر يتشبثون بالحياة. يرصد، بعين مفتوحة على آخرها، المشهد العام، بإيحاءاته، تكويناته، ألوانه. نظرة واحدة، شاملة، سريعة، دقيقة، محايدة وموحية فى آن.. ثم، بعد سطور قليلة، تنتقل العين اليقظة إلى قلب الواقع، وتتابع، حركة أبطاله، ليست المادية فحسب، بل الداخلية أيضًا، فبينما يرسم، بعباراته القصيرة، شكل نماذجه، بملابسهم، وطريقة مشيتهم، وأسلوب حديثهم، يبنى بجلاء، أحاسيسهم، ذكرياتهم، نواياهم.. يستوى فى هذا شخصياته الأساسية والثانوية، ذات الملامح الخاصة التى لا تختلط مع غيرها”.