"أمواج قاتلة".. كيف أثّرت التغيرات المناخية على حركة التيارات المائية وأوقعت المزيد من الغرقى؟
ارتفع في الفترة الأخيرة عدد حالات الغرقى على شواطئ المحافظات الساحلية، وخصيصًا المطلة على البحر المتوسط مثل محافظة الإسكندرية ومرسى مطروح، بفعل التغيرات المناخية، وما أحدثته من تأثير في تغير التيارات المائية، وذلك في الوقت الذي يعتبر المواطنون تلك المحافظات بشواطئها ملاذا للهروب من درجات الحرارة المرتفعة فيصطدموا بمصير أسود تفرضه عليهم تلك التغيرات ألا وهو "الغرق".
العام الماضي وخلال 4 أيام فقط هم عطلة عيد الأضحى، شهدت شواطئ الإسكندرية مصرع 52 شخصًا غرقًا بسبب شدة الأمواج، وزيادة السحب، فيما لقي 7 أشخاص مصرعهم إثر وقوع 5 حوادث غرق في شواطئ مدينة مرسى مطروح والساحل الشمالي، وذلك خلال الفترة ذاتها، بينما تم إنقاذ 52 شخصًا من الغرق ببحر رأس البر مطلع هذا العام.
وفي دراسة حديثة نشرت مؤخرًا في دورية "نيتشرز كوميونيكيشنز"، أظهرت وجود علاقة طردية بين سلوك أمواج البحار والمحيطات والتغيرات المناخية، فكلما ارتفعت درجة الحرارة، أصبحت الأمواج أكثر قوة وتدميرًا، لذا فإن الارتفاع المطرد في مستوى سطح البحر يضع المناطق الساحلية على خط المواجهة مع تأثيرات تغير المناخ، ويجعل احتمالات التعرض أكثر لمخاطر الغرق، وأثبتت الدراسة أنه قد ارتفعت الأمواج في المدة بين 2008 و 2017 عالميًا بنسبة 0.47% سنويًا.
حسب تقرير منظمة الأمم المتحدة ارتفع متوسط درجة الحرارة العالمية بنحو 1.1 إلى 1.2 درجة منذ انطلاق النشاط الصناعي.
مدير معهد بحوث الشواطئ: ارتفاع درجة حرارة الأرض أدى إلى زيادة منسوب مياه البحر
أكد الدكتور أيمن عبد المنعم الجمل مدير معهد بحوث الشواطئ في حديثه "للدستور" لـ “الدستور” أن هناك علاقة طردية بين ارتفاع سطح البحر، وما يسمى بموجات السحب داخل البحر والمتسببة في وقوع المزيد من الغرقى، وهو ما نتج عنه زيادة أعداد الغرقى في الشواطيء المصرية في السنوات الأخيرة.
وضرب بذلك مثلًا ما يحدث في شاطئ النخيل من وقوع المزيد من الغرقى كل عام، وكذلك وقوع غرقى بشاطئ الأوبيد بمدينة مرسى مطروح في الفترة الأخيرة على الرغم من المعروف عنه بأنه شاطئ آمن، موضحًا أن ذلك بسبب زيادة موجات السحب الناتجة عن ارتفاع منسوب مياه البحر نتيجة ارتفاع درجات الحرارة.
تابع أن واحدًا من آثار التغيرات المناخية على البيئة البحرية كذلك هو زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون الذي يتسبب في ارتفاع نسبة حموضة المياه، مشيرًا إلى أن تلك الحموضة تهاجم الكائنات البحرية ذات الطبقات الخارجية المكونة أساسًا من طبقات الكالسيوم مثل "الكابوريا، وأم الخلول، والعديد من الكائنات الصدفية، والتي أصبحت طبقتها الخارجية ضعيفة بفعل هذه الحموضة التي عملت على تآكل طبقة الكالسيوم الخارجية، بل أدى الأمر كذلك إلى اختفاء بعض أنواع الأسماك، وهو ما أثر أيضًا على عمل الصيادين.
حسب مركز الدراسات الإفريقية شهدت السواحل الأفريقية ارتفاعًا مطردًا في مستويات سطح البحر على مدى أربعة عقود و أكد الخبراء أنه إذا استمر الوضع بتلك الوتيرة فمن المتوقع أن ترتفع مستويات سطح البحر بمقدار ٠.٣ متر بحلول عام ٢٠٣٠، وهو الأمر الذي سيؤثر على نحو ١١٧ مليون شخص في إفريقيا.
مستشار أمين عام اتحاد خبراء البيئة العرب: الارتفاع في مستوى البحر تسبب في تكون الدوامات وأثر على أعداد الغرقى
من جهته، أكد الدكتور مجدي علام مستشار أمين عام اتحاد خبراء البيئة العرب في حديثه "للدستور" أنه قد حدث تآكل في القطب الشمالي بمعدل 4 سنتيمتر، وهو ما تسبب في رفع مستوى البحر بمعدل 40 سنتيمتر في مياه المحيط الأطلنطي بعد ذوبان الجليد نتيجة ارتفاع درجة حرارة الأرض.
وتابع أن هذا الارتفاع في مستوى سطح البحر تسبب في غرق جزء من الشواطئ التي كانت صالحة للترفيه والسباحة، مشيرًا إلى أن ذلك تسبب في زيادة حدة الأعاصير فأصبحت أكثر عنفًا، مما نتج عنه تكون العديد من الدوامات العنيفة بالبحر المتوسط، وهو ما جعل المواطنين يشعرون بالعنف الزائد في التيارات البحرية، وكذلك الهوائية، وهو ما تسبب في ارتفاع نسب وقوع الغرقى في هذه المناطق، مشيرًا إلى أن خطورة كل شاطئ تختلف حسب شدة تلك التيارات التي تكونت به.
وأضاف علام أن التغيرات المناخية، وما نتج عنها من تغير في التيارات المائية تسببت كذلك في تقلص الشاطئ الرملي بشكل واضح، وتكون العديد من الجزر الرملية مما دفع بحكومات العديد من الدول المطلة على شاطئ البحر المتوسط مثل مصر والمغرب والجزائر تقوم بأعمال الردم المختلفة لشواطئها وبناء العديد من الحواجز لمنع الأمواج من إغراق الشواطئ.
وأشار الخبير البيئي إلى أن مصر تكلفت حوالي 250 مليون دولار لكي تحافظ على صيانة الشواطئ من العريش إلى السلوم، إذ أن البحر المتوسط يحتل مساحة كبيرة من شواطئها.
حسب تقرير التنمية البشرية الصادر عام 2021 عن وزارة التخطيط المصرية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإنه بحلول عام 2050 قد يرتفع منسوب البحر المتوسط بمقدار متر واحد وذلك نتيجة الاحترار العالمي، وهو ما ينتج عنه غمر بعض المدن الصناعية وعدد من المدن ذات الأهمية الكبيرة مثل مدن: "الإسكندرية ودمياط ورشيد وبورسعيد".
صياد: "العواصف والرياح أخفت السمك من شباكنا"
فوزي سمير أحد صيادي قرية شنوفا التابعة لمركز شبين الكوم تسببت التيارات المائية المتزايدة بفعل ارتفاع الأمواج الناتج عن ارتفاع درجة حرارة البحر في تعطيل عمله وبالتالي التأثير على مصدر رزقه.
ويقول "الحركة في المياه نتيجة الأمواج والعواصف بتخلي السمك يمسك القاع وبيخلينا ما بنلاقيش السمك"، ويوضح أن العواصف والرياح الزائدة الناتجة عن التغير في المناخ تسبب حدوث العديد من التيارات المائية العنيفة التي بدورها ينتج عنها اختفاء الأسماك، مشيرًا إلى أن الأسماك تفضل السباحة إلى قاع البحر في حال حدوث ذبذبات أو تيارات، بينما تطفو إلى السطح كلما ثبتت حركة مياه البحر، وأكد فوزي أن هذا واحدًا من أهم الأسباب التي تجعل الصيادين غير قادرين على صيد كميات كبيرة من الأسماك.
أشار إلى أن فترات النوه تعد من أكثر الفترات التي فيها يتوقف الصيادون عن العمل نتيجة قلة الأسماك لافتًا إلى أنه قد شهدت السنوات الأخيرة تغير في مواعيد بعض هذه النوات، وكذلك اختلاف في شدتها إذ أصبحت أكثر عنفًا الأمر الذي أثر هو الأخر على عملهم.
منقذ: "التغيرات المناخية تسببت في وقوع العديد من الغرقى وتضاعفت العبء علينا"
من جانبه، قال محمد فوزي أحد المنقذين بمنطقة الغردقة أن السنوات الأخيرة شهدت العديد من حالات الغرق في عدد من الشواطئ، مرجعًا السبب الأول إلى عدم تمكن الكثير من المواطنين من السباحة، وبالتالي عدم قدرتهم على التكيف مع النتائج التي قد أحدثتها التغيرات المناخية على مياه البحار وتياراتها، مشيرًا إلى أن تلك النتائج أصبحت واضحة للعيان ولا يمكن إنكارها.
وأكد أن هذا الأمر لم يزيد فقط من عدد ضحايا الغرق، بل أنه في الوقت ذاته ضاعف العبء على المنقذين خاصة مع قلة أعدادهم، وضعف أدواتهم مشيرًا إلى ضرورة الاهتمام بدور المنقذ المهم على الشواطئ خاصة في الفترات القادمة، إذ أنه في ظل التغيرات التي يشهدها المناخ والتي تنعكس على البحار وشواطئها، يتطلب الأمر إلى تواجد العديد من المنقذين المدربين على أعلى مستوى بكل شاطئ، وذلك منعًا لوقوع المزيد من الضحايا.
أشار تقرير الأمم المتحدة أنه قد ارتفع المتوسط العالمي لمستوى سطح البحر منذ عام 1900 بشكل أسرع من أي قرن سابق خلال الثلاثة آلاف عام الماضية، كذلك ارتفعت درجة حرارة المحيطات العالمية خلال القرن الماضي بشكل أسرع من أي وقت مضى خلال الأحد عشر ألف سنة الماضية.
نائبة برلمان: ارتفاع الأمواج وتغير التيارات قد ينشأ بفعل المصدات
من جهة أخرى، أكدت النائبة شيرين فراج أن التغيرات في التيارات المائية قد لا ترجع فقط إلى التغير المناخي بل أنها قد ترجع إلى كيفية تعامل البشر مع هذا التغير موضحة أن بعض المصدات التي يتم إنشائها قد تتسبب في حد ذاتها في التيارات المائية كما قد تتسبب في زيادة حدتها، وهو ما يمثل خطورة على المصطافين الذين يسبحون في المناطق بين هذه المصدات لافتة إلى أن محاولات معالجة أثر التغيرات المناخية على البيئة البحرية والشواطئ يحتاج إلى المزيد من الدقة في التعامل والوضع في الحسبان الكثير من الحقائق العلمية والمتغيرات لكي لا تأتي بنتيجة عكسية.
أكدت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أنه حتى وإن اقتصر ارتفاع درجة الحرارة العالمية على 1.5 درجة مئوية فسيظل هناك ارتفاع كبير في مستوى سطح البحر وفي حال ارتفعت درجات الحرارة بمقدار درجتين، سيؤدي ذلك إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بشكل هائل.
زيادة عدد سكان المناطق الساحلية مؤشر خطر
وما يزيد من الأمر خطورة أنه حسب مركز الدراسات الإفريقية فإنه يتزامن الارتفاع في مستويات سطح البحر مع الارتفاع الهائل لعدد السكان في المدن الساحلية في إفريقيا، إذ أنه من المتوقع أن يرتفع عدد السكان في أكبر سبع مدن ساحلية في إفريقيا وهي لاغوس ولواندا ودار السلام والإسكندرية وأبيدجان وكيب تاون والدار البيضاء – بنسبة ٤٠ بالمئة في الفترة ما بين عامي ٢٠٢٠ و٢٠٣٠، مما ينذر بوقوع المزيد من الضحايا.
جهود الدولة
من جانبها قامت الدولة بالعديد من الجهود لمواجهة الآثار السلبية للتغيرات المناخية و التصدي لاضطرابات حركة التيارات المائية، وبين أبرز تلك المشروعات الجارى تنفيذها لحماية شواطئ مدينة الإسكندرية مشروع حماية كورنيش وشواطئ المدينة.
أما في مدينة مرسى مطروح تم تنفيذ مشروع حماية وتطوير خليج مدينة مرسي مطروح من خلال عمل ألسنة لحماية المنطقة الجنوبية للخليج وكذلك كورنيش مرسى مطروح من النحر.
كما تقوم وزارة الموارد المائية والرى ممثلة فى الهيئة المصرية العامة لحماية الشواطىء بتنفيذ مشروع للتكيف مع آثار التغيرات المناخية على السواحل الشمالية ودلتا نهر النيل في أوقات النوات في خمس محافظات ساحلية هى (بورسعيد – دمياط – الدقهلية – كفر الشيخ – البحيرة).