"سُرقت فى 2001".. تفاصيل استرداد مصر جداريتين أثريتين من فرنسا بحكم قضائى
كشفت النيابة العامة عن تفاصيل القضية التي صدر فيها حكم قضائي من المحكمة بفرنسا، بملكية الدولة المصرية لجداريتين أثريتين، في قضية دولية لنهب وتهريب الآثار بالعاصمة الفرنسية التي سبق فيها اتهام مدير متحف اللوفر بالعاصمة الفرنسية خلال العام الماضي.
وكشفت النيابة عن تفاصيل القضية، مشيرة إلى أن بعثة المعهد الفرنسي للآثار الشرقية، برئاسة عالم الآثار المصرية الفرنسي فاسييل دوبرييف كانت قد اكتشفت في عام ٢٠٠١ جبانة، يزيد عمرها على أربعة آلاف ومائتي عام، بموقع «تبة الجيش» جنوب منطقة سقارة بمحافظة الجيزة، تضم مقابر لأبرز كهنة الدولة المصرية القديمة، ومنها مقبرة الكاهن «هاو نفر»، أحد نبلاء القصر الملكي للملك «بيبي الأول» ثالث ملوك الأسرة السادسة.
ثم بعد توقفها مع نهاية موسم الحفائر لعدة أشهر وعودتها للعمل مرة أخرى في أكتوبر ٢٠٠٢ تبينت فقد الحجارة المزخرفة لواجهة مقصورة الكاهن المذكور، ورأت كسورًا حديثة بإطار بابها، وفقدًا في أحجار واجهتي مقصورتين أخريين، ما يؤكد انتزاعها جميعًا ونهبها خلال الفترة التي توقفت فيها البعثة عن أعمالها.
ثم عقب مرور نحو 10 سنوات شاهد العالم الفرنسي رئيس البعثة، خلال زيارته متحف الفنون الجميلة بمدينة بودابيست بدولة المجر، عرض ثلاث قطع حجرية من المفقودة من المقبرة التي اكتشفها تحمل جميعها تصويرًا منقوشًا للكاهن «هاو نفر»، كما شاهد في توقيت مقارب بيع حجارة أخرى مماثلة في صالة للمزادات بالعاصمة الفرنسية، ثم في العام التالي شاهد مجموعة أخرى كذلك معروضة للبيع بذات الصالة، فأبلغ النيابة العامة المصرية وسلطات التحقيق الفرنسية بالواقعة، اللتين اتخذتا إجراءات التحقيق الموازية فيها.
وأكد العالم الفرنسي، في شهادته أمام الجهتين، أن القطع المنهوبة التي شاهدها في المجر وباريس من نتاج الاكتشاف الذي توصلت إليه البعثة التي كان يرأسها، وأودع تقريرًا مفصلًا أثبت فيه أنه بإعادته بناء الأحجار التي شاهدها- افتراضيًا باستخدام تقنية حديثة- على واجهة مقصورة مقبرة الكاهن تبين تطابقها تمامًا، وتوافق الكسور فيها مع نظيرتها بباب المقبرة، فضلًا عن مشابهة التطور الخطي للعلامات الهيروغليفية على الأحجار المباعة في باريس لمثيلتها المنقوشة داخل فناء مقصورة الكاهن.
وقد كشفت التحقيقات المجراة في الواقعة أن أحد المتهمين هو تاجر آثار ومدير أحد المعارض الشهيرة بباريس، وسبق له العمل خبيرًا في هذا المجال لدى عدد من هيئات الجمارك، وأنه تمكن من تهريب القطع جميعها التي في المجر وباريس، وادعى على خلاف الحقيقة شراءها من أحد الأشخاص في سويسرا، الذي اشتراها بدوره من سيدة فرنسية في السبعينيات، إذ أكدت التحقيقات كذب أقواله لثبوت تزوير وثيقة البيع التي تحمل إمضاءً منسوبًا للسيدة المذكورة، حيث تبين بمضاهاته بإمضائها الحقيقي على وصية تركتها لأحد ذويها أنه توقيع مزور غير منسوب لها، كما تبين كذلك أن قسيمة شراء المتهم القطع المنهوبة من سويسرا تحمل خطأ في اسم البائع.
وكان مما يؤكد كذلك تزوير مستندات الملكية المدعى بها تلك ما أكده العالم الفرنسي في شهادته أمام جهات التحقيق من عدم توافق تلك المستندات، مع حقيقة ما عثرت عليه البعثة التي كان يرأسها بموقع «تبة الجيش» الأثري، إذ كان يتحتم على من حصل على تلك القطع في السبعينيات أن يحفر حفرة ضخمة على خلاف ما أكدته البعثة من عدم إجراء أي أعمال حفر شرعية أو غير شرعية قبل عام ألفين الذي اكتشفت الموقع فيه، فضلًا عن عثورها في بدايات الحفر على هيكل عظمي بحالة جيدة فوق واجهات المقصورتين المنهوبتين، وهو ما يتنافى مطلقًا مع ادعاء الحصول على تلك القطع في السبعينيات، إذ كان يتحتم على من حفر بالموقع وقتئذ تحطيم هذا الهيكل العظمي لا محالة، وعلى ضوء نتائج التحقيق تلك احتجزت سلطات التحقيق الفرنسية المتهم، وتحفظت على عدد من المعلومات والبيانات والوثائق ضده تمهيدًا لتقديمه للمحاكمة.
وفي إطار التعاون الدولي القضائي بين مصر وفرنسا تلقت السفارة المصرية لدى فرنسا استدعاءً من محكمة باريس لحضور جلسات نظر القضية بعد إحالة المتهم فيها للمحاكمة، باعتبار أن مصر من المتضررين فيها، فوكلت الدولة المصرية محاميًا فرنسيًا ممثلًا عنها في الدعوى للادعاء بالحق المدني فيها، وقد تبين بجلسات المحاكمة اتهام المتهم بإخفائه عمدًا القطع الأثرية المنهوبة على الأراضي الفرنسية مع علمه بأنها جاءت من سرقة تم ارتكابها في مصر، واستخدام مهنته كتاجر للتحف ومدير لمعرض الآثار بباريس لتسهيل عملية الإخفاء، وتزويره مستندات ملكية القطع المنهوبة باستخدام فواتير ومستندات مزورة، وقد تم تداول الدعوى بالجلسات والتي ثبت فيها كذب ادعاءات المتهم ودفاعاته، كما ثبت العثور بحاسبه الآلي على نماذج للمستندات المزورة المشار إليها، وإقراره أمام المحكمة بعلاقته بأحد المتهمين في القضية الدولية المتهم فيها مدير متحف اللوفر، وأن المذكور قد اشترى القطعتين المنهوبتين من قبل.
هذا، وقد قضت المحكمة في أكتوبر عام 2022 بملكية الدولة المصرية للقطع الأثرية المنهوبة، وإدانة المتهم وإلزامه بدفع غرامة وتعويض مالي للدولة المصرية، وأحقيتها في استرداد القطعتين.