سيناريوهات قاتمة.. قوات فاجنر تسلم مواقعها للقوات الشيشانية بسبب أزمة نقص الذخيرة
علق الدكتور أشرف الصباغ، الباحث الأكاديمي فى الشأن الروسي، على تصريحات مجموعة فاجنر العسكرية الروسية الخاصة، حول نيتها تسليم المواقع التي تسيطر عليها في مدينة باخموت شرقي أوكرانيا للقوات الشيشانية، التي يقودها الرئيس رمضان قديروف.
وقال الصباغ من الواضح أن هناك خلافات شديدة الوطأة بين كتائب "فاجنر" وبين قادة الجيش الروسي الأمر الذي يشير إلى أن توقعات المراقبين قد تحققت بشأن طموحات "طباخ بوتين" مؤسس الشركة العسكرية يفجيني بريجوجين الذي يبدو أنه بدأ بتجاوز الخطوط الحمراء وذهب إلى إبداء طموحات سياسية، أي تسييل مكاسبه في الحرب إلى أوراق تقربه من الكرملين، او في أسوأ الأحوال منافسة قادة وزارة الدفاع أبناء المؤسسة العسكرية.
وتابع الصباغ فى تصريحات خاصة لـ"الدستور"، لكن من جهة أخرى، تظهر هذه الخلافات في لحظات مهمة للغاية، وهى اقتراب موعد الهجوم الأوكراني المضاد، تقدم القوات الروسية وكتائب فاجنر في باخموت، اقتراب الاحتفالات واسعة النطاق بأعياد النصر في 9 مايو الجاري.
وأشار الصباغ إلى أنه من الصعب الآن التصديق الكامل لرواية بريجوجين بالانسحاب من باخموت، وتسليم مواقعه للقوات الخاصة الشيشانية التي يطلق عليها "قوات أحمد"، نسبة إلى "أحمد قديروف" والد الرئيس الشيشاني رمضان قديروف.
وأوضح الصباغ أنه من المعروف أن القوات الخاصة الشيشانية مدربة على حرب العصابات، ولديها إمكانيات تدريبية عالية، وكانت كتيبة "فوستوك" الشيشانية من أولى الكتائب التي دخلت جورجيا في أغسطس 2008، إبان الحرب الروسية الجورجية.
وقال إن وزارة الدفاع الروسية يبدو أنها قررت إعادة تموضع قواتها، واستخدام خطط وسيناريوهات مختلفة نسبيا لنفس الأسباب الثلاثة المذكورة أعلاه، وخاصة بعد ما أعلنت عنه موسكو مؤخرا عما أسمته بمحاولة الهجوم على قصر الكرملين واغتيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، موضحا أن إعادة التموضع لا تعني وجود أي صدام بين فاجنر والجيش الروسي على الأقل في المدى القريب.
ولفت إلى أنه من الجائز أن تكون موسكو قد كلفت فاجنر بإجراء عمليات أخرى خارج الحدود لتقلل من سطوتها وطموحاتها في الداخل وتستفيد منها في الخارج، حيث يتواجد مقاتلو هذه الشركة في السودان المشتعل حاليا، وفي ليبيا ومالي وأفريقيا الوسطى وأثيوبيا.
وحول الهجوم الأوكراني المضاد، قال الصباغ لا يزال الحديث يدور حول الهجوم الأوكراني المضاد، المتوقع بعد أيام أو أسابيع بينما الهجوم قد بالفعل بدأ قبل أكثر من أسبوع تقريبا، حيث تقوم القوات الأوكرانية بتوجيه ضربات على عدة محاور في اتجاه المناطق الحدودية الروسية في بيلجورود من ناحية كورسك وفي بريانسك غرب روسيا، وهذه مناطق روسية حدودية مع أوكرانيا كما أن القوات الأوكرانية تقوم بهجمات مكثفة على دونيتسك التي لم تستطع القوات الروسية الاستيلاء عليها بالكامل طوال عام ونصف العام تقريبا من بدء غزو أوكرانيا كل ما فعلته موسكو، هو أنها ضمت دونيتسك إلى قوامها، وبدأت بالترويج لسردية تفيد بأن القوات الأوكرانية تعتدي على أراضي روسيا الاتحادية، بينما لم تسيطر القوات الروسية بعد على أي من المناطق الأربع التي ضمتها (دونيتسك ولوجانسك وزابوروجيه وخيرسون).
وتابع: "في الواقع، يجري الآن الهجوم الأوكراني المضاد الذي بدأ قبل أسبوع على مدينة سيفاستوبول بشبه جزيرة القرم، حيث المقر الرئيسي لأسطول البحر الأسود الروسي، وخلال هذا الأسبوع قامت أوكرانيا بهجومين على سيفاستوبول بطائرات مسيرة، بينما تتواصل هجماتها على دونيتسك ولوجانسك، وتعترف الإدارات التابعة لموسكو في شرق أوكرانيا بزيادة وتيرة الهجمات الأوكرانية لكنها في الوقت نفسه تقلل من حجم الخسائر، او تنفيها تماما وفي 3 مايو الجاري أعلنت موسكو عن هجمات أوكرانية على إقليم "كراسنودار" في الجنوب الروسي وهذا هو الهجوم الثاني خلال الأشهر الأخيرة.
وأكد: أن الهجوم الأوكراني المضاد بدأ بالفعل بوتيرة تدريجية وليس بالإعلان عن بدء حرب جديدة، لأن الحرب متواصلة بالفعل منذ 24 فبراير 2022، وقد تسلمت أوكرانيا خلال شهري مارس وأبريل كافة المعدات والمعلومات اللازمة، بصرف النظر عن المعلومات والأخبار المضللة في وسائل الإعلام.
وقال: لا شك أن الهجوم الأوكراني المضاد الذي بدأ قبل أسبوع من الآن، لا يستهدف هزيمة روسيا هزيمة استراتيجية، ولكنه من جهة أخرى حلقة مؤثرة لاستنزاف القوات الروسية، وتشتيتها على أكثر من محور، ووفق سيناريوهات تجمع بين تكتيكات الحرب النظامية وحرب العصابات والعمليات التخريبية المؤثرة، وهو بالفعل ما يجري الآن إذ تجري عمليات خاطفة في بريانسك لتعطيل شبكات النقل والمواصلات التابعة لوزارة الدفاع الروسية، واستهداف قطارات الشحن التي تنقل الأسلحة والمعدات.
ولفت إلى أنه من المتوقع أن تتزايد وتيرة الهجوم الأوكراني المضاد خلال الأيام المقبلة وفي هذه الحالة قد تعلن روسيا استلاءها على مدينة باخموت بأكبر خسائر ممكنة للجانبين ولكنه سيكون نصرا سياسيا أكثر منه نصرا عسكريا، لأن باخموت لم تعد بتلك الأهمية الاستراتيجية التي يتصورها الكرملين ويروج لها فقد استحدثت أوكرانيا خلال الأشهر الستة الأخيرة طرق إمدادات لقواتها، هذا بالإضافة إلى أن الكرملين يخطط لاحتفالات صاخبة بأعياد النصر في 9 مايو الجاري.
وفي حال اتساع الهجوم الأوكراني المضاد، قال الصباغ إنه على الجانب الأوكراني أن يكون مستعدا لتلقي ضربات انتقامية روسية شديدة الوطأة بأسلحة بعيدة المدى ليس فقط على مناطق قواته في شرق أوكرانيا، ولكن أيضا على العاصمة كييف وضواحيها، وتعطيل شبكات الطاقة والاتصالات وربما طالت الضربات أوديسا جنوبا، ولفوف وضواحيها غربا. وفي الواقع، فمن المتوقع، في حال اتساع الهجوم الأوكراني المضاد أن تستهدف روسيا مؤسسات الحكم والإدارة في أوكرانيا ومثل هذه التحذيرات صدرت قبل أشهر، ووصلت إلى التهديد باستهداف مواقع مركز القرار في كييف.
أما بخصوص قيام روسيا بضرب كييف ومراكز القرار فيها، أوضح الصباغ أن موسكو قد بدأت بالفعل من خلال إعلانها عن قيام القوات الأوكرانية في 3 مايو بمحاولة استهداف مقر إقامة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين بطائرتين مسيرتين وقام الكرملين بنشر لقطات لهجمات الطائرتين الأوكرانيتين المسيرتين، فيما اعتبرت موسكو الهجوم على المقر الرئاسي عملا إرهابيا مخططا، ومحاولة لاغتيال رئيس الدولة، وقالت إنها "تحتفظ بالحق في اتخاذ إجراءات انتقامية أينما وكيفما تراه مناسبا".
وقال الصباغ موسكو تريد أن تقول إن يد أوكرانيا قد وصلت إلى الكرملين مباشرة ومن جهة أخرى، تعلن أن "مقر الرئيس" و"مركز الحكم والقرار" يتعرضان لضربات أوكرانية ومثل هذه "السردية" تبعث على القلق الفعلي وربما تكون بداية رد روسي انتقامي، خاصة وأن بيان الكرملين تحدث عن ذلك صراحة، وقبل 5 أيام فقط من الاحتفال التاريخي الذي يعد له الكرملين، والاستعراضات العسكرية التي ستذكر الروس بانتصارهم في الحرب العالمية الثانية.
الصباغ: القوات الروسية لن تستخدم أي أسلحة نووية لا تكتيكية ولا استراتيجية
وأكد الصباغ أنه من المهم هنا هو الإقرار بأن القوات الروسية لن تستخدم أي أسلحة نووية لا تكتيكية ولا استراتيجية، لان الوقت لا يزال مبكرا سياسيا وعسكريا وإنما ستركز على استخدام صواريخ متوسطة وبعيدة المدى، وستعتمد مبدأ الأرض المحروقة، قائلا "أي أننا سنشهد عمليات تدمير وخراب واسعة النطاق بنتيجة الضربات الروسية الانتقامية وفي الواقع، فقد أعلنت روسيا أكثر من مرة أنها استخدمت صواريخ بعيدة المدى تطلق من السفن والغواصات ومن مواقع بعيدة لضرب أهداف في أوكرانيا غير أن اتساع الهجوم الأوكراني المضاد قد يجبر موسكو على استخدام أسلحة نوعية لتفادي الخسائر في أرواح قواتها.
واختتم الصباغ تصريحاته قائلا "من السابق لأوانه أن تستخدم روسيا أي أسلحة نووية تكتيكية، ولكنها ستكتفي بالتهديدات باستخدامها من جهة لما في ذلك من أدوات ضغط على الرأي العام العالمي وإثارة الفوضى والمخاوف، وبترتيب أوراقها النووية التكتيكية في بيلاروس كأداة ضغط إضافية على الغرب، أما كيف ستتصرف أوكرانيا وكيف ستتحمل وطأة الضربات الانتقامية الروسية في حال تزايد وتيرة الهجوم المضاد، فهذا أمر معقد للغاية، لأن الضربات المتبادلة ستطال مواقع جديدة داخل البلدين، أقاليم روسية حدودية من جهة، والعاصمة كييف وأوديسا ولفوف من جهة أخرى، ما يشير إلى إمكانية توسيع الحرب تدريجيا وتمددها إلى خارج نطاق دونباس وشرق وجنوب أوكرانيا".