فاروق شوشة عن صلاح عبد الصبور: رسم خريطة الشعر العربي
تحل اليوم ذكرى ميلاد الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور، الذي وافته المنية في العام 1981 وهو وفي الخمسين من عمره، بعد أن ترك أعمالًا شعرية ونثرية ومسرحية لا تزال حاضرة إلى اليوم علامة على إبداع كبير خالد.
ترك عبد الصبور ست مجموعات شعرية بارزة هي: "الناس في بلادي"، و"أقول لكم"، و"أحلام الفارس القديم"، و"تأملات في زمن جريح"، و"شجر الليل"، و"الإبحار في الذاكرة"، و"الإبحار في الذاكرة".
وفي الدراسات النقدية كانت له أعمال بارزة من بينها "أصوات العصر"، و"ماذا يبقى منهم للتاريخ"، و"حتى نقهر الموت"، و"قراءة جديدة لشعرنا القديم"، و"حياتي في الشعر"، و"تبقى الكلمة"، و"علي محمود طه"، و"رحلة على الورق"، و"قصة الضمير المصري الحديث"، و"مدينة العشق والحكمة"، و"مشارف الخمسين".
فضلًا عن ذلك، فقد برز عبد الصبور في المسرح الشعري ومن أعماله: "الأميرة تنتظر"، و"مأساة الحلاج "، و"بعد أن يموت الملك"، و"مسافر ليل"، و "ليلى والمجنون".
شاعر رائد ومثقف كبير
في مقال له بجريدة الأهرام، عدد 17 أكتوبر 1999، كتب الشاعر فاروق شوشة مقالًا يستعيد فيه ذكرى الشاعر صلاح عبد الصبور ويذكر القراء بمكانته التي حظي بها في حياته وبأهمية كتاباته الشعرية والنثرية على حد سواء.
قال شوشة: كان وهو ولا يزال بيننا ملء السمع والبصر، لا يكاد يمر يوم إلا والحديث عنه مستمر، شاعرًا رائدًا ومثقفا كبيرًا وإنسانًا رائعًا. وكان هذا الوجود اليومي شهادة للشعر والشعراء، ها هو ذا شاعر كبير يشارك بإبداعه فيرسم خريطة الشعر العربي المعاصر ويضمن لمصر مكانتها المتقدمة والمتميزة ويشيع بكتاباته ومواقفه مناخ الاستنارة وأنوار الوعي الكاشف، ويحفظ على الشاعر صورته الجميلة النبيلة التي لا تناقض شعره ولا تفجع قراءه ومريديه.
رأى شوشة أن صلاح عبد الصبور كان حدثا يوميا، وكان حضوره الإنساني والإبداعي الغامر عصرًا جميلا من تألق التجديد وسقفا سامقا يستظل به الحالمون بميلاد قصيدة جديدة مغايرة والذين يجهدون من أجل تأسيس حياة شعرية تقوم على الاختلاف لا القطيعة وتتكئ على الجدة والأصالة في الموروث الشعري وتندفع إلى أفق معرفي يتجاوز السائد والمألوف ويستكشف معالم الشعرية الراهنة ويراهن على الإبداع الجديد وعلى المستقبل الواعد.
اكتمال صورة المثقف
تابع شوشة: تذكر صلاح عبد الصبور دعوة إلى استدعاء الشعر الحقيقي الذي اغترب طويلا طوال العقدين الأخيرين من الزمان، ودعوة إلى استحضار صورة الشاعر الجميل إنسانًا وفكرا وإبداعًا.
وأضاف: كان صدور الديوان الأول لصلاح عبد الصبور 1957 ميلادا مدويا لشاعرية كبيرة مختلفة، لفتت الانتباه إلى الاسم الجديد الذي يجاوز الأفق الشعري لعلي محمود طه وإبراهيم ناجي ومحمود حسن إسماعيل وعبد الرحمن الخميسي.
ورأى شوشة أن ما بقي من عبد الصبور بعد رحيله يظل كبيرًا جدًا، إذ يبقى منه ريادته في حركة الشعر الحديد وإنجازه المسرحي المتميز الذي مثل نقلة نوعية بعد إنجاز شوقي وعزيز أباطة والشرقاوي، وكذلك كونه اكتمالًا لصورة المثقف التي اختلت عند غيره فجعلتنا نؤثر قراءتهم عن بُعد خشية أن تشوه حقيقتهم البشرية.