سره الباتع.. تفاصيل زيارة مارتان إلى بحيرة قارون بالفيوم أثناء الحملة الفرنسية
عند قدوم الحملة الفرنسية لمصر قاومتهم قبائل البدو بشكل كبير إلا أن هذه العلاقة تغيرت فيما بعد، وهذا ما أوضحه الكاتب حمدى البطران في كتاب"حكايات عابرة" التي رصد فيها جزء كبير عن الحملة الفرنسية ومواقفها والرحالة الذين جاءوا إلى مصر خلال تلك الفترة.
وفي رحلة ترفيهية عام 1800، قام المهندس مارتان، أحد ضباط الحملة الفرنسية من القاهرة إلى الفيوم ومعه معاونه كاريستي والمملوك سليمان الكاشف، للاستمتاع في الدوران حول بحيرة قارون لمعرفة تاريخها واستطلاع جغرافيتها.
إلا أنه كان متخوفًا من المتاعب التي ربما يسببها له البدو المتجولين حول البحيرة، حيث سيصبح هدفا لكل منهم على حده، ونصحه خادمه بعدم الخوض في أي علاقة مع القبائل حتى لا تستهدفه القبيلة الأخرى.
ولكن المهندس ب. ب. مارتان لم يستجب لمطالبته بالبعد عن أحد القبائل، وقام بالتفاوض مع إعرابي آخر هو الشيخ على بن ابو صالح، نجل الشيخ أبو صالح شيخ قبيلة "السمالو"، والتي تحيط مضاربها ببحيرة قارون وإقليم الفيوم كله.
كانت قبيلة السمالو آنذاك تشهد حالة صراع وقتال مع عرب الفرجان في صحراء الإسكندرية والبحيرة من ناحية، ومع عرب الضعفا في بني سويف وقريتي طامية وأبويط من ناحية أخرى، وكانوا يشنون غاراتهم ويسلبون القرى التابعة للسمالو وفي حالة حراك مستمر.
في بداية الأمر، لم يوافق الشيخ على نجل الشيخ أبو صالح على العرض الذي قدمه له المهندس ب. ب. مارتان بمجرد أن عرضه عليه، ولكنه أعطاه مهلة من الوقت كى يفكر، وبعد مشاورته مع قبيلته، اتفقوا على أمر ما أضمره للمهندس.
تفاصيل اللقاء الثاني بين الشيخ على ومارتان
وفي المقابلة الثانية بين الشيخ على والمهندس مارتان، طلب منه الشيخ على أن يجهز ثلاثين جنديا بأسلحتهم من البنادق الحديثة والبارود، ولم يكن الشيخ على وحده الذي حدد مطالب بل قام أيضا المهندس مارتان بإقناع الشيخ علي، بأن يصطحب هو الآخر 30 فارسًا من أبناء قبيلة السمالو أتباع الشيخ على بخيولهم وحرابهم وسيوفهم.
ولكن مارتان قال للشيخ على سأبلغ القيادة وبيننا لقاء، وبالفعل، قابل قائد حامية ولاية الفيوم الفرنسي " الكولونيل ابلير " ودار بينهما حوار بأنه يفتقر إلى القوات اللازمة للمحافظة على بقائه في الإقليم، وعلى ذلك رفض العرض الذي تقدم به مارتان.
وعلى الجانب الآخر، قام الشيخ على بإبلاغ مارتان بأن الدوران حول بحيرة قارون محاط بالمخاطر سواء من العربان أو فلول المماليك، ومع إصرار مارتان القوى وإلحاحه الشديد نزل قائد الحامية على رغبته ووافق على العرض الذي قدمه له.
وعندما تمت الموافقة على ذهاب مارتان إلى رحلة الفيوم لزيارة بحيرة قارون، تحركت الرحلة، يقودها مارتان على فرسه واضعا البرنس الذي يرتديه العرب على ظهره، وغطى رأسه بطربوش، ومنذ رحيل مارتان من الفيوم في صحبة الشيخ على تعامل فرسان السمالو مع القائد الفرنسي مارتان، كما كانوا يتعاملوا مع شيخهم، ونهجوا نفس منهج الشيخ على في سلوكه إزاء لمدبر مارتان كما أطلقوا عليه.
وأثناء الرحلة الترفيهية كان الشيخ علي جنبًا إلى جنب مع المهندس الفرنسي، ولم يكن يتحدث مع أحد غيره، وكان يروى له قصص بهدف التسلية لإرضائه وتشويقه، إلا أن هذه الحكايات كانت مزعجة لمارتان لأنه كان يريد أن ينظر للطبيعة الخلابة ويتأمل في جمال الفيوم.
وعلى الجانب الآخر، كان الفرسان من جانبهم يدخلوا البهجة على قلبه وتسليته، وذلك من خلال افتعال معارك ومبارزات غير حقيقية، وكانوا في نهاية تلك المبارزات ينشدون عليه الأشعار التي لا يفهمها، وكانت مظاهر السرور والبهجة التي يظهرها لهم هي مكافأتهم على تلك البطولات.
وعقب وصول الرحلة إلى قصر قارون، أنبهر مارتان بما رأه من جمال البحيرة فإنها ليست قديمة مثل المعابد الفرعونية، واستمتع بجمال البحيرة، وعرف أن ما حدث من تشويه كان متعمدًا وليس مقصودًا.
وخلال رحلته في الفيوم وجد مارتان أن هناك رحالة آخر هو بوكوك قد حفر اسمه على أنقاض دعامات باب الدخول، فعل نفس الأمر قام مارتان بحفر كلمات تفيد وصوله إلى القصر يوم 17 يناير 1801، كما وجد أن جدران القصر لا تزال منتصبة وقائمة.