«جميلة».. دراما اجتماعية تكشف «عورات الأثرياء»
استطاع مسلسل «جميلة» أن يقدم لنا قضية الصراع المحموم على المال والخلافات على الميراث وتغير النفوس بين أفراد العائلة الواحدة بعد وفاة الأب الثرى والرغبة المحمومة فى الثراء السريع، وأيضًا يكشف تغير النفوس بين الأصدقاء ووجود الأحقاد بينهم رغم ادعاء الصداقة.. وهو مسلسل اجتماعى درامى من إنتاج الشركة المتحدة يظهر عورات فئة من المجتمع، ويعتمد على الإثارة والتشويق.. وفى كل حلقة نكتشف حياة خفية وأسرارًا جديدة للشخصيات فى العائلة التى تدور حولها الأحداث الواحدة تلو الأخرى، وهو يتناول مشاكل الطبقات العليا من المجتمع أو الطبقات الثرية وفئة المتعلمين الأثرياء أو الطامعين فى الثراء على حساب أى شخص وأى شىء حتى لو كان ذلك على حساب الشقيقة أو الابنة، وحينما يبرز المال تتكشف حقيقة العلاقات الهشة فى العائلة الواحدة التى وفر لها الأب الثراء لكنه اكتشف خبايا معيبة لدى أفراد أسرته دون أن يفصح عن ذلك، إلا أنه يقرر أن يترك كل شىء لابنته الصغيرة «جميلة» رئيسة النيابة الإدارية التى تعطف عليه، وحينما يتوفى بعد معاناة طويلة مع المرض يكتشف أفراد الأسرة أن الأب قد كتب لابنته «جميلة» كل شىء من أملاكه بيعًا وشراءً، وهكذا يبدأ الصراع وتحاك المكائد حينما يتم إعلان قرار الأب «صبرى عبدالمنعم» بترك كل ممتلكاته لجميلة فقط.. وهنا تتغير النفوس وتبدأ الخطط الدنيئة مِن كل من هم حول جميلة «ريهام حجاج»، وفى مقدمتهم الأم «سوسن بدر»، وشقيقها «نبيل عيسى»، وشقيقتها، والصديقة المقربة «يسرا اللوزى»، طمعًا فى المال.
ويقع مسلسل «جميلة» فى ٣٠ حلقة حول خلافات ومكائد الميراث.. كما يتناول أيضًا صورًا مختلفة من الانحرافات بداخل طبقات الأثرياء، وفى مقدمة الانحرافات شهيرة «سوسن بدر» صاحبة المدرسة وأم جميلة، وهى لديها ماضٍ ملىء بالخبايا التى لا يعرفها أحد، وزوج شقيقة جميلة المحامى شريف «هشام إسماعيل»، وهو محامٍ فاسد يحيك المكائد للاستيلاء على أموال زوجته وعلى الميراث، والشقيق «نبيل عيسى» فاسد وضائع ويلعب القمار، وهناك علاقة حب بين أم جميلة ورجل أعمال متزوج «سامح الصريطى»، ولا توجد شخصية سوية وعاقلة سوى جميلة وزوجها الطبيب زياد «الفنان هانى عادل».. وجميلة هى أصغر الأبناء الثلاثة وتعمل فى النيابة الإدارية وهى الوحيدة التى لديها قيم ولديها قدرة على أن تعيش بشكل سوى، ولكنها أيضًا تكشر عن أنيابها حينما تواجه المشاكل والصراعات بين أفراد عائلتها.
وهنا نرى مسلسلًا اجتماعيًا دراميًا تتصاعد فيه الأحداث وتمتلئ الحلقات بالمكائد والخيانة بين الصديقات وبين الأصدقاء، وتتصاعد الخيانات من كل جانب بين الفئات، فنرى خيانة الصديق للصديق، والصديقة للصديقة، وحب المال والطمع فيه، وخيانة الزوج لزوجته، وكلها علاقات مليئة بالطمع والخيانة.. وفى هذا المسلسل نكتشف أن المال يؤدى إلى نوع من قتامة الحياة ولا يجلب سوى الصراعات والمكائد وتقسيم الإخوة وكشف نفسيات وعيوب وعورات كل منهم.. بشكل عام تدور الأحداث فى إطار من التشويق الإثارة وبعض الأكشن، لكنه بشكل عام اجتماعى درامى ويعتمد على المكائد والمؤامرات والصراعات بين الشخصيات والخيانات المتعددة.
ويضم فريق العمل عددًا من الأسماء المعروفة، فتقوم ببطولة «جميلة»، الدور الرئيسى فيه، الفنانة ريهام حجاج رئيسة نيابة إدارية، بينما تشاركها البطولة الفنانة سوسن بدور رئيسى، حيث تقوم بدور والدتها صاحبة المدرسة، ويقوم بدور زوجها الفنان هانى عادل، وتقوم بدور زوجته السابقة عبير صبرى، ويقوم بدور شقيقها نبيل عيسى «أكرم»، وأختها ريم عادل.. كما يشارك فى البطولة الفنان سامح الصريطى الذى على علاقة غرامية مع والدة جميلة، وتقوم يسرا اللوزى بدور صديقتها التى تخطط المكائد لها، التى تعتبر توليفة من الشر وانعدام الأخلاق.
الفنانة ريهام حجاج تبدو لنا فى أداء متميز وسلس عن السنوات السابقة، وتبدأ فى تثبيت أقدامها كبطلة صاعدة فى عالم الدراما، وهذا المسلسل يبشر بأدوار أخرى مختلفة لها حتى لا تعزل نفسها فى دور الشابة الثرية، الذى سبق أن قدمته من قبل فى مسلسلين طوال العامين الماضيين، وهذا العام أعطى المخرج مساحات أكبر لفريق العمل ككل، مثل الفنانة عبير صبرى «نيرمين» المطلقة أم الولد الغيورة التى تخطط للعودة لزوجها السابق د. زياد بكل الطرق السيئة والمنحرفة، التى تسيطر عليها الغيرة والحقد، وتشعل الصراعات وتلجأ للأكاذيب التى لا تنتهى، وهى صديقة خائنة لصديقتها السيئة الفاقدة للقيم يسرا اللوزى «شيرى» التى تجسد الحقد والوصولية وانعدام الضمير، وهى فى نفس الوقت صديقة للاثنتين «جميلة» وطليقة الدكتور زياد «نيرمين»، ولكنها خائنة للاثنتين، والفنانة يسرا اللوزى فى هذا المسلسل تغير من جلدها وتحاول تجسيد الشر والمكائد، ولكن ملامح وجهها البريئة كانت فى حاجة إلى مكياج مختلف وستايل مختلف فى طريقة الملابس لإظهار حقد الشخصية وشرورها، وإظهار تعبيرات الشر بصورة ملائمة للشخصية، وإن كنت أرى أنه أتاح إظهار قدرات أكبر لها كممثلة ذات ملامح بريئة، ويسرا اللوزى كانت فى حاجة إلى إضافة بعض الإيماءات والسلوكيات التى تناسب الشخصية، وأجد نفسى هنا أتذكر أسلوب فنانات الزمن القديم اللاتى جسدن الشر، مثل لولا صدقى وغيرها ممن كُنّ يتوحدن مع الدور منذ اللحظة الأولى.. محمد وفيق، زوج شيرى صديقة البطلة، يجسده بإتقان، وهو دور طبيب أمراض النساء والخصوبة، لكن للأسف يظهر الطبيب على أنه محتال وخائن لزوجته مع صديقتها المنحرفة «نيرمين»، وهو كتلة متحركة من العُقد النفسية وزير نساء بشكل فج وفيه كل العبر والعيوب والانحرافات إلى أقصى درجة، ومحمد وفيق جسد الدور بشكل جعل المشاهد يصدقه.
أما سوسن بدر فهى أستاذة تمثيل أعطى وجودها ثقلًا للمسلسل فى دور أم جميلة الكاذبة ذات الأطماع اللا نهائية والقدرة على ارتكاب الجرائم البشعة واستخدام كل الطرق غير المشروعة من أجل الثراء وتحقيق أغراضها الملتوية، وهى هاربة من جذورها الصعيدية إلى حد أنها تحولت إلى مديرة مدرسة قوية أنيقة فى القاهرة، وفى شخصية زوج الأخت «شريف» يترك الفنان هشام إسماعيل بصمة بإتقانه دور المحامى الفاسد، وقد تقمص دوره إلى حد أن يكرهه المشاهد لشدة وصوليته وتخصصه فى التخطيط للمكائد بدم بارد، وهدفه أن يستولى على أموال وميراث زوجته فقط، وهو كثير المكائد والطمع، لا يكل ولا يمل من الشره للمال. وهناك أدوار لفنانين آخرين تميزوا بأداء طبيعى بلا افتعال مثل الفنان هانى عادل «زياد» الزوج الطبيب المحب لزوجته، الذى يراعى الآخرين، وهو لا يشك فيمن حوله إلا قليلًا، ومنهم الفنانة عبير منير التى غيرت جلدها تمامًا لتجسد ببراعة الزوجة الثرية التى تكتشف خيانة زوجها فتبدأ فى الانتقام لكرامتها منه، خاصة أنه قد استولى على أموالها ليصبح ثريًا، وهى أم لشابين لهذا تتراجع عن فضح زوجها من أجلهما، وفى دور الزوج الخائن والاستغلالى يبرز أداء بارع للفنان سامح الصريطى، الذى يسعى للثراء، وهو يجسد الفساد والأنانية والوصولية بإتقان وبخبرة فنان يجيد التنوع فى أدواره، وهما يشكلان دويتو يعتبر نموذجًا للتلاعب ولهشاشة الزواج حينما يكون لأغراض المصلحة والثراء. والفنانة لطيفة، أم د. زياد، وهى ربة منزل ذات شخصية عاقلة ورزينة، وأدت لطيفة دورها بسلاسة وطبيعية وبتمكن، فأقنعتنى بنموذج للجدة والأم الحديثة الواعية.
القصة لأيمن سلامة الذى يكشف فيها عورات المجتمع والصراع القبيح على المال وفقدان الضمير بين أقرب المقربين، وخلافات الميراث بين الأبناء، وحقد الأصدقاء وخيانة الصديقات والأصدقاء. وهناك بعض الملاحظات لى، ومنها التناقض بين الأم «شهيرة» التى تجسد الانحراف والوصولية والأنانية والشر والقسوة فى أسوأ صورها لتخطيط الأم ضد ابنتها وتفضيلها نفسها قبل أبنائها، وهذا يتناقض مع شخصية الابنة الناجحة فى عملها «جميلة» التى تعمل فى منصب مهم وحساس هو رئيسة نيابة إدارية، وهى زوجة وفية وذات قوة وضمير وذكاء، والوحيدة التى أظهرت التعاطف والوفاء لوالدها المحامى، وهناك بعض التطويل فى الحلقات والمط الذى كان يمكن اختصاره فى مشاهد حركة وإثارة، وهناك مشاهد غابت رغم أهميتها، مثل مشهد اللقاء بين شريف، زوج الابنة الكبرى، والزوج السابق للأم واكتشاف الحقيقة، ثم مشهد عنيف فجأة لزوج الابنة «شريف» وهو يطرد ويطلق زوجته لاكتشافه خبايا حياة عائلتهم، ومشهد طبيعى للأم التى تحدثه بمنتهى الود رغم إساءة معاملة ابنتها وطردها وتطليقها وحرمانها من ابنتها.
ثم يجىء دور الإخراج للمخرج سامح عبدالعزيز، وهو مخرج متميز، وهو هنا يلجأ لأسلوب هادئ فى تحريك الكاميرا لتناسب التصوير داخل البيوت، وإن افتقد المسلسل، رغم تميزه، المشاهد الخارجية فمعظم الأحداث تدور فى بيوت مغلقة أو مكاتب مغلقة، وكنت أتمنى أن يخرج قليلًا بالكاميرا.. وإجمالًا فإن المسلسل استطاع أن ينجح فى جذب المشاهد لمتابعته ومشاهدة كل حلقاته.