رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جعفر العمدة.. سحر ثيمة الانتقام

لا صوت يعلو فوق صوت خروج (جعفر العمدة) من السجن في مصر. أحداث مسلسل الفنان محمد رمضان تتصاعد وحانت اللحظة الحاسمة التي ينتظرها الملايين "الانتقام"!.

ومع تجمع الناس أمام الشاشة لمشاهدة الحلقة (21) صدموا بالأحداث المتتابعة، حيث قرر (جعفر العمدة) الصلح مع (عائلة فتح الله)، ليثير الفعل دهشة كثيرين ورغم أن حبكة المخرج والمؤلف محمد سامي كلاسيكية، لكنّ تأخير الانتقام لم يحظ بالترحيب.

يحاول المؤلف توضيح المعنى أكثر بإظهار رفض أسرة جعفر العمدة لقراره التصالح والسعي لتحفيزه على الانتقام، جملة قولها البطل: "ما ينوب اللي يقطف الفاكهة قبل أوانها غير مساخة طعمها وحشرجة زوره".

في 2020 محمد سامي كرر خلطته في مسلسل "رضوان البرنس" لمحمد رمضان أيضا، وحصد مشهد الانتقام وضرب محمد رمضان لكل من أحمد زاهر ومحمد علاء ملايين المشاهدات بعد أن انتظره المشاهدون لأكثر من 20 حلقة.

روايات عالمية أيضا كان الانتقام ثيمتها الرئيسية، ففي "مرتفعات ويذيرنج"‏ الرواية الوحيدة للكاتبة البريطانية إيميلي برونتي، والتي نشرت أول مرة عام 1847 تحت اسم مستعار هو إيليس بيل، تعرض قصة عاصفة للانتقام بيم كاثرين إيرنشو وعشيقها وشقيقها هيثكليف.

الانتقام حبكة أدبية كلاسيكية تجذب العقول وتلفت الأنظار، فيها يتعرض البطل لظلم بيّن ويسعى للانتقام من الخصوم، ولكن بغض النظر عن دوافع البطل، وهدفه، وتأثير ملاحقته على الشخصيات الأخرى، فإن جميع حكايات الانتقام تلقي الضوء على الدمار الناتج عن أفعال البطل من فقدان أخلاقه إلى الثمن الذي قد يدفعه هو والآخرون.

حكايات الثأر خلطة بين المتعة والوجع، في فيلم Troy الأمريكي الذي أنتج عام 2004، يجسد أبطال العمل ملحمة هوميروس الإلياذة، والتي تحكي قصة حصار طروادة، حيث كوّن الملك مينلاوس جيشا عظيما وحاصر طروادة واندلعت حرب طويلة انتقاما من باريس الذي اختطف زوجه هيلين.

والانتقام سلوك بشري منذ القدم، وحاول مخرجون في أعمال أدبية وسينمائية وتلفزيونية توظيفه ومنهم محمد سامي، لكن لماذا يبحث المشاهدون عن الانتقام، وما الذي يمنح الإنسان شعورا أفضل الغفران أم الانتقام؟.


في مجلة "الشخصية وعلم النفس الاجتماعي" العلمية الشهرية والتي تنشرها الرابطة الأمريكية لعلم النفس التي تأسست في عام 1965، نشر بحث يتحدث عن فوائد التسامح مقابل الانتقام في إصلاح إحساس الفرد بذاته بعد تجربة تجريد من الإنسانية أو إيذاء.


تعرض الدراسة مفاهميم دينية عديدة كرست لضرورة العفو لإحلال السلام، تقول كارينا شومان، المؤلفة الرئيسية للبحث من جامعة بيتسبرج الأمريكية، إن مسامحة الشخص المعتدي من شأنه أن يمكّن الضحايا من إعادة إضفاء الطابع الإنساني على أنفسهم بعد تجربة الإيذاء.

ولاختبار هذه النظرية، قام الباحثون بتقسيم المشاركين في البحث بشكل عشوائي إلى مجموعتين، تخيلت إحدى المجموعات نفسها في تفاعل محايد مع زميل، وتخيلت المجموعة الأخرى تعرضها للإهانة من قبل زميل، ثم خيّرت إما مسامحة الزميل أو الانتقام منه، اعتمادًا على السيناريو الذي تلقوه.

ووجدوا أن المشاركين الذين قرروا الانتقام من الزميل ظلوا في حالة منزوعة الإنسانية (على سبيل المثال، صنفوا أنفسهم على أنهم أقل دقة وعاطفية وذكاء، وأكثر سطحية وبرودة وحيوانية) مقارنة بأولئك الذين تسامحوا.

من ناحية أخرى، شعر المشاركون الذين تخيلوا مسامحة زميلهم بأنهم بشر، تقول شومان: "يشير هذا النمط من النتائج إلى أن التسامح يمكن أن يعيد الإنسانية بالكامل للضحايا بعد أن تضرر إحساسهم بالإنسانية بسبب الجريمة التي حدثت".

وتشير المؤلفة إلى أن "الأشخاص الذين سامحوا شعروا بأنهم تصرفوا وفقًا للقيم الأخلاقية، والتي بدورها سمحت لهم بالشعور بإعادة الإنسانية".

وتشير الفوائد التي رأيناها في هذه النتائج النهائية إلى أن إعادة إضفاء الطابع الإنساني على الذات من خلال التسامح يمكن أن يكون لها تأثيرات ذات مغزى على كيفية معاملة الناس لأنفسهم والآخرين.