"شيعه المصريون بالقمصان السمر".. بماذا وصفت لوسي دوف جنازة أجنبي في رمضان؟
في أوائل القرن التاسع عشر ازدادت الرحلات إلى مصر بشكل كبير، وذلك بعد أن نشر علماء الحملة الفرنسية كتابهم "وصف مصر" وتولي محمد على حكم مصر، وكان من بين تلك الكتب كتاب "رسائل من مصر" ويعتبر من الكتب القيمة، للكاتبة لوسى دوف جوردون، وهو النسخة الأصلية المترجمة حرفيًا للكتاب الأصلي والتي قام بترجمتها الروائي إبراهيم عبد المجيد، وصدرت عن دار الياسمين للنشر.
ومن أجل تدوين كافة التفاصيل التي جاءت في الكتاب أقامت مؤلفته لوسي دوف جوردون، في مصر 7 سنوات في الفترة من 1863 حتى 1869، وهى إنجليزية من مواليد عام 1821، بحسب ما رصده كتاب "حكايات عابرة" للكاتب حمدى البطران.
وقد تزوجت لوسي من سير ألكسندر دف جوردون، ومنه أخذت اسمها، وبعد زواجها انتقلت إلى فرنسا، وتعلمت الألمانية والفرنسية، وقطعت شوطًا كبيرًا في قراءة أمهات الكتب، ومنها عن النبي محمد، أصيبت بمرض خطير ونصحها الأطباء بالذهاب إلى بلد جوه معتدل في جنوب أفريقيا ونصحوها بمصر.
تفاصيل كتاب “رسائل من مصر”
وبالفعل جاءت إلى مصر، وكتبت كتابها الشهير "رسائل من مصر" الذي نشره حفيدها عام 1962، وكان عبارة عن عدة رسائل بعثت بها لوسي لزوجها أثناء إقامتها في مصر، وترجمه إلى العربية إبراهيم عبد المجيد.
وصلت لوسي إلى الإسكندرية في أواخر عهد الخديوي سعيد باشا حاكم مصر وقتها ووصلت إلى الأقصر شتاء نفس العام.. واستقرت في بيت اسمه بيت فرنسا بناه هنري سولت القنصل الإنجليزي وأحد مهربي الآثار فوق كومة من الأتربة تغطي معبد الكرنك ويطل على مسجد سيدي أبي الحجاج، وبعد أن استقرت في المنزل بدأت لوسي في الاختلاط بأهالي الأقصر.
أشهر ضيوف لوسي دوف
كان منزل لوسي ملتقى لكثير من العلماء الأجانب الذين يزورون الأقصر، ومنهم شامبليون الذي فك طلاسم اللغة الهيروغليفية، ومارييت عالم الآثار والذي أسس متحف الآثار.
أحبت لوسي الأهالي وتعاطفت معهم، وكتبت إلى زوجها تصف البيت بأنه متسع جدًا، وجدرانه سميكة، طبيعة المعمار المصري الذي لا يستند إلى دعامات إسمنتية، وعندما ساءت حالة البيت في أواخر أيامها كتبت لوسي إلى ابنتها أن البيت بلا أبواب وبلا أثاث، وقد بدأت العصافير تبني فيه أعشاشها، وفي بعض الأحيان تطير فيه الخفافيش.
سماحة المصريين في دفن الأجانب
ومن ضمن الرسائل التي رصدها البطران في كتابه، رسالة لوسي إلى زوجها التي تحكى فيها عن سماحة المصريين التي تجلت في أروع صورها عندما مات رجل إنجليزي صغير السن في أول رمضان ودفن في مقبرة الأجانب، فقالت لوسي واصفة المشهد:
"تعاون المسلمون والأقباط في حمل الغريب المسكين، وكان منظرا يدعو إلى أشد ما تكون الروعة، وسار في الجنازة عدد من الفلاحين في قمصانهم السمر، وجمع كثيف من الأطفال العبابده عراه كما ولدتهم أمهاتهم، ولكنهم كانوا يظهرون الأدب الجم، وقد حركت ملامحهم التي تنبئ عن الأسى ما حركت بنفسي من الشجن أكثر ما حركت.
وتابعت: "وقام عمر وملاحو المركب وهم مسلمون بحمل الفقيد ودفنه في مقبرته، وسألتني امرأة من العبابده: أما زالت أمه على قيد الحياة؟ فهو صغير، قالت ذلك والدموع تنهمر من عينيها.. وقد أخذت بيدي وضمتها إلى صدرها فيا لها من أم تعطف على أم أخري تعيش بعيدًا عنها ويختلف جنس هذه السيدة هذه عن جنس تلك كل الاختلاف".