شيخ الأزهر: قوامة الرجل على المرأة إدارة وليست سيطرة
كشف فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، عن أن المراد بـ"القوامة" في الآية الكريمة "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم"، أن القوامة المحدودة بنطاق إدارة أمور الأسرة، وما تحتاجه من رعاية وحماية، بمعنى أنها قوامة إدارة وتسيير أعمال، وليست قوامة مطلقة على الزوجة لا حدود لها، أو قوامة رئاسة وسيطرة، بل قوامة شورى وشراكة وتوزيع أدوار وتبادل حقوق وواجبات.. مؤكدًا أن أفضلية "القوامة" ليست أفضلية "تشريف"، لكنها أفضلية اختيار للأنسب، والأكثر احتمالًا لمشاق الأسرة، وصبرًا على تكاليفها.
جاء ذلك خلال حديث فضيلة الإمام الأكبر عن مفهوم "القوامة" خلال الحلقة التاسعة من برنامج فضيلته الرمضاني "الإمام الطيب".
وقال شيخ الأزهر إن أول ما يتبادر من الآية الكريمة هو: تقرير مبدأ قوامة الرجال على النساء بعامة، وبما يعني ضمنا قوامة الزوج على الأسرة: زوجة وأولادًا.. مضيفًا أن المتأمل في الآية الكريمة يتضح له أنها عللت اختصاص الرجال بالقوامة دون النساء بسببين؛ أولهما تلك الفروق بين الرجال والنساء في القدرات، والتي ترشح الزوج للفوز بهذا المنصب، ليس لأنه أفضل من زوجته جنسًا أو نوعًا أو دينًا أو خلقًا أو منزلة عند الله أو قدرًا عند الناس، ولكن لصلاحيته لأعباء هذه القيادة، وهذا هو معنى قوله تعالى في الأمر الأول: "بما فضل الله بعضهم على بعض" [النساء: 34].
وأوضح أن السبب الثاني هو ما يوجبه الشرع على الزوج تجاه زوجته من مهر وإنفاق عليها وعلى أبنائها، وواجبات مالية أخرى تستحقها الزوجة شرعًا حال حياته وبعد وفاته، على ما هو مفصل في كتب التشريع، وكما ورد في قوله تعالى "وبما أنفقوا من أموالهم" [النساء: 34].
وأشار فضيلة الإمام الأكبر إلى أن "القوامة" إذا كانت محدودة بنطاق شئون الأسرة؛ فإنها ليست حقًا مطلقًا للزوج، بل هي حق في مقابل واجب وهو: الإنفاق على الزوجة وعلى الأولاد.. مؤكدًا أن واجب الإنفاق هذا ليس أمرًا متروكًا للزوج، إن شاء التزمه، وإن شاء أعفى نفسه منه، بل هو تكليف شرعي مطلوب على سبيل الوجوب، بما يوضح أننا أمام حق هو "القوامة" على الزوجة والأولاد، يقابله واجب هو: إنفاق الزوج عليهم، ولسنا أمام "قوامة" مستحقة للزوج استحقاقًا مطلقًا، أو استحقاقًا ذاتيًا لا يقابله واجب، بدليل أن الزوج لو امتنع عن الإنفاق فإن قوامته على زوجته تسقط من فورها، فيما يذهب إليه كثير من الفقهاء، وللقاضي - حينئد - أن يخير الزوج الممتنع عن الإنفاق بين أمرين لا ثالث لهما: إما الإنفاق أو الطلاق، وأن يطلق عليه زوجته إذا استمر في الامتناع من الإنفاق عليها.
وأعرب الإمام الأكبر عن أسفه الشديد لتفسير الكثيرين لمفهوم "القوامة" في الآية الكريمة بأنه إباحة التسلط على الزوجة، وسلب إرادتها ومصادرة حق التعبير عن رأيها، وأنها لا كلمة لها أمام كلمة زوجها، وأنه لا حرج من أن يقوم أمر الأسرة على أسلوب الأوامر والنواهي والاستبداد من جانب الزوج، والطاعة التي تقرب من طاعة العبيد من جانب الزوجة.. مؤكدًا أن "القوامة" بهذا التفسير اللا إنساني أمر لا يعرفه الإسلام ولا تقره شريعته، وأن فهمها في هذا الإطار يمثل نشازًا، بل خروجًا صريحًا على منظومة الآيات التي نزلت من فوق سبع سماوات لتحمي المرأة، زوجة كانت أو غير زوجة، وتصون إنسانيتها، وتحفظ حقوقها.
وعلل الإمام الأكبر ما سبق بأن الكتاب الإلهي (القرآن الكريم)، الذي قنن حياة الأسرة في إطار العدل المشوب بالمودة والرحمة والمعاشرة بالمعروف والنهي الصريح عن الضرر والمضارة، موضحًا أن هذا الكتاب يستحيل أن تأتي فيه آية تقر بالنقص والهدم على كل هذه الثوابت والأصول الخلقية والإنسانية في بناء العلاقات الأسرية.