«الضوينى» يفتتح احتفالية الجامع الأزهر بمناسبة مرور 1083 عامًا على تأسيسه
قال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، إن الله- عز وجل، منّ على مصر بالأزهر، ومنّ على الأزهر بمصر، وقال تعالى في كتابه العزيز: ﴿ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين﴾ أي مطمئنين وواثقين من أنه لن تصيبكم المكاره والأخطار والمخاوف، فدخلوا في حال من الفرح والسرور، وزال عنهم الغم والهم والكدر، وحصل لهم السرور والسكينة والطمأنينة والثقة، ومن تأمل الآية وما فيها من معان كامنة وجد أن الأمن تتعدد وجوهه، فليس الأمن مقصورًا على أمور الدنيا، وإنما يشمل الأمن أمور الدنيا والدين معًا؛ فالأمن الفكري والعقدي أمن داخلي لا يقل أهمية عن أمن الوطن الخارجي، فأمن الفكر والعقيدة هو أمن الأمة، وقد منّ الله على مصر بالأزهر ليحمي أمنها العقدي والفكري، ويكون سدًا منيعًا أمام أي محاولة لطمس هوية مصر والعبث بعقيدة الأمة.
وأضاف وكيل الأزهر خلال كلمته في احتفالية بمناسبة مرور 1083 عامًا هجريًا على تأسيسه، أن مصر الأزهر هي صمام أمان للأمتين العربية والإسلامية، فالأزهر حمى الهوية الإسلامية ولغة القرآن على مدار قرون وعلى مدى أزمنة، وقطاعات الأزهر تقوم بدور عظيم في حماية المجتمع من التطرف والغلو، وتحذر الناس دعاة الفكر الهدام وأعداء الشعوب والمجتمعات والأديان، إلى جانب دوره في التعاون مع المؤسسات الدينية الأخرى والتي تسعى جاهدة إلى تحقيق الاستقرار والأمان ونشر وسطية الدين الحنيف.
وبيّن الدكتور الضويني أننا نحتفل اليوم بمؤسسة وضعت بذور الخير منذ مئات السنين في أرض مصر الطيبة فأثمرت، وما زالت ثمراتها تخرج بإذن ربها كفاحًا ونضالًا وتربية وتعليمًا وتوجيهًا ودعوة، تحمل مشعل هداية القلوب، واستنارة العقول، وتنشر الوسطية والاعتدال، وتدافع عن العقيدة الصحيحة فكرًا ومنهجًا؛ لتكون بذلك لبنة رئيسة في حماية أبناء الأمة من الوقوع في براثن الفتن، فقد ولد الأزهر لتزهر آثاره في جنبات الحياة، فصار منارة للعلم، وقبلة للطلاب، وفي أروقته تعلم الملوك والسلاطين، وفي معاهدة تخرج الرؤساء والوزراء والسفراء من شتى بقاع الدنيا، وإلى علمائه تقرب الملوك والأمراء، ومن صحنه انطلقت الثورات، ومن على منبره وجهت، وبقيادة علمائه ومشاركة طلابه انكسرت قوى الطغيان، وتحطمت أحلام الغزاة.
وأوضح وكيل الأزهر أن احتفالنا اليوم بهذه المؤسسة العريقة في حقيقته احتفال بمنحة ربانية منَّ الله بها على الأمة، لتحمل لواء الدعوة الإسلامية، وتتخذ الوسطية سبيلًا ومنهجًا، فلا إفراط ولا تفريط، ولا مغالاة ولا تهاون، ولتكون حصنًا حصينًا، وسدًا منيعًا أمام الدعوات المتطرفة، والمناهج الهدامة، وستظل هذه المؤسسة مقاومة ومدافعة عن الإسلام الحنيف ما بقي الليل والنهار دون ضعف أو تخاذل؛ ولذا فمن حقنا أن نفرح بمؤسستنا، ومن واجبنا أن نتذاكر منهجه بين الحين والآخر حتى تقوم الحجة على المبطلين والمغالين، وتعود الحقوق إلى أصحابها.
وأردف فضيلته: لقد ظل الأزهر على مدار تاريخه ولا يزال يفتح أبوابه للظامئين إلى العلم والمعرفة من العلماء والطلاب من داخل مصر وخارجها دون تمييز أو إقصاء؛ فهو القبلة العلمية لجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، والنموذج الذي يحتذى به في الترابط العربي والإسلامي، والنمط المتفرد عن عيره من الجامعات الإسلامية على مر العصور بعالمية رسالته التي تقوم على كونه المنبع الأصيل للعلوم الإسلامية والعربية والعقلية، والموطن الدائم لطلاب العلم من جميع أنحاء العالم الإسلامي، وبدوره الراسخ والفاعل والإيجابي والمتواصل في خدمة ورقي الحضارتين الإسلامية والإنسانية.
وتابع وكيل الأزهر أنه منذ منّ الله على البشرية بوجود الأزهر الشريف واستراتيجيته تدور حول الحرص على ما استقر في وجدان الناس من ثوابت دينية وقيم أخلاقية، وتعمل على مواجهة تيارات العنف والتطرف؛ ولذا جند رجاله في كل زمان ومكان للمشاركة في تنفيذ رؤيته وأداء رسالته في جنبات الوطن فانتشر دعاته ووعاظه وعلماؤه يجوبون العالم شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، ينقلون رسالته السمحة ومنهجه الخالد في وسطية واعتدال وفكر مستنير يقدم صحيح الدين الذي أراد الله به للبشرية الخير والأمن والأمان، وها هو بقيادة فضيلة الإمام الأكبر يخوض حربًا شرسة لمواجهة غياب الوعي المجتمعي، فيسخر كل إمكاناته وقطاعاته لتثقيف الناس وتوعيتهم وإثراء معارفهم، بما يمكنهم من التمييز بين الحق والضلال، وإدراك قيمة الوطن، والعمل يدًا بيد على مواجهة ما يعرقل مسيرة تنميته وبنائه.
واستعرض فضيلته جهود الأزهر، مبينًا أن الأزهر الشريف مؤسسة شاملة بقطاعاتها المتنوعة، بهيئة لكبار علماء الأزهر التي تحمل هم الدين وهم الأوطان، وتعكف على ما يشغل الناس من مستجدات لتصل فيها إلى رأي يرعى واقع الناس ويستجيب لحاجاتهم، ومجمع للبحوث الإسلامية يعمل على تجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب وآثار التعصب المذهبي، وتوسيع نطاق العلم بها لكل مستوى وفي كل بيئة، وقطاع للمعاهد يربي النشأ على الفضيلة وحسن الخلق قبل العلم، وجامعة عريقة أفادت المجتمع والعالم بخريجين أصبحوا رموزًا وقدوة لغيرهم، ولجان للفتوى في كل مراكز مصر ومدنها تستقبل الجماهير كل يوم فتبين لهم ما اختلط عليهم من أمور دينهم ودنياهم، ومركز عالمي للفتوى الإلكترونية أسهم في تيسير التواصل مع الناس بشكل لحظي للرد على أسئلتهم والإجابة على استفساراتهم، وأكاديمية لتدريب الأئمة من مختلف دول العالم وغير ذلك من وحدات.
واختتم وكيل الأزهر كلمته بأن هذه المؤسسة العظيمة، وما تطلقه من مبادرات إنسانية مستمرة تؤكد أنها تحقق آمال المجتمع وأحلامه فيما تغرسه بين الناس من مبدأ التكافل، وإحساس بمشاعر الآخرين وإعانتهم في أزماتهم، حتى يحيا الوطن آمنًا بأبنائه متماسكًا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وإن هذا الحدث المبارك الذي نشهده اليوم، يؤكد أيما تأكيد استمرار الأزهر الشريف في مسيرته الوطنية، وحرصه الدائم على تقديم خطاب ديني مستنير يحوي بين جنباته كل علم يخدم الوطن ويحقق صالح الناس، بل ويجعل من الخطاب الشرعي خطابًا شاملًا يأخذ في اعتباره ما يشهده العالم من تطورات وتنوع في الثقافات والمعارف المختلفة.